ضمان تموين السوق.. وتطوير الصناعة والزراعة فوسفات وحديد وزنك وذهب وأتربة نادرة.. كنز للأجيال تعمل الجزائر بشكل حثيث على تطوير القدرات الوطنية في قطاع المناجم لمواكبة التوجه الاقتصادي الجديد الرامي إلى إدماج كل القدرات المنجمية الوطنية المتوفرة في النسق الاقتصادي، ودمج وسائل الإحصاء والتكنولوجيا لتطوير وتعزيز الإنتاج، وضمان تموين السوق الوطنية بالموارد التي تساهم في تطوير الصناعة والزراعة مع تنمية مستوى التجارة الخارجية من خلال الصادرات المنجمية استجابة لنمو الطلب العالمي وتحقيقا لحضور فعال للجزائر كدولة محورية في الاقتصاد العالمي. تحوز الجزائر على قدرات منجمية معتبرة في عديد المواد الإستراتيجية من فوسفات وحديد وزنك وذهب وأتربة نادرة، تندرج ضمن المواد الأساسية في الصناعة والزراعة، وتمثل خزانا استراتيجيا مهما لتنمية صادرات المواد الخام للاقتصاد العالمي الذي يشهد نموا متسارعا، وهو بحاجة ملحة لمصادر جديدة من الموارد الأولية لتنمية الإنتاج والتصنيع في العالم. وفي هذا الشأن ومنذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون عكف على توجيه إطارات القطاعات المعنية بإحصاء وتقدير القدرات الوطنية المتوفرة بشكل دقيق في قطاع المناجم، والتي لم تشهد أي عملية إحصاء أو تقدير منذ سبعينات القرن الماضي، بحيث جرى التوجيه بإعداد دفتر أعباء مع بنوك أعمال لاستغلالها وتطويرها مع شركاء محترفين، لتحقيق تنمية الاقتصاد وتعزيز قدرات الجزائر من مصادر الثروة والمواد الأولية. تزخر الجزائر بقدرات معتبرة من الأتربة النادرة تبلغ 20 بالمائة من الاحتياطات العالمية وفق تقديرات مكتب البحوث الجيولوجية والمعدنية، التابع للوكالة الإفريقية للإعلام الاقتصادي والمالي، وهي مواد إستراتيجية تدخل في صناعات تكنولوجية معقدة، من شأنها أن تجذب صناعات دقيقة وهامة للجزائر، في ضوء التحولات الاقتصادية العالمية، وبحث عديد الدول عن مصادر جديدة للطاقة والمواد الأولية. في هذا السياق، تشير تقديرات أولية إلى وجود 31 مادة مستغلة في الجزائر من أصل 1400 استثمار منجمي، بينما تبلغ مساهمة المناجم وفق بعض التقديرات في الناتج المحلي الوطني نسبة 1 بالمائة إلى غاية 2020، وأطلقت الجزائر منذ ذلك التاريخ أزيد من 26 مشروعا للبحث والتنقيب عن المعادن بعد اكتشاف وتحديد 32 مادة غير مستغلة، بغية تدعيم موارد البلاد من العملة الصعبة وتحقيق التحرر التدريجي من التبعية للمحروقات. وفي هذا السياق، سبق وأعلن وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، أن الجزائر تخطط لتطوير قطاع التعدين بعيدا عن إيرادات المحروقات وتنويع الاقتصاد الوطني، وفق خارطة لمدة أربع سنوات، لتنشيط وتنمية قطاع التعدين، وأوضح أن الدراسات كشفت من خلال تحليل البيانات الجيولوجية والهيكلية عن توفر الجزائر على خامات معدنية معتبرة من الذهب، الفضة، الزنك، اليورانيوم، القصدير، التنغستن، الحديد، المنغانيز، المولبدينيوم، بالاضافة إلى معادن نادرة مثل