اتفاقيات طويلة المدى واستثمارات مختلطة تعزّز عمليات استكشاف الغاز انتعشت تدفقات الغاز الجزائري إلى أوربا، محققة أعلى مستويات لها العام الجاري، كأكبر مصدر للغاز في شمال إفريقيا، مدعومة بالموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به، لتلبية حاجيات أوربا من الطاقة، ومستفيدة من موارد الطاقة الهائلة والإرادة الحقيقية للسلطات العمومية في وضع إستراتيجية قوية لتطوير عمليات الاستكشاف والإنتاج. حيث خصّصت سونطراك ما قيمته 40 مليار دولار، لتحقيق مخطط استثماري يمتد على خمس سنوات، بالإضافة إلى طرق العبور الحالية متمثلة في خطوط أنابيب إمدادات الغاز الجزائري إلى أوربا عبر خطي، "ميدغاز" نحو اسبانيا وخط "ترانسماد" الذي يؤمن تدفق الغاز إلى إيطاليا عبر تونس وصقلية، كما سيتم إنشاء خط "غارسي" الذي سيربط موانئ عنابة بسردينيا الايطالية، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بهدف الرفع من حجم استحواذ الغاز الجزائري على السوق الطاقوية الأوروبية، والرفع من حصة الجزائر من فاتورة الواردات الأوروبية من الطاقة بجميع أنواعها. أفاد الخبير الاقتصادي، عبد القادر سليماني، خلال اتصال أجرته معه "الشعب"، أنّ المكانة الطاقوية العالمية للجزائر قد تعزّزت كأول مورد لأوروبا بالغاز الطبيعي والغاز المسال، حيث وصل توريدها لهذه الأخيرة إلى 13بالمائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي و14 بالمائة من الغاز المسال- حسب التقرير الأخير لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول- الذي أفاد أن الجزائر قد سجلت أعلى نسبة صادرات من الغاز المسال نحو أوروبا خلال الربع الأول من سنة 2023، حيث ارتفعت صادراتها من الغاز المسال إلى 2.8 مليون طن مقابل 2.4 مليون طن سنة 2022، أيّ بنسبة نمو سنوي قدرت ب16.7 بالمائة، كأعلى نسبة مسجلة على المستوى العربي. ويفسر سليماني الزيادة المعتبرة في نسبة صادرات الجزائر من الغاز المسال في ظرف وجيز، بسلسلة الاستثمارات والمشاريع العالمية الضخمة التي تم إطلاقها بالتعاون مع كبريات الشركات الصينية والأمريكية والأوروبية، في مجال الاستكشاف والتنقيب عن مكامن الغاز الطبيعي في العديد من المواقع. حيث تمكن الرائد الجزائري في مجال الطاقة "سونطراك"، من استكشاف 35 موقعا جديدا، خلال السنتين الأخيرتين، ما عزّز من احتياطي الجزائر في مجال الغاز إلى 5 ترليون متر مكعب، وتواصل سونطراك عملياتها الاستكشافية من خلال استقطاب استثمارات وتمويلات وفق شراكات رابح- رابح. 100 مليار متر مكعب صادرات الغاز.. رهان مستقبلي وعن وجهة الغاز الجزائري بنوعيه، أوضح سليماني، أنّ أغلب الشحنات من الغاز الطبيعي المسال موجهة إلى الأسواق الأوروبية الكبرى مثل إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، البرتغال، التشيك والمجر، ممّا يدل على أنّ دول الاتحاد الأوروبي تعول على الغاز الجزائري كمورد مضمون، آمن وموثوق، خاصة بعد توقف شحنات الغاز القادمة من روسيا عبر أنابيب "نوسيم 1" و«نوسيم 2"، مما جعل الدول الأوربية تتطلع إلى سدّ هذا العجز عن طريق مضاعفة إمداداتها من الغاز الطبيعي والمسال الجزائري. وفي هذا الصدد، كان رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون – يقول المتحدث - قد سطر هدفا لبلوغ ما قيمته 100 مليار متر مكعب من صادرات الجزائر من الغاز، ينبغي بلوغه العام 2023، مما يتطلب استثمارات ضخمة عن طريق شراكات موثوقة. حيث أصبحت إيطاليا منصة لتوزيع الغاز الجزائري نحو أوروبا، خاصة مع رواج معلومات حول محاولة كل من ألمانيا والنمسا والمجر بتمديد أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وايطاليا إلى ألمانيا، كخطوة استراتيجية لتوصيل الغاز الجزائري إلى العمق الأوروبي، مما يضمن للجزائر حصصا سوقية كبيرة ومكانة متقدمة في ترتيب الدول الممونة للغاز بنوعيه إلى أوروبا. 