فسيفساء موسيقية متنوّعة وجمهور رائع في الموعد أسدل الستار سهرة أول أمس الثلاثاء على المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الحضرية في طبعته ال16، وسط إقبال كبير للجمهور العنابي على مسرح "عز الدين مجوبي" الذي استضاف على ركحه، على مدار أسبوع، رواد الطرب الجزائري الأصيل الذين أمتعوا الحضور بفسيفساء موسيقية متنوعة في طابع المالوف، الحوزي، الأندلسي، إضافة إلى الأغنية الشعبية والقبائلية.. برنامج منوّع سطره القائمون على قطاع الثقافة بعنابة، لإحياء ليالي الشهر الفضيل، على غرار "المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الحضرية"، الذي يعود إلى جمهوره ورواد مسرح "مجوبي" حاملا معه باقة من الأغاني الراقية لكوكبة من نجوم الفن الجزائري من مختلف جهات الوطن، والذين أحيوا المهرجان صانعين له مكانة راسخة، ويصبح تقليدا سنويا ينتظره العديد من أبناء بونة خلال الشهر الفضيل، والذين لا يتوانون في الالتحاق بمسرح "مجوبي" الذي كشف عن جمهور ذواق للأغنية الجزائرية الأصيلة. أسماء فنية ذائعة الصيت كانت في الموعد، وأبدعت في تقديم ما جادت به القرائح من أغان تطرب الآذان وتبهج المسامع، حيث تفاعل الجمهور الحاضر مع عديد الأغاني بترديدها والتصفيق لها، وأحيانا متبوعة بزغاريد النسوة التي كانت تعلو القاعة، صانعين بدورهم الفرجة والمتعة وأضفن حيوية على حفلات المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الحضرية. تكريم لعمالقة الفن العنابي لم يتوان القائمون على التظاهرة في أن يكون عودة المهرجان، عودة استذكار لأسماء صنعت مجد بونة الفني.. أسماء كان لها تاريخ عريق في مجال الفن الأصيل، منهم من رحلوا إلى دار البقاء، ومنهم من أقعدهم المرض وغيبهم عن الساحة الفنية، حيث كان المهرجان فرصة للقائهم بجمهورهم من جديد على غرار الفنان عولمي السعيد، المعروف بناصر الطبرقة، مغني المالوف العصري الذي تعرض لحادث عمل خطير السنة الماضية أقعده الفراش، إلى جانب المطربة زهور التي تصارع منذ سنوات داء السرطان، وهي الفنانة العنابية التي كرست حياتها لما يقارب الأربعين عاما في خدمة الفن، أسفر عنها أزيد من 500 شريط، كما أنها تعتبر واحدة من مطربات الأعراس الأولى في فن "الفقيرات" والتي أحيت أفراح العشرات من العائلات العنابية.. التفاتة أثنى عليها الفنانان طبرقة وزهور، واعتبراها مناسبة للقاء جمهورهما بعد غياب طويل عن الساحة الفنية. كما كانت التظاهرة فرصة لتكريم واحد من أعلام الموسيقى في بونة، الفنان الراحل محيي الدين سحاري، وذلك من خلال ندوة فكرية عادت بذاكرة الحضور إلى المسيرة الفنية لابن الحي العتيق "بلاص دارم"، الذي ترك بصمته خالدة في سماء الفن الجزائري عامة ولدى أبناء بونة خاصة، حيث تم عرض شريط فيديو تحدث فيه الفنان الراحل عن مسيرته الفنية، من خلال حوار أجراه معه سابقا الاعلامي رشيد سعيدي، إضافة إلى شهادات لكبار الفنانين منهم الراحل حمدي بناني وراشدي لخضر تحدثا فيه عن خصال ومناقب الفقيد "بوسكاي". وتم بالمناسبة أيضا، تكريم واستذكار الفنان الراحل عبد الوهاب بوذراع، أحد الأعضاء الأوائل في الأوركسترا الوطنية للإذاعة الجزائرية، ومؤسس جمعية "تعلم الموسيقى الأندلسية" بعنابة، فنان كرس حياته لخدمة الفن الجزائري، حيث