تعاملون محليون: سياسة حماية المنتوج الوطني أعطت ثمارها مؤسسات جزائرية توفر حلولا وبدائل لمنتجات مستوردة يعود الصالون الدولي للنسيج والملابس والجلود والمعدات، في طبعته الخامسة والأولى بعد جائحة كورونا، بديناميكية غير مسبوقة طبعتها لمسة خاصة لأنامل جزائرية رفعت تحدي تنشيط قطاع يكتسي أهمية بالغة في السياسة الاقتصادية للبلاد من حيث تعزيز قدرات الإنتاج ورفع تنافسية المنتوج المحلي. في ثاني يوم من الصالون الدولي للنسيج والملابس ومعدات الإنتاج الجاري بمركز المؤتمرات عبد اللطيف رحال بالجزائر العاصمة، كانت ل "الشعب" جولة في أجنحة الصالون، تشارك فيه نحو 100 مؤسسة عمومية وخاصة وأجنبية تنشط في صناعة النسيج والجلود، منها مؤسسات توفر مواد أولية وشبه مصنعة ومعدات وناشطين في مجال التصميم والعمليات والخدمات، إلى جانب ناشطين في صناعة الملابس الجاهزة والأحذية والمنتوجات الجلدية المختلفة. ديناميكية جديدة.. الصالون الذي أشرف على افتتاحه الاثنين وزير الصناعة أحمد زغدار، يُعد فرصة لتبادل الخبرات والتعاون بين المتعاملين، فضلا عن توقيع اتفاقيات تعاون بين جزائريين وأجانب من دول عديدة مثل تركيا، روسيا، تونس، مصر، إنجلترا، الهند، باكستان، إندونيسيا، الصين، كان فرصة لاكتشاف لمسة جزائرية خاصة تُوحي إلى وجود مساع جدية للنهوض بهذا القطاع، وهو ما لمسناه من خلال ما تعرضه مؤسسات جزائرية وبشهادة أصحابها. ما يميز هذه الطبعة من الصالون، بعد غياب دام 3 سنوات بسبب الظروف الصحية إثر جائحة كورونا، بروز مؤسسات جزائرية رائدة في مجال تصنيع مواد أولية وتقدم حلولا لعشرات الشركات والمؤسسات الصغيرة الناشطة في مختلف فروع النسيج وصناعة الجلود والملابس، وهي مواد كانت في الماضي القريب تستورد من دول أوروبية وآسيوية. النهوض بالإنتاج المحلي وتطوير نسيج المؤسسات في أي شعبة صناعية كان يعتمد بالأساس على توفير مناخ أعمال مساعد، وقدرة متعاملين محليين في تنشيط مؤسسات ومهنيين واستحداث سوق واعدة، لاسيما من حيث توفير المادة الأولية ووحدات تدخل في التصنيع المحلي. من الأمثلة الناجحة التي صادفناها خلال جولتنا في هذا المعرض، مؤسسات جزائرية تقدم حلولا بديلة عن مواد مستوردة لكثير من المتعاملين المحليين، وتوفر مادة أولية ذات نوعية عالية تنافس تلك القادمة من وراء البحار، ففضلا عن تأدية دور اقتصادي هام في تغطية الطلب المحلي لفائدة المهنيين ومنه إلى المستهلكين، تعمل هذه المؤسسات على تعزيز تواجدها في الأسواق الخارجية. مادة أولية جزائرية.. من هذه المؤسسات "tentex" مؤسسة خاصة مختصة في صناعة النسيج غير منسوج منذ 2012، وكانت رائدة في صناعة القناع الطبي خلال جائحة كورونا ب 3 ملايين قناع يوميا. عن نشاط الشركة ومنتجاتها، يقول مسؤول الإنتاج وممثلها في الصالون عبد الحق كسكاس، في تصريح ل "الشعب أونلاين"، إن النسيج غير منسوج يستعمل في مجالات كثيرة، منها الفلاحة، مستلزمات طبية..ألخ، وأضاف:« في الصالون كان لنا لقاءات مع شركات تستعمل منتوجاتنا كبديل لمنتجات غير متوفرة حاليا في السوق المحلي." وتوفر الشركة حسب المتحدث حلولا لمتعاملين محليين كثر، وتستهدف أسواقا خارجية مثل تونس واسبانيا "نطمح إلى توسيع شبكة صادراتنا، لكن تبقى أهدافنا الأساسية توفير المادة الأولية في السوق الجزائري، خاصة بعدما أصبح النسيج غير منسوج بديلا لمنتجات غير متوفرة في السوق". ويُفصل أكثر "هناك ورشات ومهنيين بحاجة إلى مادة أولية، شركتنا توفر حلولا بديلة في هذا المجال وتساعد هؤلاء على تجسيد مشاريعهم وتصنيع منتجات محلية." قبل التعرف على ما تقدمه شركة " tentex"، كان لنا لقاء مع مؤسسة محلية تطرح منتجا في السوق ذي أهمية في شعبة النسيج، ويتعلق الأمر بشركة متيجة لتحويل البلاستيك، وهي شركة مختصة في مجال التغليف الغذائي وصناعة خيوط النسيج منذ 40 سنة. من بين ما تعرضه