حماية التّراث..ضرورة في عصر الحروب السيبيرانية تصنيف "عين بوشريط" مهدا للإنسانية والدّراسات متواصلة بموقع "إنسان تيغنيف" قال مدير المتحف الوطني باردو، إن الهدف الأساسي من إنشاء المتحف هو حفظ وتثمين التراث المادي، مشيرا إلى أن المتحف يسعى إلى تقديم خدمة جليلة، مفادها تبليغ رسائل علمية وثقافية من خلال ما تحتضنه من ممتلكات أثرية ومسكوكات ومقتنيات تحفية، والعديد من الأعمال الفنية ذات القيمة التراثية التي تعبر عن تراث محلي وإنساني. أكّد زهير حريشان في حديث مع "الشعب"، أن المتاحف الوطنية تراهن على تحقيق دورها في نشر الوعي بمدى أهمية عملية جمع القطع المتحفية وصيانتها والحفاظ عليها، وفسح المجال للباحثين والدارسين للاستفادة منها واستقبال الزوار من مختلف الأعمار والمستويات. لقاءات ودورات تكوينية عن التحضيرات التي سبقت الاحتفاء باليوم العالمي للمتحف، كشف محدّثنا أن متحف باردو نظم على مدار ثلاثة أيام، دورة تكوينية في رقمنة المتاحف لفائدة عمال المتاحف، وهي بمثابة مشروع هام، تم من خلاله استعراض خطط تقنية مختلفة ذات علاقة بميكانيزمات العمل المتحفي المعتمد عليه في أكبر المتاحف العالمية، وأضاف أنّ المشروع جاء في قسمين، جانب نظري وجانب تطبيقي، وهو موجه لمحافظي المتاحف الجزائرية الذين تم اختيارهم من مختلف المتاحف الجزائرية. وفي ذات الصدد، ذكر حريشان بأن الدورة التكوينية المنظمة كانت عن بعد، شاركت فيها كل المتاحف تقريبا، وأوضح بأنه يوجد دورة أخرى تطبيقية مخصصة لمجموعة معينة، وذلك يوم 21 ماي الجاري، حيث ستكون محصورة في عدد قليل ومحدود من المشاركين، والتطبيق - يضيف مدير باردو - عادة حتى يكون مثمرا، ويُفضّل أن يكون بعدد قليل، كما أن المجموعة التي تشارك ستشرف على تكوين دفعة أخرى من العناصر التابعة للعمل المتحفي. وأشار المتحدّث - في السياق ذاته - إلى أن عملية الرقمنة ليست حديثة بالنسبة للمتاحف الجزائرية، حيث يوجد عدة متاحف لديها تجارب في هذا الخصوص، وأضاف: "مع ذلك، هذا لا يمنع من التأكيد على توفر الخبرة، حيث أنه في كل مرة نكتشف أساليب جديدة للرقمنة، وعليه، يمكن استغلالها وتوظيفها في المجال بكل احترافية، ومن خلال خبرة المتاحف العربية ولاسيما العالمية، يتسنى للجميع تبادل الخبرات، وإنشاء عمل تشاركي بين العاملين في هذا المجال. متحف باردو ذكر زهير حريشان أن متحف باردو يقدم على مدار العام امتيازات هامة، على غرار كل المتاحف الوطنية، منها ما هو مجاني بالنسبة للطلبة والأطفال، إلى جانب تقديم الشروحات المفصلة في العديد من المجموعات المتحفية التي تحتاج - أحيانا - إلى استحضار نبذة تاريخية دقيقة جدا تستلزم الوقت والتركيز، وقال "إن كل المعارض التي ينظمها متحف باردو، هي معارض منتقاة، حيث نختار المواضيع التي لها علاقة بالأوضاع الراهنة، مثلا، العام الماضي أقمنا معرضا حول الاثنوغرافيا الإفريقية ، وكان مرتبطا بمشروع إقامة متحف إفريقيا، وهذه السنة أقمنا معرضا رقميا (متحف رقمي) يتم افتتاحه تزامنا مع المناسبة، يتطرق لما قبل التاريخ تكلمنا فيه عن موقعين أساسيين هما "بوشريط" الموجود بسطيف، و«تيغنيف" الموجود في مدينة معسكر"، مؤكدا بأن هذين الموقعين هامين، ويتمتعان بأبعاد عالمية، وقد تم اكتشاف أدوات حجرية تعود إلى 2.4 مليون سنة بالموقع الأثري "عين بوشريط"، مكّنت من إدراج المنطقة ضمن فهرس المواقع النادرة المصنفة ضمن "مهد الإنسانية"، أما موقع "إنسان تغنيف"، فالدّراسات به ما تزال مستمرة، قصد التأريخ له من جديد، وفق المنهجية الحديثة المتبعة في هذا المجال، وهو تحت إشراف المركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ وعلم الانسان بالجزائر العاصمة. متاحف الجزائر والامتدادات الإفريقية بخصوص شعار شهر التراث هذا العام، وقد أخذ امتدادا وبعدا إفريقيا، قال حريشان: "شخصيا، لا أرى نفسي إلا جزءا من إفريقيا، ولا يمكن في وقت من الأوقات أن أرى نفسي مفصولا عن هذه القارة التي تنتظر منا كثيرا من الجهود، وكثيرا من العناية، لكن في بعض الأحيان، يجب لفت الانتباه إلى أنه لا يجب أن ننسى بأننا في قارة إفريقيا والتي تعد مهد البشرية، وعليه، في كل يوم عالمي نولي أهمية كبيرة لهذه النقطة بالذات، تفاديا للغفلة التي قد تقع فيها النظرة الجماعية المتجهة دائما نحو الشمال، وهذا ما يقع فيه كثيرون، في حين أن أصل أغلب القارة يتمثل في الجنوب، ومن هذا المنطلق، تم تسليط الضوء على إفريقيا التي تزخر بتراث متشعب وعميق". المتاحف تتسلّح لمواجهة الخطر القادم بالعودة لما تحمله رمزية شهر التراث الذي يحمل مناسبتين اثنتين، حيث يفتتح باليوم العالمي للمعالم والمواقع التاريخية، ويختتم باليوم العالمي للمتاحف، أشار محدثنا إلى أنه يجب أن نذكر بأن التراث جزء أساسي من الهوية بصفة عامة، لاسيما هويتنا الوطنية، وفي إطار العولمة وطغيان التكنولوجيا وما يعرف بالجرائم السيبريانية التي عرَّفها العديد من الباحثين أنها بمثابة حرب افتراضية أسلحتها رقمية، وجنودها يجلسون أمام الكمبيوتر، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي الذي سيستحوذ على كل ما يمثل الهوية، ولهذا- يقول محدّثنا - يجب علينا أن لا نحصر نشاطنا في شهر واحد، فهذا رمزي فقط، وعلينا الالتزام بالاستمرارية في الحفاظ على الهوية على مدار أيام السنة، ومن بعدها تأتي الأشياء الأخرى التي هي ضرورية مكملة. تضافر الجهود..ضرورة عن رأيه في تجربة المتحف الذكي لولاية قسنطينة الذي يروج لمقتنياته عبر تقنية ثلاثية الأبعاد، وعن إمكانية تعميم ذات التقنية بمختلف المتاحف، أفاد مدير متحف باردو، أنه يجب الإشارة إلى أن أغلب المتاحف لديها كم هائل من المجموعات المتحفية في المخازن، ومن الصعب إبرازها للجمهور بصفة دائمة، لهذا نلجأ إلى هذه المتاحف الذكية، وذلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة وباستعمال المجال الرقمي في عرض الممتلكات المتحفية، كما أن إقامة متاحف افتراضية - يقول حريشان - تعتمد على ما هو موجود حقيقة داخل مخازن المتاحف، وكذلك تسمح بتبادل هذه التحف الرقمية، أي أنها تسافر عبر فضاء افتراضي إلى متاحف أخرى وإلى فضاءات افتراضية أخرى. في سياق متصل، يرى المتحدث أن اللافتات الاشهارية يمكن أن تُستغل لترويج التراث، إلى جانب استغلال العديد من المجموعات المتحفية في تلك المنصات التي هي بالأساس مخصصة لترويج المواد الاستهلاكية، فيمكن من خلال الومضات أن تسهم في تقديم هذه الخدمة، مثلما هو معمول به في الدول الأوروبية الرائدة في استعمال الآثار كواجهة لتسويق منتوج معين وربطه بالقيمة الهامة للآثار. يقول: "هذه ثقافة نتمنى أن ينظر إليها من أجل اعتمادها في بلادنا التي تعتبر منارة للتاريخ وبوابة للتراث ومهدا الحضارات، ولم لا نراها مستقبلا في خطط عمل بعض الصناعيين الذين يمكنهم الاستعانة بالتراث في التعريف بمنتوجهم، حيث لا نغفل عن أهمية التطبيقات التكنولوجية التي استطاعت تلك الدول الاعتماد عليها في التسويق، ومن خلالها، يروجون للمتاحف والمواقع الأثرية، وكمثال عن استعمال التكنولوجيا يوجد الماسح الضوئي (السكانير)، فلقد كانت أول استخداماته في المجال الأثري، وتبقى ثقافة نتمنى أن يتم تبنيها ولو تدريجيا خدمة للتراث وللأصالة وللبعد الحضاري الجزائري المترامي الأطراف".