درس الموسيقى الأندلسيّة بالمدرسة البلدية للموسيقى والفنون الدرامية حسان العنابي، ورافق كبار الفنانين كعازف على غرار وردة الجزائرية، العنقيس، الهاشمي قروابي ودحمان الحراشي.. فسيفساء من الطبوع الموسيقية فسيفساء فنية متنوعة شهدها ركح عز الدين مجوبي خلال هذه التظاهرة الفنية التي استقطبت منذ الافتتاح وإلى غاية إسدال الستار عليها، العديد من العائلات الفنية، المتعطشة للفن الأصيل والنغمة الموزونة، حيث كان الموعد مع عديد الفنانين من مختلف جهات الوطن، كانوا نجوم سهرة المهرجان الذي تألقت فيه مختلف الطبوع الجزائرية، من المالوف إلى الأندلسي إلى الحوزي إلى الأغنية القبائلية والشعبية.. أسماء تألقت على الركح وصدح صوتها عاليا صانعة الفرجة، وسط جمهور غيبت عنه مثل هذه التظاهرات الفنية لما يقارب الثلاث سنوات بسبب الجائحة الصحية، لتعود ويعود معها التألق في سهرات رمضانية كان فيها الجمهور "رقم واحد" والذي تجاوب وتفاعل مع ما قدم من وصلات موسيقية متنوعة أحيت ليالي جوهرة الشرق بونة. الجمهور العنابي الذي كان في الموعد أثنى على السهرات الفنية التي أحيتها أسماء لها باع في عالم الطرب، على غرار الفنانة بورصالي التي أحيت سهرة الافتتاح وقدمت أروع الأغاني التي تجاوب معها الحضور، إلى جانب الفنان كمال بناني نجل فقيد الساحة الفنية الجزائرية الملاك الأبيض حمدي بناني، حيث قدم بدوره أغان من التراث الجزائري، على غرار "يا باهي الجمال"، "أنا لمدلل".. وتوالت سهرات المهرجان مع كل من الفنانة منال غربي التي أعربت عن سعادتها للقائها بجمهور بونة الذي أمتعته بوصلات موسيقية منوعة في طابع الحوزي والعاصمي والمديح.. ورافقتها في هذه السهرة الفنانة نوريا، التي سافرت بالأغنية القبائلية إلى رحاب مسرح "مجوبي"، وأضفت عليه جوا مميزا بصوتها القوي وأغانيها التي أبدعت فيها تحت زغاريد النسوة وتصفيقات محبي الأغنية القبائلية. المالوف يتألق.. ركح مجوبي استضاف العديد من الأصوات التي تألقت في أغنية المالوف، على غرار سمير حناشي الذي أخذ حب الطرب والموسيقى الأصيلة عن والده "الشيخ الحناشي"، الذي عرف بأداء أغنية المالوف التقليدية ومحافظته على هذا الارث الفني إلى يومنا هذا، وأطرب الفنان علي عوشال الحضور في سهرة رمضانية مميزة، حيث أدى أروع الأغاني، فهو سليل عائلة فنية، ونجل الفنان الكبير حسان العنابي الذي يعد أستاذا مكونا لأجيال من فناني المالوف وأحد أقطابه، حيث كان علي عوشال مرافقا لوالده وجاب معه كل الحفلات والأعراس، ما خوله لمواصلة المسيرة الفنية لوالده وحرصه في كل مناسبة على تقديم مقتطفات غنائية للفنان الراحل حسان العنابي حاملا على عاتقه مسؤولية تبليغ الرسالة الفنية لهذا الطرب الأصيل، كما استمتع رواد المسرح بصوت وأغاني كل من كريم خادر، شكاط أحمد، جمال موالكي، نور الدين عطالله، فريد نوري وحليم بن مقران.. ..