مخطّط استعجالي للنّهوض بقطاع النّقل تعيش ولاية بومرداس السياحية مفارقة كبيرة بسبب عدم التوازن ما بين الحركية الاقتصادية والاجتماعية الهامة التي تعرفها منذ عقدين تقريبا بعد انفراج الوضعية الأمنية، ومسح آثار الزلزال المدمّر لسنة 2003، وما بين وضعية قطاع النقل الذي يعتبره الخبراء شريان الحياة اليومية والعصرية للمجتمعات، حيث لا تزال الولاية أو عاصمة «روشي نوار»، تفتقد لمحطة نموذجية لنقل المسافرين، وانحصار وسائل النقل على الحافلات وبدرجة أقل قطارات الضاحية، في انتظار ربط المنطقة بشبكة حديثة كالترامواي والمصاعد الهوائية «تيليفريك» وفتح خطوط بحرية لربط مدن الساحل. لا يتأخّر كل من يدخل ولاية بومرداس زائرا أو سائحا، ويدرك سريعا حجم المفارقة التي تعيشها الولاية التي استقبلت خلال موسم الاصطياف للموسم الماضي قرابة 18 مليون مصطاف حسب أرقام الحماية المدنية، وهي ملاحظات يعلق عليها الزوار دوريا عبر منصات التواصل الاجتماعي، الذين يتساءلون عن سبب افتقاد منطقة سياحية بامتياز لمحطة نقل حضرية وعصرية توفر كافة خدمات الراحة للمسافرين والمشتغلين في القطاع، وهو مرفق عمومي حساس يمثل الواجهة الأمامية والصورة المصغرة لأي مدينة، وبالتالي قد يحيلك التساؤل أو الانشغال إلى موضوع ثان يتعلق بوضعية خدمات النقل وشبكة الطرقات، وكلها عوامل ومظاهر واضحة للعيان، ويمكن الاتفاق عليها بسهولة. ولأنّ موضوع الملف لا يتعلق بوضعية قطاع النقل بالولاية، الذي دخل أروقة المجلس الشعبي الولائي مرتين في ظرف أقل من 10 سنوات، كان آخرها خلال انعقاد الدورة العادية الأولى للمجلس الشعبي الولائي لشهر مارس الماضي، الا أنه منطقيا لا يمكن الحديث عن مدى تحسن مستوى الخدمات المقدمة للمواطن دون إرفاقها بواقع الهياكل القاعدية والمرافق العمومية التي تسهر على هذه المهمة الحساسة، لأنّ نفس التساؤلات والانشغالات القديمة المتعلقة بغياب محطات حضرية مهيأة بالمدن منها عاصمة الولاية، فوضى الخطوط وانحصار النقل الحضري على محيط واحد يضم بلديات بومرداس، تيجلابين، قورصو ومدينة بودواو تكرّرت أثناء المناقشة. كما شهدت الجلسة عرض نفس المشاكل اليومية التي يعاني منها المسافر والمشتغلين بالقطاع من قبل النواب أو ما جاء في تقرير لجنة تهيئة الإقليم والنقل، التي طالبت بضرورة استدراك التأخر وتنويع الخطوط والمسارات لترقية مستوى الخدمات وتوفيرها أصلا، منها اقتراح مشروع لتوسيع نشاط مؤسسة «اتوسبي» العمومية لتمس بعض الخطوط الهامة الحيوية التي تربط دوائر كبرى كخميس الخشنة، برج منايل ودلس، توسيع شكة النقل بالسكك الحديدية خصوصا للبلديات الشرقية شيه المعزولة، الاستعانة بخدمة المصاعد الهوائية والتفكير في مشروع انجاز مسار للترامواي لتنويع وسائل النقل مثلما شهدته عدد من ولايات الوطن الكفيلة بوضع حد لهيمنة الخواص. تجارب ناجحة بحاجة إلى تثمين مع ذلك يمكن تسجيل عدد من الاستثناءات والتجارب الظرفية التي عاشتها ولاية بومرداس، بعضها كان وليد أزمة كورونا لكنها كانت مفيدة للمواطن والمسافر، الذي التمس حجم الفرق ودرجة تحسن مستوى الخدمات من حيث مدى توفر شروط النظافة والأمن داخل وسائل النقل بشهادة الجميع، احترام أوقات الرحالات ودقتها وقبل كل شيء كرامة المسافر وغيرها من الشروط المغيبة حاليا، فكانت التجربة الأولى توسيع خطوط عمل مؤسسة النقل الحضري التي لا تغطي حاليا سوى 0.57 بالمائة حتى تشمل عدد من المدن لتعويض اضراب الناقلين الخواص في تلك الفترة القصيرة التي جعلت المواطن يطالب بتثبيتها، والتجربة الثانية كانت خلال موسم الاصطياف بفتح خط للنقل عبر القطار يربط ولاية المسيلةببومرداس، الذي ترك ارتياحا كبيرا وفتح آفاقا واسعة لتنقل العائلات في أوقات زمنية قياسية. كما يمثّل خط الضواحي للنقل بالسكة الحديدية الذي يربط العاصمة بولاية تيزي وزو مرورا بعدد من مدن بومرداس بداية من قورصو حتى بلدية الناصرية مرورا بالثنية، سي مصطفى، يسر مكسبا كبيرا لسكان هذا المحور الرئيسي الذين لمسوا حجم الفرق مع وسيلة النقل بحافلات مهترئة منها 1253 حافلة تجاوز معدل سنها 20 سنة تهيمن على حظيرة الولاية، وأيضا مدى تحسن مستوى الخدمات وسرعتها بعد معاناة كبيرة، وهي تقريبا نفس التجربة التي ينتظرها باقي سكان البلديات، الذين يأملون تنويع الوسائل والخطوط لخلق المنافسة الكفيلة بترقية النشاط وتطويره. في الأخير يمكن القول إنّ ولاية بومرداس بحاجة الى مخطط استعجالي للنهوض بقطاع النقل، وبالتالي الاستفادة من الطفرة النوعية التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة بفضل المشاريع الضخمة والاستراتيجية التي تمّ انجازها سواء بتوسيع شبكة خطوط النقل بالسكة الحديدية أو عبر الطريق السيار وحتى النقل البحري والجوي بفضل المطارات الحديثة، خاصة وأن الكثير من الخبراء وحتى مسؤولين في القطاع ونوّاب الشعب متفقين على ضرورة إعادة النظر في القانون رقم 88 / 17، الذي حرّر سوق النقل أمام القطاع الخاص المتهم الرئيسي في الفوضى الحالية مع الغاء الضوابط التنظيمية لنشاط حيوي وحساس لا بد أن يرجع الى حاضنة الدولة مجدّدا تحت مظلة التسيير العمومي أو فتحه للمنافسة أمام مؤسسات النقل الكبرى المحترفة.