الولفرام، التنتالوم، النيوبيوم، البريليوم. وحسب ذات البيانات التي كشفت عنها الوصاية فإن قطاع التعدين في الجزائر يتوفر على عناصر أرضية نادرة مثل الايتيريوم، والسكانديوم، والسيريوم، إضافة لمعادن صناعية أخرى، مثل الفوسفات، الباريت، والبنتونيت، الفوسفات، والفلوريت، والكاولين، والفلسبار، وكربونات الكلسيوم، والدولوميت، الكبريت الأصلي، إضافة لدياموتيت، والمغنسيت، والجبس، ورمال السيليكا والأملاح. بالمقابل، تتوفر تربة الجزائر على مواد البناء والصخور الزخرفية، مثل الرمل والحجر الرملي، الحجر الجيري، الغرانيت والرخام، إضافة للأحجار الكريمة ذات الثمن الباهض، مثل الألماس، التوباز، البريل، إضافة لعناصر مجموعة البلاتين، البلاديوم، الايريديوم، الروثينوم، الروديوم، الأوزميوم، إضافة إلى الليثيوم، الكوبالت، الانديوم، الجرمانيوم، الغاليوم. مخطط لتنويع اقتصاد الجزائر.. في إطار تنويع اقتصادها، تعمل الجزائر على الخروج من أحادية المحروقات إلى مصادر متعددة من بينها قطاع التعدين الذي بقي متواضعا، رغم الإمكانيات الضخمة التي تتوفر عليها وبقيت بدون استغلال أو إحصاء في السابق، حيث بادرت الدولة بقانون استثمار جديد واعد، ووكالة وطنية للاستثمار ذات شباك واحد لرفع البيروقراطية، وتوفير معلومات جيولوجية هامة للمستثمرين، وتحفيز القطاع من خلال رسم الخرائط، وجرد المعادن المتوفرة، وتكثيف الأبحاث، بمشاركة المستثمرين المحليين في القطاع العام والخاص والأجانب، مع السعي لجذب رأسمال اللازم، والحصول على تقنيات البحث والاستغلال وتحويل المواد المعدنية. وشرعت الجزائر عمليا في استغلال أهم منجم حديد تتوفر عليه، المتمثل في غارة جبيلات الذي تقول التقديرات انه يحوز أزيد من 3.5 مليار طن من الحديد بالشراكة مع الصينيين، وشرعت في استغلال مناجم الفوسفات ب 7 مليار دولار رفقة شركات صينية، كما أطلقت عملية التنقيب على الذهب من خلال المقاولين والمنقبين الشباب بغية رفع إمكانيات الجزائر من المعدن الأصفر، وغيرها من المشاريع الهامة في الزنك وغيرها. وفي هذا الشأن، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة الدكتور عثمان عثامنية، إن الجزائر تتوفر على احتياطات هامة من عديد المعادن والثروات الطبيعية الأخرى، على الرغم من عدم استغلالها بالشكل الأمثل إلى غاية الآن. ففيما يخص الفوسفات تتوفر الجزائر على احتياطي يتعدى 2 مليار طن، يضعها في مرتبة متقدمة بين دول العالم. لكن صادراتها من المادة لا تتعدى 1.5 مليون طن وهي لا تعكس تلك المرتبة، لذلك سعت السلطات لعقد اتفاقيات استثمار مع الصين بقيمة تصل إلى 7 مليار دولار، ما سيسمح بزيادة الإنتاج ليوفر 7 إلى 8 مليار دولار سنويا، ويضع الفوسفات بعد المحروقات في الإيرادات. ويضاف إلى ذلك إمكانية بناء صناعة تحويلية حول الفوسفات، خاصة وأن الجزائر لها ميزة توفر الغاز، ما يمكن أن يجعلها مكتفية من الأسمدة ومصدرة لها وللكثير من المنتجات الأخرى. وفيما يخص الذهب، قال عثامنية إنه يصل احتياطي الجزائر منه إلى حوالي 173.56 