أجواء روحانية تصنعها عادات وتقاليد سكان مدينة الصخر العتيق بشهر رمضان الفضيل، عادات ما تزال تمارس بطريقة جميلة يحافظ عليها سكان قسنطينة بدءا من تزيين أسواقها العتيقة بكل الخضر والفواكه وسلع أخرى تعتبر ضرورية لسكانها، في مقدمتها المكسرات التي تدخل في تحضيرات العائلات لوجبات الفطور على غرار الجوز واللوز التي تستخدم في صناعة أطباق قديمة ما تزال تصنع الحدث في أولى أيام إفطار العائلة القسنطينية., لا تخلو الطاولة أو السينية من طبق «شباح الصفرة» الأسطوري والتقليدي، حيث يحضر بقوة في المناسبات الدينية والعائلية وتعتبر ضرورة للترحيب بالشهر الكريم وأيضا بالضيوف أثناء المناسبات الخاصة وتضفي أجواء خاصة على أفراد العائلة أثناء تحضيرها حيث لها طريقة تقليدية تستلزم «اللمة» التي تعكس أجواء الفرح باستقبال أجمل شهر في السنة. العزيز.. للضيف العزيز.. مع حلول الشهر الفضيل، تسارع ربات البيوت لتحضير «شباح السفرة» باقتناء أهم لوازم ومكونات الوصفة التي عادة ما تتطلب المال والجهد الكافيين للنجاح بألذ وصفة وأقدم طبق عايش تاريخ سيرتا القديمة والحديثة. «شباح السفرة».. هذا الطبق الذي يقال بأنه ذو الأصول الأندلسية مع أن هذا الرأي لا يتوافق مع ما يروى عن حادثة نشأته، يتفنن في صناعته سكان المدينة العتيقة منذ عقود من الزمن، فهو وصفة توارثتها عائلات وأضحت من أشهر الأطباق الحلوة التي تتصدر أطباق الشهر الفضيل والمناسبات بمدينة تعج بالعادات والتقاليد. أما أصل تسميتها ب»شباح السفرة» فيعود إلى عائشة بنت الباي صالح القسنطيني، والتي كانت تعشق الطبخ كثيرا وكانت يومها تصنع حلوى باللوز لوالدها كالعادة، لكن لم تتوفق في تحضيرها لتقوم بطريقة عفوية بصناعة وخلط مكوناته بالمرق الحلو وعند وضعها على طاولة (سفرة) الأكل، تفطن الباي للطبق الجديد لينال إعجاب والدها صالح باي قائلا لها «يا عائشة اليوم قد «شبحت» السفرة، أي قمت بتزيينها، ومن يومها سميت «شباح السفرة»، لتصبح من أشهر الأطباق الحلوة بمدينة الجسور المعلقة. الطبق الحلو، ورغم مرور عديد السنوات إلا أنه لم يندثر ويختفي بسبب استمرار العائلات القسنطينية في تحضيره في شتى المناسبات، وعلى رأسها الشهر الفضيل، حيث كانت «شباح السفرة» في سنوات خلت تصنع بالمنازل، ثم توسعت إلى المحلات. وتحضر الأكلة القسنطينية بخلط اللوز المرحي بالسكر والقليل من القرفة وماء الزهر المقطر وصفار البيض، لتعجن جيدا ثم يتم تشكيل أشكال عديدة في أغلبها هلال رمضان، نجوم، مثلثات لتقلي بعدها في الزيت الساخن قبل أن يتم مسحها ببياض البيض حتى تأخذ اللون الذهبي لتطبخ بعدها في مرق اللحم، وتقدم كطبق حلو في مناسبات وحفلات المدينة خصوصا. وأكد أحد سكان الشارع العتيق والمعروف بعمي محمد، والذي صادفناه بأحد محلات صنع «الجوزية» التي أضحت تعرض معلبات خاصة ب»شباح السفرة» والتي تجاوزت حيز المنازل وأصبحت تباع بمحلات الحلويات وحتى تعرض النسوة عملها عبر صفحات الفضاء الأزرق لتزدهر تجارتها في المدينة سيما بالشهر الفضيل. وقال عمي محمد إن العائلات القسنطينية كافة، تحتفل بحلول الشهر الفضيل بطريقة تختلف عن باقي المدن الأخرى، بدءا من تحضير حلويات رمضانية متميزة في مقدمتها الشباح والجوزية التي تكون عروس السينية والسهرات الرمضانية، لتأتي حلوى النوقة والمقرقشات في المرتبة الثانية والتي تصنع بطريقة مميزة على طول شوارع المدينة القديمة لتصنع أجواء رمضانية متميزة، مضيفا أن شهر رمضان وطاولة الإفطار لا تتزين سوى بتحضير طبق «شباح السفرة» واعتاد على وجودها كطبق رئيسي يفتتح أطباق مائدة شهر رمضان الكريم. تمسّك بالأصل.. تبدي نسوة العائلات القسنطينية تمسكا كبيرا بالطعم والوصفة التقليدية في صناعة طبق «شباح السفرة» التي توارثوها عن الأمهات والأجداد، معتبرين تغيير وصفاتها المعتمدة تشويها لها وتعدّيا على أصولها التاريخية ويهدّد في تغيير ذوقها المتوارث عن وصفات الأجداد، خاصة وأن صفحات الفضاء الأزرق أصبحت تعجّ بعروض بيعها والمتاجرة بصناعتها من طرف نساء منهم من يصنعها بمراحلها، وتكون وصفتها ناجحة سيما بعد تحضيرها بمرق اللحم وأخرى تجدهن لا يحضرنها بطريقة كاملة لتكون طريقة طبخها غير ناجحة، لتؤكد السيدة «ليلى» والتي تعتبر من سكان المدينة القدماء أن سر نجاح طبق شباح الصفرة يكمن أساسا في كيفية تحضير عجينة اللوز وقليها بمعدل مرتين بعد مسحها ببياض البيض وأن عملية تحضيرها تتطلب صبر ووقت لتحضيرها بطريقتها التقليدية والقديمة ليكون الطبق كاملا وناجحا.