وللأغنية الشعبية مكانتها وكان للأغنية الشعبية في هذا المهرجان حضورها القوي بصوت كل من الفنان شوقي فريخ الذي عرف بولعه بفن القصيد وموسيقى الشعبي العريقة، إلى جانب محي الدين عمامرة، ونجيب حمدي، كما أحيا الفنان بابا عيسى عبد العزيز إحدى ليالي المهرجان، والتي عرفت التميز مع هذا الفنان الذي يعتبر من أشهر وأبرز فناني الشعبي بالمدينة، الذي يترأس جمعية "الموسيقى الأندلسية الكردية" منذ تأسيسها سنة 1995، والتي تخرج منها نخبة من أساتذة الموسيقى، كما أن له العديد من الأغاني المتميزة على غرار "محلاكي يا عنابة"، وبدورها الجمعية الثقافية المجدولية للفن الشعبي كانت في الموعد، وهي فرقة عريقة بمدينة سوق اهراس تهتم بالموروث الغنائي الجزائري الأصيل، وتأدية الطبع والصنعة العنقاوية على خطى عمالقة هذا النوع.. مع العلم عرفت سهرات المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الحضرية تكريم وتوزيع شهادات تقديرية لجميع الفنانين المشاركين في هذه التظاهرة الثقافية الفنية، التي أسدل الستار عليها سهرة أول أمس الثلاثاء بصوت كل من الفنانة المتألقة ندى الريحان، الفنان الياس قسنطيني وبمشاركة ورشة الرقص الكلاسيكي لدار الثقافة عنابة، حيث كان يرافق هذه السهرات جوق المالوف ديار الأندلس بقيادة الفنان ياسين رفاس، جوق الحوزيات بقيادة الفنان الهادي مير الناس والجوق المحلي للشعبي والمنوعات بقيادة الفنان أحمد بوغازي. ورشات تكوينية ولوحات فنية المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الحضرية، وعلى غرار الوصلات الموسيقية عرف أيضا تنظيم ورشات تكوينية حول "آلات الموسيقى الحضرية" مع الأستاذ عبد العالي عبد الصمد بدار الثقافة عنابة، "موسيقى الصنعة والأغنية الأندلسية" مع الأستاذ ابراهيم حمادي، "الموسيقى الأندلسية" مع الأستاذة زهوى كنوني وورشة "موسيقى الشعبي" مع الاستاذ بلغيتي نصر الدين. كما عرف المهرجان تقديم مختارات من العروض الفنية التراثية لبراعم المدرسة البلدية للموسيقى والرقص الكلاسيكي حسان العنابي، عروض فلكلورية لفرقة البنقة التراثية، وهي لوحات فنية راقصة تعكس ثراء التراث الثقافي والفني الجزائري، إلى جانب ذلك كان رواد المسرح على موعد مع الفكاهة، حيث كانت هي الأخرى سيدة المهرجان عبر فواصل قدمها الفنان طاهر سفير من ولاية بسكرة والذي صنع بدوره الابتسامة والفرجة، ناهيك عن احتضان بهو المسرح لمعرض للفنون التشكيلية للفنان العنابي ناجم شراد بعنوان "جذور"، والذي قدم لجمهوره 25 لوحة تشكيلية تصور التراث الثقافي العريق للجزائر. جزء من ليالي المدينة ثمن عبد العزيز سبرطعي محافظ المهرجان الوطني للموسيقى والأغنية الحضرية، الذي جاء تحت إشراف مديرية الثقافة والفنون لولاية عنابة، وبالتنسيق مع المسرح الجهوي عز الدين مجوبي الذي احتضن فعاليات المهرجان، على مدار ستة أيام، في هذا الصدد دعم وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي للتظاهرة، وحرصها إلى جانب والي الولاية جمال الدين بريمي على تنظيمه في موعده المحدد ودعمه ماديا ومعنويا، مشيرا إلى أن الطبعة ال16 جاءت لتعيد الديمومة التي لم تنقطع ولم تخلف موعدها إلا خلال انتشار جائحة كورونا. وأضاف المحافظ أن المهرجان بات موعدا ثقافيا وفنيا هاما وجزءا لا يتجزأ من ليالي المدينة خلال شهر رمضان، وفضاء للعائلات والشباب والناشطين الثقافيين، كما أن التظاهرة – كما يقول - "تطمح لأن تلامس كل الألوان والطبوع الموسيقية الحضرية من أندلسيات وشعبيات وطربيات وأنغام موسيقية أصيلة، حيث تتجادل وتتقاطع الأصوات والآلات المترنمة بالأمجاد والحنين، وهذا ما يكسب المهرجان رونقه الذي لا يسقطه في الرتابة والروتين".