تبسيط الإجراءات وتحفيز الاستثمار في هذا المجال تسعى الجزائر جاهدة اليوم للنهوض بقطاع صناعة الأفلام السينمائية، وترقية الفن السابع والحرص على مواكبة التطورات العالمية والتكنولوجيات الحديثة وتوظيفه كمورد في ترقية الاقتصاد والنهوض بالتنمية الوطنية، وكذا تصدير صورة مشرفة للفن الجزائري محليا ودوليا.. ولعل خير دليل على ذلك التعليمات الأخيرة لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون المعلن عنها عقب ترأسه اجتماع مجلس الوزراء.. ترجمت تعليمات وتوجيهات رئيس الجمهورية الأهمية الكبرى التي توليها الجزائر لقطاع السينما ولترقية وتطوير والارتقاء بصناعة الأفلام وفق مقاربة اقتصادية، تقوم على أسس التكوين السليم في شتى مهن السينما، ووضع منظومة قانونية تحفظ لصناع الفن السابع حقوقهم المادية والاجتماعية وللمواطن الجزائري حقه في استهلاك منتوج فني ثقافي حامل للقيم والأخلاق وللروح الوطنية، ويطرح مختلف القضايا والإشكاليات بكل مهنية وموضوعية. ومن المنطقي أن تقوم عملية الارتقاء بالفن السابع على حتمية وضع قانون الصناعة السينماتوغرافية الذي سبق وأن أعلن خلال الثلاثي الأخير من السنة الماضية عن صياغة مشروعه التمهيدي القائمة فلسفته على «تبسيط الإجراءات وتحفيز الاستثمار في هذا المجال، وضبط آليات العمل والدعم العمومي على أساس الشفافية، إلى جانب ترقية التكوين في مجال السينما»، وقد طلب الرئيس عبد المجيد تبون بتأجيله بغية إثرائه وهذا من خلال «عقد جلسات خاصة بقطاع السينما بإشراك الفاعلين ومهنيي القطاع الجزائريين داخل الوطن وخارجه»، حيث نستخلص من هنا الرغبة القوية في إشراك الفاعلين في القطاع كونهم المعنيين بالأمر والملمين بكل مشاكله وتطوراته الصغيرة والكبيرة، والمؤهلين لتقديم التصورات والاقتراحات اللازمة لإثراء القانون، والذي ينبغي أن يكون حسب توجيهات رئيس الجمهورية «محفزا ومشجعا حقيقيا للرغبة ويعطي القدرة على الإنتاج السينمائي وفق نظرة إبداعية تعيد للجزائر بريقها بهذا النشاط الحيوي داخل المجتمع». الاستثمار في المورد البشري تفتح توجيهات رئيس الجمهورية المجال واسعا أمام الشباب الراغب في امتهان صناعة الأفلام السينمائية، والرامية بأن يراعي القانون «مختلف التحولات والتطورات في مجال العمل السينمائي بما يتجاوب مع تطلعات الشباب الراغبين في التخصص بهذا المجال»، ونقف هنا على النظرة الاستشرافية لرئيس الجمهورية والمتعلقة بالاستثمار في المورد البشري أولا وقبل كل شيء وفي فئة الشباب بالدرجة الأولى، كونهم اللبنة الأساسية في مشروع تطوير الصناعة السينماتوغرافية.. وذلك من خلال توفير لهم كل الدعائم اللازمة من تكوينات ودورات تدريبية، ومعدات وتقنيات ومرافقة ودعم مالي لمشاريعهم الفنية، مع الحرص على «ضبط آليات واضحة لتمويل عنه المشاريع السينمائية بما يتوافق وقوانين الجمهورية». تحفيزات حملها قانون الاستثمار وعزّزها قانون المالية للإشارة، إن الاهتمام بقطاع الصناعة السينماتوغرافية ليس وليد الساعة، ولا يقتصر فقط على التوجيهات الرئاسية المنبثقة من اجتماع مجلس الوزراء