طن، وبلغ إنتاج الجزائر السنوي منه 6.8 مليون طن نهاية 2021، وأضاف بأنه وبالرغم من أن الجزائر تأتي الثالثة عربيا في احتياطي الذهب، إلا أن تركيبة ملائمة من التشريعات والتسهيلات يمكن أن تجعلها في مرتبة أفضل عالميا. وحول دور المناجم في ترقية الاقتصاد الوطني قال الخبير الاقتصادي المتخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية الدكتور فريد بن يحيى، إن المواد الأولية تعتبر القاعدة الأساسية لتنمية أي اقتصاد، بحيث هناك الكثير من الدول تستورد المواد الأولية من الخارج، لكن هذه الدول تمتلك تكنولوجيا متقدمة بالنسبة لكوريا، اليابان، الولاياتالمتحدة، ألمانيا وغيرها. وأكد المتحدث أن العمل يتطلب ورشات كبيرة جدا ومجهودا ومرافقة من طرف مكاتب مختصة، خاصة المكاتب الأنجلوسكسونية، والمناجم يمكن أن تدخل في الإطار إذا عملنا تنمية حقيقية لصناعة الفولاذ، وكذلك لابد أن يكون لدينا التكنولوجيا، بما يسمى هندسة الأمور، أي كل الشركات الكبرى تكون لديها مجموعة من مهندسين بمستوى عالي جدا وفنيين محترفين، والذي تم إهمالهم بعد أن كونت الجزائر في السبعينات والثمانينات جيلا جيدا جدا في الهندسة. والمناجم يمكن أن تساهم ب 15 إلى 20 بالمائة من الناتج المحلي الخام في البداية ويمكن أن ترتفع هذه النسبة بحسب السياسة الموجودة والإستراتيجية المتبعة لقطاع المناجم الذي يتحول لصناعات كبرى وتكون صناعات مصنعة وبالطبع تكون فيه مرافقة وخاصة والجزائر تتحضر إلى الانضمام لدول "بريكس". وحسب بن يحي فإن قطاع المناجم يمكن أن يعزز قطاع الفلاحة والصناعة والتصدير لأن قطاع المناجم قطاع هام جدا، ولابد ان تكون فيه سياسة محكمة وفي مسألة القطاع الفلاحي فإن مصفوفاته يستمدها من قطاعات المناجم من فوسفات واليوريا وغيرها من المواد الأولية التي تدخل في تطوير الفلاحة، وبالطبع لابد من إعادة تأهيل 32 مليون هكتار بهاته القدرات، وتكون سياسة بمراحل أولى وثانية وثالثة ورابعة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وبالنسبة لكتلة المناجم الإجمالية الخام، قال ذات المتحدث، إنه لا توجد أرقام دقيقة وموثوقة في هذا الشأن، وأفاد انه كخبير اقتصادي يعتقد أن هذه الكتلة لابد لها من مهندسي المناجم النزول للميدان لنستطيع، لأن المسح بالأقمار الصناعية يمكن أن يحدد مواقع، لكنه لا يستطيع تحديد الكتلة الفعلية، بحيث انه لابد من النزول للميدان، ثلاثة أو أربع أشهر لكل منجم، ونحن في الجزائر متأخرون في تقييم الكتلة الحقيقية للمناجم، منطقة بمنطقة. وحسب بن يحيى، فإن الجزائر يمكن أن تكون قطب من الأقطاب من خلال غارة جبيلات، عبر إنشاء صناعات وطنية ومعرفة الحجم الحقيقي، غبر إنشاء أقطاب صناعية لتحويل الفولاذ، ولابد أن ينتقل الإنتاج من 300 ألف طن إلى 10 و12 مليون طن سنويا، وعليه فيجب مبدئيا ان ترتفع الوتيرة من 3 إلى 5 مليون طن لانطلاق الصناعات الفولاذية، كذلك بالنسبة للذهب، الألماس، ولابد أن تكون هناك أبحاث دقيقة ومتطورة حول الأتربة النادرة، مثل اللوفريوم.