5 بالمائة حصة الغاز الجزائري من فاتورة الواردات الأوروبية قال سليماني إنّ الجزائر تتمتع بموثوقية عالية وعلاقات استراتيجية متينة مع زبائنها من دول أوروبا كفرنسا، البرتغال وايطاليا، حيث قفزت واردات أوربا من الغاز الطبيعي خلال سنة 2022 إلى 390 مليار دولار، مضاعفة ب3 مرات من المستوى المسجل سنة 2021 لتصل إلى 120 مليار دولار، أين حصلت صادرات الغاز الجزائري على نسبة 5 بالمائة من إجمالي فاتورة واردات أوروبا، حيث ارتفعت إيرادات الجزائر من صادراتها من الغاز لدول الاتحاد الأوربي إلى 20 مليار دولار، خلال سنة 2022، مقابل 11 مليار دولار سنة 2021، حسب تقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية. شبكة أنابيب لضمان توريد الغاز الجزائري وعلى ذكر العلاقات التجارية الموثوقة والقوية، أشار الخبير الاقتصادي إلى أنّ "إيني" الايطالية تعتبر زبونا رئيسيا للغاز الجزائري، سواء من حيث اتفاقيات التوريد الطويلة المدى، أو عن طريق المبيعات الإضافية في السوق الفورية، حيث بلغت قيمة إجمالي وارداتها من هذا الأخير، خلال الربع الأول من سنة 2023، حوالي 8.36 مليار متر مكعب، مسجلة ارتفاعا طفيفا، مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، أين بلغ متوسط وارداتها من الغاز الجزائري 8.33 مليار متر مكعب. وتخطط إيطاليا حاليا – يضيف المتحدث - لزيادة تدفق الغاز بصورة تدريجية عبر خطوط أنابيب "إنريكوماك" الذي يربط الشرق الجزائريبإيطاليا، مستهدفة زيادة تدريجية تصل إلى 9 مليارات متر مكعب إضافية سنويا بحلول سنة 2024، وفق ما جاء في تقرير الشركة السنوي لسنة 2022. بالإضافة إلى أنبوب الغاز "مادغاز" الذي يربط بني صاف بإسبانيا بطاقة إمداد تقدر ب50 مليار متر مكعب سنويا. وكان رئيس الجمهورية قد أمر بدعم شبكة إمدادات الغاز إلى أوروبا بخط ثالث يتمثل في أنبوب "غارسي" الذي يربط موانئ عنابة ب«سردينيا" الايطالية، ويسمح بتوريد الغاز بنوعيه، إضافة إلى الكهرباء والهيدروجين إلى إيطاليا، مما يجعل الجزائر في صدارة الدول الأكثر ضمانا لتزويد أوروبا بجميع أنواع الطاقة. منشآت فنية ضخمة وأرجع سليماني تفوق الجزائر وتمكنها من الوصول إلى أكثر من 10 مليون طن من الغاز سنويا المورّد إلى أوروبا، إلى المنشآت الفنية والتقنية الكبرى الموزعة عبر موانئ أرزيو وسكيكدة، حيث عرف هذا الأخير العديد من أشغال التمديد وصلت نسبة التقدم بها إلى 90 بالمائة، إضافة إلى بناء رصيف خاص للغاز المسال ونقله عبر ناقلات الغاز تصل طاقتها إلى 220 ألف متر مكعب، مع إنشاء مرسى للشحن والتفريغ عن طريق بواخر مجهزة بأحدث التقنيات العلمية. وذلك من أجل ضمان عمليات التحويل والتكرير والتجميع والنقل إلى الوجهة الأوروبية في ظروف آمنة وآجال وجيزة، ما يضاف إلى رصيد الاستثمارات التي قامت بها سونطراك التي سطرت مخططا استثماريا بقيمة 40 مليار دولار، خلال الخمس سنوات القادمة، من أجل استغلال أمثل لأنابيب نقل الغاز التي يزيد طولها عن ألفي كلم تصل بين حقول الغاز بالجنوب الجزائر ومحطات التصدير بكل من موانئ أرزيو وسكيكيدة. الطاقات المتجددة ضمن برنامج الشراكة الدولية ولا يستبعد سليماني، أن تصل قيمة الغاز المسال إلى 11 مليون طن و60 مليار متر مكعب سيتم تصديرها سنة 2023، في حال تواصل الاستثمارات النفطية بنفس الوتيرة، ممّا سيعزّز من حصة الجزائر في سوق النفط العالمية، خاصة بعد دخول البرتغال على الخط، حيث عبرت هذه الأخيرة عن نيتها في زيادة حصتها من الغاز الجزائري، خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية إلى البرتغال، علما أنّ الجزائر تزوّد البرتغال ب2.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، حيث أظهر البرتغاليون نية واضحة في تعزيز الشراكة الجزائرية-البرتغالية، خاصة فيما تعلق بإنتاج وتوريد الهيدروجين الأخضر بالنظر إلي التكنولوجيات الحديثة التي تتمتع بها البرتغال في هذا المجال، فالجزائر اليوم - يقول سليماني - تصبو إلى عقد شراكات حقيقية تقوم على تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيات الحديثة على غرار الشريك البرتغالي والألماني فيما يخص مشاريع الطاقات المتجددة، مستدلا بمشروع "سولار 1000 ميغا واط"، وفي إطار تبادل الخبرات وبعث الاستثمارات المختلطة في مجال الصيانة والبحث والتنقيب والصيانة في المناطق الغير مألوفة بالنسبة للنشاط النفطي، كالجنوب الغربي للبلاد، أين تم استكشاف كميات هائلة من الغاز، عزّزت من احتياطي الغاز من هذه المادة، وقد سجلت الجزائر استثمارات قدرت ب5 مليار دولار سنة 2022 بين سونطراك الجزائرية، "أوكسيدونتال" الأمريكية، "توتال" الفرنسية و«إيني" الايطالية.