الرئيس الروسي شكر الجزائر والرئيس تبون على هذه الخطوة بتكليف من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، باشر وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، جولة أوروبية تشمل ثلاث دول، وهي الجمهورية الإيطالية وجمهورية صربيا وجمهورية ألمانيا الاتحادية، وتأتي هذه الجولة في إطار تعزيز العلاقات الثنائية وتقوية الحوار السياسي حول القضايا التي تخص المصالح الجوهرية والاهتمامات الكبرى المشتركة بين الجزائر وشركائها، ومن أبرزها الأزمة الروسية الأوكرانية التي دخلت الجزائر رسميا على خطها كوسيط يسعى لحلحلة النزاع. أولى محطات وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، كانت إيطاليا، التي عرفت العلاقات الثنائية معها رقيا محسوسا بعد اللقاءات والزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين على أعلى مستوى، فإلى جانب تقييم التقدم المحرز في تنفيذ مخرجات اللقاءات الأخيرة، تبادل وزيرا خارجية البلدين وجهات النظر حول مستجدات الأوضاع إقليميا ودوليا، لاسيما تلك المتعلقة بتطورات الأزمة في أوكرانيا، حيث أشار خلالها الوزير عطاف إلى مساعي الوساطة الذي تقدم به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، للمساهمة في الجهود الدولية الرامية لبلورة حل سلمي يضمن احترام المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأممالمتحدة ويأخذ بعين الاعتبار الشواغل الأمنية للأطراف المعنية. ثاني المحطات كانت بلغراد، حيث تحادث أمس، وزير الشؤون الخارجية مع نظيره الصربي، حول سبل إضفاء حركية جديدة على العلاقات الجزائرية - الصربية بعد التراجع الذي عرفته على مدى التسع سنوات الماضية، وآفاق إحياء وتثمين ما يجمع البلدين من إرث تاريخي متميز من النضال المشترك ضد الاستعمار والتعاون الاقتصادي المثمر والتنسيق السياسي الدائم في إطار حركة عدم الانحياز، كما كان للتطورات الإقليمية والدولية حيز هام من نقاش الوزيرين. وبحسب مراقبين، فإن جولة عطاف الأوروبية، تهدف - علاوة على إطارها الرسمي الساعي لتعزيز وتمتين العلاقات - إلى مفاتحة الشركاء الأوروبيين في الملف الأوكراني الذي يفرض نفسه على طاولة النقاشات، من خلال إبراز تصور الجزائر المعتدل لآليات الحلول، بعد دخولها الرسمي على خط الوساطة في هذه الأزمة التي ألقت بظلالها على أغلب مناطق العالم. وتعمل الجزائر بتحركها الدبلوماسي هذا، على حشد الدعم الأوروبي لمبادرة الوساطة، معولة في ذلك على الدول الأوروبية الصديقة للمساهمة في حلحلة النزاع القائم. مبادرة الوساطة في الأزمة الروسية الأوكرانية، ترسمت بعد تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال مراسيم التوقيع على إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة بقصر الكريملين، تلقيه استعداد الجزائر لتقديم جهود الوساطة في النزاع القائم بين بلاده وأوكرانيا، معربا بذلك عن شكره للجزائر وللرئيس تبون على هذه الخطوة، الذي شكره بدوره على رحابة صدره وقبوله توسط الجزائر بين الدولة الصديقة روسياوأوكرانيا فيما يخص النزاع القائم حاليا بينهما، مؤكدا لنظيره الروسي أن هذه الثقة "ستكون في محلها". وتأتي مبادرة الوساطة التي باشر بها رئيس الجمهورية، بعد أن عرف النشاط الدبلوماسي الجزائري زخما كبيرا السنوات الثلاث الأخيرة، بفضل الدافعية التي أتى بها الرئيس تبون، راسما بذلك منعرجا جديدا في مسار الدبلوماسية الجزائرية، من خلال العمل والمثابرة، لأجل إعلاء صوت وكلمة الجزائر في مختلف المحافل الدولية، وتقوية وتعزيز وجودها في الساحة العالمية، وتحقيقا لذلك، عمدت الجزائر لإبراز صورتها الجديدة ومكانتها على الصعيد الإقليمي باستضافتها لأحداث ذات أهمية وبُعد خاص، كان أبرزها القمة العربية لجامعة الدول العربية، التي ناضلت الجزائر خلالها لأجل لمّ الشمل العربي، وما كان إلا أن تجسد جزء جوهري منه، وهو الشمل الفلسطيني، الذي احتفى بتوقيع فصائله على إعلان الجزائر. نضال الجزائر للم الشمل لم يتوقف بانتهاء أشغال القمة التي استضافتها شهر نوفمبر 2022، بل سعت عقبها جاهدة لعودة سوريا إلى مقعدها ومكانها الطبيعي في جامعة الدول العربية. ومواصلة لمسار تقوية الدبلوماسية الجزائرية الذي باشره الرئيس تبون، بذلت الجزائر جهودا حثيثة من أجل الظفر بالعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، لتنتخب بأغلبية ساحقة، بعد تصويت 184 دولة لصالح عضويتها، وهي الجهود ذاتها التي تبذلها وبنفس الوتيرة العالية من تحقيق مسعى الانضمام إلى منظمة بريكس، التي من شأنها أن تساهم في رفع الضغوط التي يعرفها الاقتصاد الجزائري. ولعل من بين أهم الدعائم التي تؤهل الجزائر للنجاح في دور الوساطة الذي ستؤديه، هي مبادئها الدبلوماسية المبنية على مواقف ثابتة منذ الاستقلال في المسائل والصراعات والأزمات العالمية، وهو ما ترجم من خلال انخراطها وانتمائها ومواقفها في حركة عدم الانحياز وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي. والمعلوم أن للجزائر باع طويل في مجال الوساطات الدولية، حيث أدت دور الوساطة في فك العديد من الأزمات والصراعات الإقليمية، مثل النزاع العراقي-الإيراني سنة 1975، وأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران سنة 1980، ناهيك عن النزاع في القرن الإفريقي بين إثيوبيا وأريتريا سنة 2000 وغيرها، كما كان للجزائر دور بارز في تسوية النزاعات الحدودية، مثل ذلك الذي حدث بين دولة مالي وبوركينافاسو، والسنغال وموريتانيا، ليبيا وتونس، مصر وليبيا، علاوة على اتفاق المصالحة المالي-المالي الذي توج بإعلان الجزائر. كل هذه المساعي والمبادرات والمجهودات، إنما تصب في صالح الارتقاء بالدبلوماسية الجزائرية إلى أعلى المراتب، خدمة للمصلحة الوطنية، مع التمسك والمحافظة الدائمة على عقيدتها المبنية على الدعوة والتكريس الدائمين للسلم والأمن الدوليين مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادة البلدان.