سياسة جديدة للحفاظ على الثروة المائية الجوفية حازت مسألة الأمن المائي على أهمية كبيرة في اجتماع مجلس الوزراء التي ترأسه، يوم الأحد، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والذي خُصّص لمناقشة مشروع قانون، يتعلق بالوقاية من الاتجار بالبشر ومكافحته، وعروض وزارية مشتركة تناولت آلية تموين السوق الوطنية بمادة اليوريا 46 بالمائة، والتحضيرات لشهر رمضان المعظّم، لسنة 2023. أسدى رئيس الجمهورية، خلال اجتماع مجلس الوزراء، جملة من الأوامر والتعليمات والتوجيهات من أجل تطوير الجهود المكرّسة لأمن الجزائر المائي، فبعد أن أعرب عن تفاؤله بالمجهودات المبذولة في مسارات التعليم العالي والتكوين المهني، ممّا يعيد التوازن للديناميكية، والسرعة الطبيعيتين بالنسبة للتنمية في البلاد، دعا إلى مواصلة التكوين وتطوير نوعيته، من خلال شراكات مع معاهد وجامعات، ذات سمعة دولية، لتبادل الخبرات في هذا المجال، كما شدّد على ضرورة مواكبة قطاع الصناعة، للتقدم المُحرَز في هذا المجال، بخلق بيئة صناعية متخصّصة، تعمل على تطوير هذا التخصّص واستغلاله، ليكون مقوّما إضافيا في عجلة الاقتصاد الوطني، علاوة على استنفار مصالح الداخلية والموارد المائية والفلاحة والصناعة والبيئة، على أوسع نطاق لإنشاء مخطط استعجالي، يهدف إلى سنّ سياسة جديدة، لاقتصاد المياه وطنيا، والحفاظ على الثروة المائية الجوفية، وكذا إعادة تحريك وبعث كلّ المشاريع المتوقفة، لمحطات تصفية المياه المستعملة، عبر الولايات، وإدخالها قيد الاستغلال، لاستخدامها في الري الفلاحي، عوض المياه الجوفية. وفي ذات السياق، أمر الرئيس تبون بإنشاء مخطط لتعميم محطات تحلية مياه البحر، عبر كامل الشريط الساحلي، تجنبا لتداعيات الأوضاع المناخية الصعبة، التي يمر بها العالم، وبالموازاة مع ذلك، المراقبة الصارمة، لتراخيص استغلال المياه الجوفية، لسقي المساحات المزروعة، مع تسليط أقصى العقوبات، ضد أعمال حفر الآبار، غير المرخصة، من خلال تفعيل دور شرطة المياه، التي تختص في مراقبة مجالات استعمال المياه في كل المجالات ومحاربة التبذير، لمراقبة استغلال المياه، عبر الوطن، كما أسدى توجيهات باستحداث مؤسسات ناشئة، في إطار منظور اقتصاد المياه والأمن المائي، متخصّصة في تقنيات استغلال المياه المستعملة. وفي هذا الصدد، يرى الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمد بوعلاق، أنّ موضوع المياه والأمن المائي كمحدد رئيسي للأمن الغذائي بات يكتسي أهمية بالغة، خاصة في ظلّ التغيرات المناخية التي يعرفها العالم، وشحّ المياه وتحدي الجفاف وتسرب المياه للبحر، الأمر الذي أصبح يمثل انشغالا وطنيا إستراتيجيا بالنسبة للجزائر، وعليه فإنّ القرارات والتوجيهات المتخذة على مستوى مجلس الوزراء، تهدف إلى تلبية الحاجات المائية الراهنة ومواجهة المتطلبات المائية المستقبلية، والحفاظ على هذه الثروة الطبيعية المهمة، وهذا من خلال التدابير المتخذة لإتباع قواعد الحوكمة المائية، والاستغلال العقلاني للمياه الجوفية، والحفاظ على المياه السطحية، ومكافحة التلوث، والحدّ من ظواهر التبذير والإسراف، وأيضا اللجوء إلى المصادر غير التقليدية لتوفير المياه الصالحة للشرب والسقي، مثل تحلية مياه البحر واستغلال الشريط الساحلي، وتطوير نظام السقي ومعالجة المياه المستعملة. من جهته، يوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ميلة علي بن صالح، أنّ اهتمام مجلس الوزراء الذي ترأسه، يوم الأحد، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمشكلة المياه، تحصيل حاصل للاهتمام المتزايد بآثار التغير المناخي الذي تعيشه الجزائر، السنوات الأخيرة، إلى جانب مختلف دول العالم، والذي تسبب في تراجع منسوب مياه الأمطار، وقلة تجمعها في السدود والأنهار، وعليه يتم التركيز اليوم على البدائل والثروات الإستراتيجية المتاحة، لتوفير المياه الصالحة للشرب أو الموجهة للريّ الفلاحي، من خلال الاعتماد على تقنيات تصفية المياه المستعملة وإعادة استغلالها في الريّ الفلاحي، واستحداث مؤسسات ناشئة في هذا المجال للاستناد عليها في مسار تطوير آليات استعمال هذه المياه بالشكل الصحيح والفعال، وكذا التركيز على تعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل الشريط الساحلي، علاوة على المنح المدروس لتراخيص استغلال المياه الجوفية من أجل المحافظة عليها، وتوفيرها للأجيال القادمة، ناهيك عن تفعيل دور شرطة المياه، وكلها إجراءات تترجم الأهمية الكبيرة التي يوليها رئيس الجمهورية لمسألة الأمن المائي من خلال التكريس لطرق ترشيد استهلاكها والمحافظة عليها. من جانب آخر، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر حمزة حسام، أنّ مسألة الأمن المائي باتت تكتسي أهمية بالغة، اليوم، لبعدها المتعلق مباشرة بالأمن، وبقيمة بقاء البشر والمؤسسات التي ترتبط بحياتهم، بما فيها الدولة في حد ذاتها، ومن السمات الأساسية التي تميز الأمن المائي كبعد من أبعاد الأمن العام، أنه لا يمكن لأيّ أمة إنجاح عمليات التنمية والنهضة، ما لم تتوفر على ثروة مائية كافية، غير أنّ هذا البعد لا يحظى بالاهتمام الكافي من طرف مختلف شعوب العالم. ويضيف الدكتور حمزة، أنّ التركيز والإلحاح على الأمن المائي وعلى ضرورة استباق الحلول للمشكلة المائية المرتقبة في حال استمرار الظروف المناخية على ما هي عليه، دليل على أنّ صانع القرار الجزائري، والمتمثل في رئيس الجمهورية تحديداً، مدرك للأخطار الناجمة عن ندرة المياه ومآلاتها التي يمكن أن تؤثر على مختلف مشاريع التنمية، وعليه فإنّ التعامل، اليوم، بهذه النظرة الاستباقية مع مسألة الأمن المائي، بإدراج وإشراك عدة قطاعات، على غرار البحث العلمي والتكوين المهني وكذا قطاع المؤسسات الناشئة، يوحي بشمولية الرؤية في التعاطي مع هذا البعد الأمني الاستراتيجي.