أكّد رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي، الشاعر توفيق ومان، أنّ الملتقى السابع للأدب الشعبي المنعقد مؤخرا، كانت رؤيته قديمة، والتأخر في إقامته يعود إلى جائحة كورونا، وبعد فتح الخطوط الجوية أصبح الأمر مواتيا لاستقبال ضيوف الجزائر من الصحراء الغربية، تونس، ليبيا، مصر، وممثل دولة فلسطين المقيم بالجزائر، فيما لم يتمكّن المشاركون الذين مثّلوا كل من العراقوسورياولبنان والسعودية من الحضور لأسباب متعلقة بإجراءات السفر، مشيرا إلى أن ذات الجمعية ارتأت أن تتم الفعاليات تزامنا مع الذكرى 68 للثورة المباركة، وهو ما تناسب مع شعار الملتقى، الذي جاء على ضوء تجليات ثورة نوفمبر. أرادت الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي أن تختتم شهر نوفمبر بملتقى عربي يعنى بالأدب الشعبي، تقاسم فيه المشاركون من أدباء، شعراء وباحثين تجانسا في الرؤى والطرح، حيث قاموا بمعالجة المحور الرئيسي للقاء أدبيا وأكاديميا وشعريا، وذلك بأصوات عربية لها صيتها في العالم العربي، وصنعت الفرجة خلال أيام الفعالية، واستحقّت التكريم في العرس الثقافي، إلى جانب توزيع شهادات ودروع مقابل تأدية واجبها تجاه الأدب وفنونه وأصالته وتاريخه. وفي تصريحه ل «الشعب»، أشاد الشاعر توفيق ومان، محافظ الملتقى السابع للأدب الشعبي، بجهود المشاركين وتفوّقهم في إخراج الطبعة السابعة بنظرة مميزة، لاسيما الأصوات التي تغنّت بثورة نوفمبر المجيدة، عربية كانت أم جزائرية، ولولا غياب بقية المشاركين لكانت الصورة أكثر اكتمالا وجمالا. وفي ذات الصدد، ذكر المتحدث أنّه تعذّر على بعض الضيوف القادمين من العراق، لبنان، سوريا، الأردن والسعودية الحضور إلى الملتقى بسبب تأخر وصول التأشيرة، إلا أن أعمالهم نابت عنهم، قائلا «فيما تمكّن ضيوف الجزائر القادمين من البلدان المجاورة كتونس الذي مثلها الدكتور الطاهر عثمان البجاوي وثلاثة من مرافقيه، وليبيا ممثلة في الشاعر معاوية الصويعي، والشاعر والصحفي أشرف ناجي من مصر، الشاعر محمد علي لَمَنْ من الصحراء الغربية، أما فلسطين فمثّلها الدكتور ناجي رائد المقيم بالجزائر، إضافة إلى الأسماء الجزائرية التي سجّلت مشاركة قوية ومميزة، وأثرت اللقاء إبداعا وأدبا وشعرا». الفعالية سمحت بلمّ شمل الشّعراء الأدباء يرى الشاعر الزجال توفيق ومان، بأن الفعالية سمحت بلم شمل الشعراء والأدباء الذين حاكى طرحهم وإبداعهم تأريخ الأدب الشعبي العربي، الذي لا يمكن إنكار مكانته ومساهمته في كل ما هو عربي محليا أو اقليميا، كما أوضح بأن «الأدب الشعبي، بما في ذلك الشعر الشعبي والأمثال والحكم الشعبية، كان عنصرا مهما في الاتصال وفي توصيل رسالة الثورة، نظرا لعدم ظهور وسائل الاتصال آنذاك، فالأدب والشعر الشعبيين قبل وأثناء ثورة التحرير المجيدة، كانا يمثّلان أعلى هيئات الدولة، حيث كانا بمثابة وزارة الاتصال آنذاك، وبمثابة وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم»، مضيفا أنّ القصيدة، عبر متون شعرية بديعة جدا، كانت حاضنة لرسائل