الأخير، إنما يعود إلى عديد القرارات والمشاريع السابقة التي يسعى من خلالها المجلس إلى وضع الأرضية الصلبة والأسس الصحيحة لصناعة قائمة بذاتها لا تعتمد فقط على الدعم العمومي، بل تكون مدرة للثروة ولمناصب الشغل، وتعتمد خطة الحكومة اليوم في مجال النهوض بقطاع الصناعة السينماتوغرافية على مقاربة جديدة تفتح الأبواب واسعة من خلال القانون الجديد للاستثمار أمام المستثمرين المحليين والأجانب في شتى المجالات عامة، في مجال الثقافة والفنون وصناعة السينما خاصة.. أفاق واعدة دعمها بقوة قانون المالية 2023، ومن جهة أخرى تستدعي المقاربة الجديدة لمجال صناعة الفن السابع إعادة النظر في «الدعم العمومي لهذا القطاع ومقاطعة أنماط التمويل السابقة، ضماناً للشفافية ولإنتاج سينمائي في المستوى تكون له بدوره مردودية اقتصادية. المدن السينمائية بوابة لاقتصاد الفن السابع من بين الخطوات الإيجابية التي أقدمت عليها الحكومة الجزائرية تحت توجيهات الرئيس تبون إنشاء المركز الوطني للصناعة السينماتوغرافية سنة2021 ووضعه تحت وصاية الوزير الأول، إلى جانب الانطلاق في مشاريع انشاء المدن السينمائية، الأمر الذي يرمز إلى التحول الجديد للصناعة السينماتوغرافية وفق توجهات استشرافية اقتصادية مدروسة وفق متغيرات العصر والتكنولوجيات وعالم السينما وتطلعات الجمهور. وتعد المدن السينمائية من الأسس القاعدية في بناء صناعة الأفلام وإيمانا بهذه الأهمية انطلقت الحكومة الجزائرية مند شهر نوفمبر الماضي، في تجسيد أول مشروع من هذا القبيل وكانت البداية للتذكير بقصر «تينركوك» بتيميمون الذي تقرر ترميمه وتهيئته وتجهيزه لاستغلاله في الإنتاج السينمائي وفق مقاربة اقتصادية فنية واجتماعية مدروسة، وستضم المدينة السينمائية بتميمون مركباً للإنتاج السينمائي بمرافق متعددة، يقدم خدمات منوعة للمنتجين السينمائيين ومرافقتهم في اكتشاف واختيار المواقع الخارجية للتصوير السينمائي، إضافة الى توفير النقل والإيواء والإطعام للفنانين والتقنيين خلال مختلف مراحل تجسيد الأعمال السينمائية.. ويضاف إلى المشروع «واحة السينما» التي يراد أن تصبح أول قطب لتصوير الأفلام بالجنوب الجزائري يتربع على مساحة 1.5 هكتار على بعد 5 كيلومترات من واحة تيميمون، وفي السياق ذاته ثم الإعلان أيضا عن الانطلاق في الدراسات الأولية لإنجاز «مدينة سينمائية بالمقاييس الدولية ببلدية أولاد فايت في الجزائر، والتي ستضم ورشات لصناعة الديكور ومعالجة الصور والفيديوهات وكل أعمال ما بعد الإنتاج، إضافة إلى فضاءات مخصصة للإنتاج التلفزيوني ستوضع في متناول القنوات التلفزيونية المحلية والأجنبية، كما سيتم إنجاز إقامة مخصصة لمهنيي القطاع». الاهتمام بالفنان الإنسان.. لا يقتصر دعم الحكومة مستقبلا على الجانب المادي والعملي للفنان سواء في الموسيقى أو المسرح أو السينما أو الأدب وغيره من الفنون، بل اشترط رئيس الجمهورية في توجيهاته في هذا الشأن «على أن يتضمن القانون الجديد الخاص بالفنان آليات التكفل بالجوانب الاجتماعية لكل المبدعين الجزائريين على اختلاف فنونهم عرفانا بما قدموه ويقدمونه.»