الاستفادة من عمق الطرق الصوفية وامتداداتها في القارة وتنشيط السياحة الدينية تفعيل التعاون الاقتصادي وإرساء الاستقرار والأمن والسلم وترقية التبادل العلمي والثقافي أشاد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمس، بالجزائر العاصمة، بمآثر الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي، الذي يعد «شخصية علمية بارزة تركت آثار الفضيلة والخير ومآثر العقل والفكر» وصاحب مشروع إصلاحي متكامل يهدف إلى زرع الوسطية والحفاظ على الاستقرار والأمن الاجتماعي. ذكر رئيس الجمهورية، في رسالة للمشاركين في ملتقى الجزائر الدولي حول «الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي: الحوكمة واستقرار المجتمعات الإفريقية ووحدتها»، قرأها نيابة عنه وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي، بنشأة الإمام المغيلي التي ابتدأت من مرحلة التكوين العلمي عند ثلة من علماء الجزائر الأفذاذ في العهد الزياني ومنهم علامة الجزائر الشيخ سيدي عبد الرحمان الثعالبي وإمام تلمسان سيدي محمد بن يوسف السنوسي، وغيرهما من الإعلام الأكابر، ثم واصل مسيرة البذل والعطاء متجاوزا ما واجهه من العقبات والمحن. وأضاف الرئيس تبون، أن جهود الإمام المغيلي «أثمرت في نشر تعاليم الإسلام السمحة في قارتنا الإفريقية، فبفضله وبفضل أمثاله من العلماء كالشيخ سيدي أحمد التيجاني وسيدي عبد الرحمان الأخضري وغيرهما كثير، انتشر الإسلام في مناطق واسعة من القارة الأفريقية كمالي والنيجر والتشاد وغيرها». ولقد سجلت كتب التاريخ تلك الإسهامات في مجال التعليم والتدريس والوعظ والإرشاد والإصلاح، حيث أرسى الإمام قواعد مؤسسات علمية وحواضر ثقافية في مختلف الأقطار الإفريقية وكان لذلك بعدا عميقا في توجه تلك المجتمعات إلى الاهتمام بالتعليم وفتح المدارس والعناية بالطلبة، واستمرت آثار تلك النهضة العلمية قرونا متوالية، يضيف رئيس الجمهورية، مشيرا أن «انتاجه العلمي حظي بالانتشار والاهتمام البالغ وأثر في ازدهار الفقه والتصوف وعلوم اللغة العربية وهو العالم الأشهر الذي سجل التاريخ آثاره في هذه البلاد وأثرت في عدد من العلماء والمؤلفين والباحثين في القديم والحديث». وأبرز الرئيس أن المشروع الإصلاحي المتكامل للإمام المغيلي «لم يكتف بالبعد التعليمي والتربوي والدعوي، بل امتد ليشمل مجالات الحوكمة الراشدة من اجل الحفاظ على الاستقرار والأمن الاجتماعي، وكانت كتاباته مرجعية مركزة مستوحاة من مبادئ الشريعة الاسلامية السمحة لما فيها من القيم والمبادئ العليا كسيادة القانون وتحقيق العدل والمساواة واحترام الحريات والحقوق والمشاركة المجتمعية الفعالة». وذكر رئيس الجمهورية، أن «من آثار المغيلي الاقتصادية والتنموية في البلاد التواتية تلك السوق الكبيرة والمشهورة بقصر سيدي يوسف، التي كانت بمثابة قطب اقتصادي يربط إقليم توات بكثير من الأقاليم والبلدان وهو الاتجاه الذي ينبغي أن تنحوه بلداننا اليوم من اجل إرساء تكامل اقتصادي إفريقي»، معتبرا أن ذلك المشروع قد أثر «إيجابا في إرساء النظم الإدارية والتشريعية والقضائية وتحقيق عوامل الانسجام والتعايش والاستقرار والتنمية وتنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لأنه مشروع متعدد الجوانب مبني على الوسطية التي سار عليها علماؤنا عبر التاريخ وصنعت مرجعيتنا الدينية ويمكن أن نستلهم من مبادئه وقيمه في بلداننا وعلى الخصوص منطقة الساحل الإفريقي ما يعيننا على مواجهة مختلف التحديات، لاسيما