دخلت الولاياتالمتحدة الأميركية على خط الأزمة المستعرة في السودان بعدما أعلنت أن وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، أجرى أمس اتصالين هاتفيين مع طرفي النزاع، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وذلك وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية في العاصمة الخرطوم التي يعيش أغلب سكانها في عزلة داخل المنازل من دون خدمات الكهرباء والماء، فضلاً عن شح المواد الغذائية والصحية. أكد قائد قوات "الدعم السريع"، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أمس الثلاثاء، الموافقة على هدنة لمدة 24 ساعة لضمان المرور الآمن للمدنيين وإجلاء الجرحى. وقال في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "ننتظر المزيد من المناقشات مع وزير الخارجية الأميركي حول معالجة الانتهاكات التي يرتكبها الجيش السوداني على أفضل وجه". لكن الجيش السوداني قال إن عملياته ضد قوات الدعم السريع دخلت مرحلة حاسمة، وأضاف "جهودنا منصبة نحو تحقيق غاياتها على المستوى العملياتي". وشدد على أن "إعلان الدعم السريع هدنة لمدة 24 ساعة يهدف للتغطية على الهزيمة التي سيتلقاها خلال ساعات". وأضاف لا علم لنا بأي تنسيق مع الوسطاء والمجتمع الدولي حول هدنة". وأجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصالين هاتفيين منفصلين، أحدهما مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان والآخر مع قائد قوات الدعم السريع. وقال بيان لوزارة الخارجية الأميركية إن بلينكن "شدد على الحاجة الملحة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، للسماح بتسليم تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من القتال، ولم شمل الأسر السودانية، والتأكيد على توفير الأمان لمنظمات المجتمع الدولي في الخرطوم". كما أعرب الوزير عن قلقه البالغ إزاء مقتل وإصابة العديد من المدنيين السودانيين بسبب القتال المستمر والعشوائي، وشدد على مسؤولية القائدين في ضمان سلامة ورفاهية المدنيين والموظفين الدبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني. أرقام كبيرة للضحايا في ظل استمرار الاقتتال تتزايد معدلات القتلى والإصابات بوتيرة متفاقمة، تنذر بما لا يحمد عقباه من خسائر فادحة في الأنفس والأرواح البريئة، هذا إضافة لتعقيد الحياة العامة وصعوبة إجلاء وحصر قتلى ومصابين وعالقين ومحتجزين آخرين، ومما يزيد الأمر سوءا خروج العديد من المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة بسبب ضربها بالقذائف، وبسبب انقطاع التيار الكهربائي وشح الإمدادات والمعينات عطفا على استخدام بعضها كارتكازات وهو أمر يعتبر جريمة إنسانية وأخلاقية تنافي القوانين والنظم والتقاليد والأعراف. وفي السياق، قالت لجنة أطباء السودان امس، إن عدد القتلى المدنيين جراء الاشتباكات ارتفع إلى 144 فيما ارتفع عدد المصابين من المدنيين والعسكريين إلى 1409. من ناحية ثانية، قال رئيس وفد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في السودان إنه من المستحيل تقريبا تقديم الخدمات الإنسانية في الخرطوم. وضع صعب في المستشفيات وفيما لا يرتسم في الأفق أيّ وقف لإطلاق النار، دقّ الأطباء والعاملون في المجال الإنساني ناقوس الخطر. فبعض الأحياء في الخرطوم محرومة من التيار الكهربائي والمياه منذ السبت. وحذّرت متاجر البقالة القليلة التي لا تزال مفتوحة من أنّها لن تصمد أكثر من أيام قليلة إذا لم تدخل شاحنات المؤن إلى العاصمة. وأكّد أطباء انقطاع التيار عن أقسام الجراحة، فيما أفادت منظمة الصحة العالمية أنّ "عدداً من مستشفيات الخرطوم التسعة التي تستقبل المدنيين المصابين، تعاني من نفاد وحدات الدم ومعدات نقل الدم وسوائل الحقن الوريدي وغيرها من الإمدادات الحيوية". وقالت نقابة أطباء السودان إنّ المرضى وبينهم أطفال وأقاربهم لا يحصلون على المياه أو الأغذية، مشيرة إلى أنّه لا يمكن إخراج الجرحى الذين عولجوا من المستشفى بسبب الوضع الأمني، ما يؤدّي إلى اكتظاظ يعيق تقديم العناية للجميع. وعجزت "الممرّات الإنسانية" التي أعلنها الطرفان المتحاربان لمدة ثلاث ساعات بعد ظهر الأحد عن تغيير الوضع، فاستمرّ سماع إطلاق النار ودويّ انفجارات في الخرطوم. ومن جانبه، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الأحد وقفا مؤقتا لجميع عملياته بعد مقتل ثلاثة من موظفيه السودانيين في اشتباكات بشمال دارفور وتعرض إحدى طائراته "لأضرار بالغة" في مطار الخرطوم خلال تبادل لإطلاق النار. وقال فولكر بيرتس في بيان "أشعر بالانزعاج الشديد من التقارير التي تفيد بأن مقذوفات أصابت منشآت الأممالمتحدة ومباني إنسانية أخرى