ارتفاع عدد الفضاءات الرقمية والتحويلات المصرفية كشفت بيانات منقولة عن بنك الجزائر جملة من الأرقام والإحصائيات من بينها ما يتعلق برقمنة إجراءاته والتجارة الالكترونية، فبالرغم من التحسن الواضح في عدد التحويلات المالية في إطار التجارة الالكترونية والذي ارتفع بنسبة قاربت 90 بالمئة، إلاّ أن هناك من يشدد على ضرورة مضاعفة الجهود، خاصة في ظل الجهود المبذولة من طرف أعلى هيئة في البلاد من أجل تعميم الرقمنة وترسيخ مبدإ الشفافية في المؤسسات الاقتصادية. أوضح مقال مستند على بيانات بنك الجزائر أن التحويلات المالية في إطار التجارة الإلكترونية السنة الماضية بلغت 958.087 عملية مقابل 509.407 عملية في سنة 2021، بزيادة قدرها 88 بالمائة، وهو ما يمثل مسعى الحكومة نحو تحقيقا الشمول المالي. وكشف البيان عن القيمة المالية لهذه العمليات، والتي بلغت 3.52 مليار دينار جزائري عام 2022، مقابل 1.4 مليار دينار جزائري في 2021، وهي زيادة تعادل 149 بالمئة، وأرجع البيان الفضل في ارتفاع قيمة العمليات الى ارتفاع عدد التجار الإلكترونيين المتعاملين مع البنك. وأشارت بيانات بنك الجزائر الى ارتفاع عدد الفضاءات الرقمية للبنك الوطني الجزائري من 19 سنة 2021 إلى 31 في 2022، في انتظار استحداث 5 فضاءات رقمية جديدة في 2023. قبل التعليق عن الأرقام المقدمة من طرف بنك الجزائر، قدّم الخبير الاقتصادي البروفيسور محمد حميدوش، تعريفات مبسطة لبعض المصطلحات التي حملها بيان بنك الجزائر، وأوضح محدثنا أن ما يقصد بالشمول المالي (أو التمويل الشامل) هو توفير الخدمات المالية والمصرفية الأساسية بتكلفة منخفضة لكل أفراد المجتمع وخاصة الفقراء أو الأشخاص الذين يعانون من صعوبات مالية، وبالتالي الذين يتم استبعادهم من الخدمات البنكية التقليدية. وأضاف البروفيسور محمد حميدوش، أن الخدمات المصرفية هي الآن ضرورية للاندماج الاجتماعي، وبالتالي فإن الشمول المالي هو نظير «الاستبعاد المصرفي» المرتبط مباشرة بالاستبعاد الاجتماعي، وهذا الموضوع لا يخص الجزائر لأن التعامل التجاري ورقي لا يرتكز على البنوك والحسابات المصرفية. وفي ذات السياق، شرح الخبير الاقتصادي أنّ الفضاء الرّقمى هو مجموعة من التجهيزات المستعملة ذات المحتوى الإلكتروني والاتصال ونظام شبكي، يؤطره بروتوكولات عملية كالترميز ومفاتيح الولوج والسيرورات والمتعاملين، سواء أفراد او مؤسسات اقتصادية، بالإضافة الى المؤسسات المصرفية وتشريع تنظيم يضبط ذلك. ومن جهة أخرى أوضح البروفيسور محمد حميدوش، أن الرقم المقدم بخصوص التجارة الالكترونية جاء ليعبّر عن عمل قام به البنك، مشيرا إلى أن هذا المجهود لا يستهان به، ولكن الأرقام والإحصائيات المقدمة قد تخفي عدم نجاح هذا النوع من التجارة بالشكل الذي نبغي بلوغه، وأضاف قائلا «أعتقد أن هناك ضعفا في الفعالية في هذا النوع من التجارة، وسببه بالدرجة الأولى يعود الى هيكل القطاع المصرفي في الجزائر، وهيمنة القطاع العمومى يجعل مقاومة كل تغيير قوية بما فيها إنجاز برنامج رقمي، وبالتالي البداية تكون مع حوكمة البنوك العمومية ثم الرقمنة فيما بعد». وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد أوضح في أكثر من مناسبة وجود مقاومة من طرف البعض من أجل عدم الذهاب نحو الرقمنة وهو الأمر الذي أكد الرئيس تبون أنه ماضِ فيه ودون رجعة، خاصة حينما يتعلق الأمر بالقطاعات الاقتصادية. ومن جهة ثانية قال الخبير الاقتصادي محمد حميدوش، «الأرقام قد تكون لها معنى اذا عرفنا المخرجات، مثلا ما هو الرقم المنتظر بين المتعاملين، أي بين الأفراد وبين الأفراد والمتعاملين الاقتصاديين وأخيرا بين الشركات فيما بينها، والمدة المنتظرة، ومن هم المتدخلين في العملية، والرّقم كيف يكون من منطقة الى أخرى»، وأشار محدثنا أن الإجابة عن هذه التساؤلات لم تندرج في البيان المقدم من طرف البنك. وفيما يتعلق بالحوكمة، وهو ما يعني خوصصة البنوك العمومية عبر بورصة الجزائر والتنازل على الأقل على 20 بالمئة من رأسمالها الخاص ليصبح حصيلة البنوك وتقاريرها المالية معروضة بكل شفافية من جهة والاهتمام بالأداء الذي يبدأ برفع عدد الشبابيك بالمقارنة مع عدد المواطنين. وأضاف حميدوش أنه وبعد الإصلاح الهيكلي الذي ذكر جزء منه، فستصبح البنوك هي التي تهتم بالرّقمنة وكل ما هو إلكتروني، لأنها تجد فيه ربحية وتحسين من أدائها، وبالتالي فالأمر كله لا يتعدى برنامج عمل لمدة 6 أشهر ويرفع القلم نهائيا عن هذا الموضوع. من جهة أخرى أوضح خبراء اقتصاديون أن الأرقام والإحصائيات المقدمّة من خلال بيانات بنك الجزائر، ستتعزز لا محالة بعد صدور قانون النقد والمصرفي الجديد الموضوع على طاولة النواب للمناقشة هذا الأسبوع، والذي يتضمن العديد من النصوص والمواد التي تدعم توجهات الحكومة عموما نحو رقمنة القطاع المصرفي. وينتظر أن يتعزز النظام المصرفي في الجزائر بالعملة الرقمية والتي ستقدم تسهيلات للتداول والتحويل بين المصارف، إضافة لكونها آلية جيدة للرّقابة على السيولة النقدية بما يسمح بتوجيهها خدمة لمتطلبات الاقتصاد الوطني، وتعزيز الحكامة والرقابة والاستقرار المالي من خلال استحداث العديد من اللجان ذات التمثيل المتعدد بما يعطي فعالية أكثر لأداء البنوك والمصارف. ويرى خبراء أن مشروع القانون يحمل نصوص بإمكانها النهوض بالقطاع المصرفي شريطة الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي يقدمها النواب في المناقشة، وأوضح أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة البويرة، الدكتور علام عثمان أن المادة 89 من مشروع قانون النقد والمصرفي تفيد «يرخِّص مجلس النقد والقرض بإنشاء بنوك استثمارية والبنوك الرقمية»، وفي هذا الشأن قال علاّم «صحيح إن هذا الإجراء وجب تثمينه للنهوض بالاقتصاد الوطني ومواكبة التحديات التنموية والتطورات التي يشهدها القطاع المالي، لكن لابد من تحديد النصوص التنظيمية والشروط المتعلقة بهذا النوع من الأنشطة».