الغلو والتطرف بكل أشكاله». وأضاف الرئيس تبون قائلا: «لقد تمكن الإمام المغيلي من الاستثمار في البعد الإفريقي واستطاع أن يكون أرضية للوفاق والتعاون البناء، وان الجزائر الجديدة تدرك بأن البعد الإفريقي يبقى خيارا استراتيجيا مهما يمكن شعوبنا من استكمال طموحاتنا المنشودة بتعزيز العمل الدبلوماسي وتنشيط السياحة الدينية والاستفادة من عمق الطرق الصوفية وامتداداتها في إفريقيا وهو ما يؤدي إلى تحقيق الانسجام في المواقف السياسية وتفعيل التعاون الاقتصادي وترقية التبادل العلمي والثقافي وإرساء الاستقرار والأمن والسلم». وخلص الرئيس تبون، الى أن «الجزائر التي خدمت إفريقيا في ماضي عهدها ستواصل هذه المسيرة في حاضرها ومستقبلها، مستلهمة كل ذلك من مجد الأسلاف والأجداد». وانطلقت، أمس، بالجزائر العاصمة، أشغال ملتقى الجزائر الدولي «الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي: الحوكمة واستقرار المجتمعات الإفريقية ووحدتها» تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وجرت مراسم افتتاح أشغال هذا الملتقى، التي تجري بقصر المؤتمرات الدولي «عبد اللطيف رحال»، بحضور رئيس المجلس الشعبي الوطني ابراهيم بوغالي ورئيس المحكمة الدستورية عمر بلحاج وأعضاء من الحكومة ومستشارين لرئيس الجمهورية، بالإضافة الى وسيط الجمهورية مجيد عمور وعميد جامع الجزائر محمد المأمون القاسمي الحسني ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى وشيوخ وعلماء من الجزائر وخارجها وأحفاد الإمام المغيلي وشيوخ زوايا من الجزائر وإفريقيا وأعضاء من السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر. وتم بالمناسبة تكريم رئيس الجمهورية بوسام من طرف أحفاد الإمام المغيلي نظير جهوده الكبيرة في تثمين وحفظ تراث الإمام وكذا تنظيم هذا الملتقى الدولي. إبراز البعد الإفريقي في المشروع الإصلاحي للإمام المغيلي أكد علماء وباحثون مختصون في التراث الإسلامي جزائريون وأجانب، أمس الاثنين، بالجزائر العاصمة، في ملتقى دولي حول الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي، الدور الرائد لهذا العلامة في «نشر الإسلام الصحيح في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل»، اعتمادا على رؤية إصلاحية شاملة تهدف «للحوكمة واستقرار المجتمعات الإفريقية ووحدتها». وقال رئيس الملتقى، محمد حسوني، إن الإمام المغيلي كان «رجلا مصلحا وفاتحا عظيما به عرفت جل شعوب إفريقيا الكثير من وجهتها الصحيحة نحو الإسلام وبه سحقت الأفكار الهدامة التي طبعت تلك المرحلة من حياة القرن فكانت الوحدة والتآخي وكان الاستقرار والاطمئنان للكثير من المجتمعات الافريقية». وأضاف حسوني، أن الإمام «كانت له أعمال جليلة جلبت له تقديرا كبيرا من كافة أرجاء المعمورة وخاصة من قارة إفريقيا»، مضيفا أن ما يكنه الأفارقة لعلماء وأعلام الجزائر عامة وللإمام المغيلي خاصة «تشهد عليه الطرق الصوفية الجزائرية كالقادرية والتيجانية بامتداداتها التاريخية والجغرافية، إذ لها أتباع ومريدين بمئات الملايين في إفريقيا والعالم». وذكر المتحدث، بأن فكرة هذا الملتقى ليست وليدة اليوم «فقبل 23 سنة فكر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في تأسيس أول ملتقى للإمام المغيلي، في 1984 وهو على رأس ولاية أدرار، وكان أول ملتقى دولي تعرفه ولاية أدرار والجزائر المستقلة» عن تاريخ وتراث هذا العلامة. من جهته، أمير إمارة كانو شيخ الطريقة القادرية بنيجيريا، الحاج أمينو