بالإضافة إلى تقارير عن نهب مباني الأممالمتحدة وغيرها من المباني الإنسانية في عدة مواقع في دارفور". دعوات للحوار وللتفاوض وبخصوص جهود وقف القتال، حض وزراء خارجية دول مجموعة السبع أمس الثلاثاء طرفي النزاع في السودان على "وقف الأعمال العدائية فورا"، والعودة إلى طاولة المفاوضات. وقال الوزراء في بيان بعد يومين من المحادثات "نحض طرفي النزاع على وقف الأعمال العدائية فورا دون شروط مسبقة"، محذرين من أن القتال "يهدد أمن وسلامة المدنيين السودانيين ويقوض جهود استعادة الانتقال الديمقراطي في السودان". ودعوا في البيان "إلى نبذ العنف والعودة إلى المفاوضات واتخاذ خطوات فعالة لخفض التوترات وضمان سلامة جميع المدنيين والدبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني". وحذّرت الأممالمتحدة من أن كل تصعيد إضافي في السودان ستكون له تداعيات كارثية. وفي السياق، قال مسؤول في مفوضية الاتحاد الإفريقي إن الاتحاد الإفريقي يسعى بالتنسيق مع شركائه لأن يكون الحل سودانيا وداخل القارة. وبالتوازي مع هذه الدعوات، قال مصدر دبلوماسي إن المبعوث الأممي إلى السودان فولكر بيرتس أبلغ مجلس الأمن الدولي بأنه لا مؤشرات على استعداد الأطراف المتقاتلة لإبرام هدنة. ما الذي أطلق شرارة العنف؟ تصاعد التوتر منذ أشهر بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اللتين شاركتا في الإطاحة بحكومة مدنية في أحداث أكتوبر. انفجر الخلاف بسبب خطة مدعومة دوليا لبدء عملية الانتقال لمرحلة سياسية جديدة مع الأطراف المدنية. وكان من المقرر توقيع اتفاق نهائي في وقت سابق من أفريل، في الذكرى الرابعة للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية. بموجب الخطة، كان يتعين على كل من الجيش وقوات الدعم السريع التخلي عن السلطة واتضح أن هناك مسألتين مثيرتين للخلاف بشكل خاص. الأولى هي الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية، والثانية هي توقيت وضع الجيش رسميا تحت إشراف مدني. حين اندلع القتال في 15 أفريل، تبادل الطرفان الاتهامات بإثارة العنف. واتهم الجيش قوات الدعم السريع بالتعبئة غير القانونية في الأيام السابقة وقالت قوات الدعم السريع، مع زحفها إلى مواقع استراتيجية رئيسية في الخرطوم، إن الجيش حاول الاستيلاء على السلطة بالكامل في مؤامرة مع الموالين للبشير. البرهان يصدر قراراً بالعفو أعلن الجيش السوداني، أمس الثلاثاء، أنّ قائده الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أصدر قرارا بالعفو عن كل من يضع السلاح من ضباط وجنود "قوات الدعم السريع"، مشيراً في بيان مقتضب إلى أنّ قرار العفو سيتضمن إدماجهم في القوات المسلحة اعتبارا من تاريخ التبليغ. في حين أعلنت "قوات الدعم السريع" أنّ جميع قواتها منخرطة في المعارك، مشيرة، في بيان أمس الثلاثاء، إلى أنها تعمل على تأمين المواقع التي استولت عليها. وقالت إنه "لا توجد أي قوة للدعم السريع مكلفة باعتقالات أو دخول منازل المواطنين، وعلى الجميع الحذر من أي شخص يرتدي زي الدعم السريع ويقوم بمثل هذه الأعمال". وأعلن الجيش السوداني، الإثنين، نجاح المرحلة الأولى من العمليات العسكرية "في امتصاص الصدمة وتأمين الموقف"، مشيراً إلى أنّ الظروف مهيأة للانتقال إلى المرحلة التالية بقوات جديدة. لا رغبة للفرقاء في وساطة قال مبعوث الأممالمتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، إن الطرفين المتحاربين في السودان، أي قوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف ب "حميدتي"، والجيش، لا يعطيان انطباعاً بالرغبة في وساطة فورية من أجل السلام. وأضاف في تصريحات للصحافيين في نيويورك عبر رابط فيديو، أنه "لا يمكننا تقدير من له الغلبة" في المعارك، مشيراً إلى أن "الوضع غير واضح على الأرض". ولفت إلى أن قادة الطرفين المتحاربين يردون "بشكل إيجابي" على اتصالاته الهاتفية، مشدداً على أن الأممالمتحدة ستواصل بذل جهود من أجل وقف القتال للأغراض الإنسانية، و«إذا نجح ذلك فسنسعى لوقفٍ أكثر تنظيما لإطلاق النار". ونبّه إلى أن الظروف الحالية لا تسمح بتسليم أي مساعدات. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد ندد بشدة بتفجر القتال في السودان، وناشد قادة القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع" وقف الأعمال العدائية على الفور، واستعادة الهدوء، وبدء حوار لحل الأزمة. قالت وزارة الخارجية السودانية، إن التوصل إلى التسوية المطلوبة في البلاد "شأن داخلي" ينبغي أن يترك للسودانيين بعيدا عن "التدخلات الدولية". و كان رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، أمر بحل قوات "الدعم السريع" وإعلانها قوة متمردة.