المجاهدين من منطقة إلى منطقة، حيث كانت تحث المجاهدين على الصبر والجَلَدْ، وعلى تحمل مشقة التضحية التي ستنتهي باسترجاع الحرية أو بالاستشهاد، والدليل على ذلك يقول ومان إنّ الكثير من الدواوين طبعت ونشرت للعديد من الباحثين الناشطين في هذا المجال، حول المجاهدين الذين كتب الله لهم الحياة، حيث كانوا بمجرد الانتهاء من الحرب يوثقون مجريات وحيثيات المعارك التي شاركوا فيها، ويصفون وقائعها لحظة بلحظة، مثل ما دوّنه على سبيل المثال الشبوكي، عبد الله الغريب، فاطمة منصوري وبالتالي اعتمدت قصائدهم في الجامعات الجزائرية. للشّعر الشّعبي دور في التّوثيق والتّدوين بالرجوع إلى دور الشعر الشعبي، خاصة في توثيق صفحات مهمة من تاريخ الجزائر، أكد المتحدث أنّه لو ما كان الشعر الشعبي لما عرفنا الغزو الإسباني متى حدث، وماذا جرى في معركة مزغران، الزعاطشة وغيرها، مبرزا - في السياق - أن من بين الشعراء الذين وثقوا لهذه الحقب التاريخية والفاصلة في تأسيس الدولة الجزائرية، محمد بن ڤيطون، الشاعر المتصوّف والمقاوم الذي كتب واقع ثورة الزعاطشة، التي استشهد فيها البطل أحمد بوزيان وقطعت رأسه..ومحمد بلخير الذي كتب عن ثورة الشيخ بوعمامة..، وكل فترة من المقاومة - يتابع قوله - لها شاعرها وكاتبها ومؤرخها، فالشعر الشعبي كان له دور كبير ولا يزال إلى ما بعد الاستقلال في تسجيل وتوثيق الوقائع، والدليل على ذلك الدفعة القوية لشعراء حملوا مشعل الأوائل وتسلمها جيل الشباب، جيل الانجازات، جيل العشرية «من هنا نستنتج أن كل مرحلة لها خصوصيتها وديوانها إن صح التعبير» . الحفاظ على الأدب الشّعبي..ضرورة دعا ومان كل شاعر عربي أن يشتغل من أجل الحفاظ على الأدب الشعبي، الذي قال عنه «هو في الحقيقة يؤرّخ للأدب العربي»، مضيفا أن «الأدب الشعبي هو الذي يترجم للهوية ولشخصية الدولة، لأن الاعتراف بأي دولة كانت هو رؤية موروثها وتاريخها الشعبي، ولأنّ الجزائر دولة لها خصوصيتها عن باقي دول العالم العربي خاصة من الجانب السياسي، ومقارنة ببعض الدول التي تكوّنت في السبعينيات وفي الستينيات، ربما لا نجد أي موروث شعبي بها الذي يترجم قدمها وتاريخه، أما الجزائر فهي متجذّرة في التاريخ، فعندما نعود للقرن السادس عشر سيظهر جليا الموروث الجزائري والتاريخ الجزائري من خلال «القصائد الشعبية»، «الحكايات» و»القصص الشعبية»، أو من خلال «البوقالات» وما يعرف ب «المحاجيات». فيما أضاف أن كل هذا الزخم الأصيل يمثل ثقافة الدولة لاسيما هويتها وشخصيتها، كما عبر عن اعتزازه بهذا الموروث، الذي تسعى المؤسسات الثقافية على نقله للأجيال القادمة، والتي ستفتخر بوجود محيط تاريخها محفور فوق كل حبة تراب من أراضيها، التي تضم كنوزا لا كنزا من التراث المادي واللامادي، مثلما جاء على لسانه في الأخير عبر هذا السياق: «فمثلا ابن خلدون عندما كتب مقدمته وتحدث عن تاريخ منطقة شمال أفريقيا، فإنه تطرق إلى جانب كبير جدا من الجزائر، وذلك من خلال تعريفه بالمنطقة، وتعريفه لحدودها وثقافتها بما في ذلك تراثها وفلكلورها».