أدو باييرو، أكد على «المكانة العلمية والدينية المرموقة» للإمام المغيلي و»مساهمته الفعالة في انتشار الإسلام غرب إفريقيا ومنهجه الوسطي وتركه لمآثر عديدة في عموم إفريقيا ينبغي استحضارها». وقال الشيخ، إنه «من الضروري استحضار مواعظ وأفكار العلامة المغيلي الإصلاحية الذي عاش في رحاب مدينة كانو النيجيرية لمدة 20 عاما معلما ومفتيا». واقترح ذات المتحدث على الباحثين الجامعيين في العالم دراسة معمقة وإعادة إحياء الفكر السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي للإمام المغيلي لتحقيق الاستقرار والحوكمة في البلدان الإفريقية. وقال من جهته الصديق حاج أحمد الزيواني، وهو من أحفاد الإمام في الجزائر، إن «شخصية الامام المغيلي العابرة للزمان والمكان والحقوق المعرفية اكتسبت خصوصية بين مجاليها، نظرا للرؤية الناضجة للذات وما حولها». وشدد عميد جامع الجزائر، مأمون القاسمي الحسني، في مداخلته على أن شخصية المغيلي «من أهم المرجعيات العلمية في الجزائر وقد تبوأ مكانة علمية عالية بين معاصريه من العلماء، وسجل تاريخا حافلا في بلاده وفي الجوار الإفريقي، حيث كان له حضور فاعل وقدم الكثير للمجتمعات الإفريقية من أجل وحدتها واستقرارها»، مشيرا إلى أنه «كانت له بسطة في الفهم والعلم ومنهج متميز في الدعوة والإصلاح». وأردف الشيخ القاسمي، أن الملتقى «فرصة لنستلهم من الإمام الفذ والملهم المرشد والرمز الموحد ومن منهجه وسيرته ما تأتلف به الأرواح وترتبط القلوب وما يوطد أواصر المحبة والتعايش بين الشعوب ونستلهم منه منهجه الراشد بوسطيته واعتداله وبدوره التنويري وببعده الإصلاحي والاجتماعي والاستفادة من فكره السياسي ونظرته المقاصدية ومبادئ الحكم الراشد». وتنظم فعاليات ملتقى الجزائر الدولي «الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي: الحوكمة واستقرار المجتمعات الإفريقية ووحدتها» بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وهذا من طرف وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية والأوقاف، في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى 60 لعيد الاستقلال. ويعرف هذا الملتقى، الذي يستمر يومين، حضور علماء وباحثين من الجزائر وعدة بلدان إفريقية وآسيوية، وكذا تنظيم مداخلات حول مسيرة ومآثر الإمام العلامة عبد الكريم المغيلي في الجزائر وإفريقيا والعالم. ويسمح هذا اللقاء، الذي تنظمه وزارتا التعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية والأوقاف، في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى 60 لعيد الاستقلال، بإحياء مسار ودور الشيخ المغيلي في نشر الإسلام في إفريقيا وإبراز قيم الحوار والتسامح التي ميزت الخطاب الديني الوسطي لهذا العالم الجزائري الذي اشتهر بالمناظرات العلمية وبالترحال في بلدان العالم الإسلامي وما وراء الصحراء الإفريقية ناشرا للإسلام. ويشارك في هذه التظاهرة أساتذة جامعيون وباحثون مختصون في مجال التراث الإسلامي من أكثر من 20 دولة، منها نيجيريا، مالي، فلسطين، السنغال، بوركينافاسو، باكستان، الهند والعراق. للتذكير، فإن الإمام المغيلي، الذي ولد بتلمسان أواخر القرن 14 ميلادي، قد درس ببجاية ثم بمدينة الجزائر، حيث أخذ العلم عن عبد الرحمن الثعالبي الذي كلفه بنشر الطريقة القادرية بجنوب بلدان المغرب العربي، وبعد جولة كبيرة عبر منطقة الساحل وافته المنية في 1504 بمدينة أدرار ودفن بزاوية كونتة تاركا وراءه أكثر من 24 مؤلفا ورسالة.