شركة "متيجة" في جناحها بالمعرض، خيوط النسيج التي تُعد مادة أولية تعتمد عليها مؤسسات محلية في كثير من الصناعات النسيجية، فضلا عن سعيها إلى تغطية الطلب المحلي وتشبيع السوق قبل التوجه نحو التصدير. سياسات صائبة.. في هذا الخصوص، يؤكد المسؤول التجاري لشركة متيجة لتحويل البلاستيك، عقون سليم، أن المادة الأولية التي تعرضها "متيجية" كانت قبل 5 سنوات مستوردة 100 بالمائة من دول مثل فرنسا وايطاليا " اليوم نصنعها في الجزائر ونوفرها كمادة أولية لنحو 30 مؤسسة محلية بجودة وسعر تنافسي." وتابع قائلا:« انطلقنا في صناعة خيوط النسيج سنة 2016، ونسعى إلى توسيع نشاطنا وتشبيع السوق الداخلي قبل التوجه نحو استهداف أسواق افريقية، لدينا شركات عديدة مهتمة بمنتوجنا". بالمقابل، يتحدث المصدر عن ما يسجله قطاع النسيج من تطور ملحوظ في آخر السنوات، ويشير إلى أن المقاربة الاقتصادية الجديدة من خلال سياسة رئيس الجمهورية في حماية الاقتصاد الوطني أعطت ثمارها "فتحت المجال لمتعاملين جزائريين مثل شركتنا لرفع تحدي توفير مادة أولية، في هذا الصالون نسجل حركية كبيرة مقارنة بالنسخ السابقة، سواء من حيث جودة المنتوج أو عدد المؤسسات المصنعة." وكنموذج عن تصنيع محلي بالشراكة بين متعاملين جزائريين وأجانب، توفر مؤسسة "ديكور ايكو" وهي مؤسسة جزائرية تركية مختصة في صناعة زرابي محلية بتكنولوجيا تركية، مثلما يقول ممثلها كمال شعبان، منتجات تضاهي تلك المستوردة نوعا وسعرا. ويقول ل "الشعب أونلاين": نوفر منتجات محلية الصنع بمقاييس جودة عالية، ونعمل حاليا على فرص تواجد منتوجنا في أسواق خارجية مثل ألمانيا وانجلترا". قانون الاستثمار.. عن واقع شعبة النسيج والجلود، يتحدث رئيس الفيدرالية الوطنية للنسيج والملابس والجلود، بلحاج طباخ، ل "الشعب أونلاين" على هامش الصالون، عن ضرورة حماية المنتوج المحلي، والعمل على تحريك هذا النشاط من خلال فسح مجال التصنيع أمام متعاملين جزائريين، وتعزيز قدرات مناطق معروفة مثل ولايات المدية، غرداية وتلمسان. ويبرز المصدر أهمية ما تضمنه قانون الاستثمار الجديد، في الجانب المتعلق بالتسهيلات التي حملها لفائدة المستثمرين الأجانب، والذين يمكن حسبه الاعتماد عليهم في تطوير شعبة النسيج والجلود بنقل التكنولوجيا وتكوين يد عاملة مؤهلة.. في السياق أيضا، يشير بلحاج إلى أهمية التوجه نحو استثمارات نوعية في إنتاج المادة الأولية، مثل زراعة القطن، ويقول:«لدينا كافة الإمكانيات وكانت لدينا تجربة سابقة ناجحة." وتحصي الجزائر، حسب الأرقام التي قدمها رئيس الفيدرالية الوطنية للنسيج والجلود، أزيد من 11.104 مؤسسة تنشط في مختلف فروع صناعة النسيج والجلود والملابس. خطوات.. عموما، الحركية التي يشهدها قطاع النسيج والجلود في الجزائر، تُترجم مساع حثيثة للسلطات العمومية لتطوير هذه الشعبة، إذ تجدر الإشارة إلى أنه تم استحداث لجنة استراتيجية خاصة بشعبتي النسيج والجلود، شهر أكتوبر الماضي، في إطار مساعي إعادة بعث وتنظيم الشعب الصناعية. من أهداف هذه اللجنة دراسة وضع صناعات النسيج والجلود وتشخيصها مع اقتراح الحلول الحقيقية والعملياتية لمختلف المشاكل، بمشاركة فاعلين من القطاعين العمومي والخاص بدون استثناء، إلى جانب هيئات رسمية، منظمات ومخابر البحث ومراكز تكوين متخصصة. أعقب ذلك تنظيم الجلسات الجهوية الأولى (نوفمبر الماضي) حول واقع وآفاق تطوير صناعات النسيج والجلود في الجزائر، والتي تمحورت أشغالها حول إبراز أهمية تكتلات المؤسسات (clusters) في تعزيز تنافسية الفروع الصناعية. إضافة إلى عرض تجارب في مجالات أخرى من أجل استنساخها بهدف تنظيم فروع صناعات النسيج والجلود التي تعرف منافسة خارجية حادة وضعف التنسيق بين أطرافها الفاعلة، لاسيما ما بين موردي المواد الأولية والمحولين الصناعيين، وضعف شبكات التوزيع والتسويق وانتشار السوق الموازي.