ناقش اجتماع الحكومة مؤخرا، ملف مدى تقدّم فتح رأسمال البنوك العمومية، وهو المشروع الذي يندرج في إطار تكييف قطاع البنوك، الذي يعدّ ركيزة الاقتصاد الوطني، مع التحولات الدولية في هذا المجال، حيث يرمي إلى تحسين فعالية إدارة البنك وتعزيز حوكمته، والمساهمة في إرساء ثقة المستثمرين تجاه السوق، وكذا تنشيط البورصة وإعادة بعث نشاطها بهدف رفع مساهمتها في تعبئة الادخار وتمويل الاقتصاد. تأتي مناقشة العرض الخاص بفتح رأسمال البنوك العمومية، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي سبق له، خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي انعقد بتاريخ 2 أفريل 2023، أن أمر بتسريع مسار العملية بطريقة علمية ومدروسة بدقة، تحفز على تغيير نمط التسيير القديم المرتكز حاليا على الإدارة بدل النجاعة الاقتصادية، مشدداً على مبدإ الشفافية لمباشرة الإصلاح المالي ومسايرة التحولات العالمية في هذا القطاع، الذي يعد ركيزة الاقتصاد الوطني. في هذا السياق، يؤكد البروفيسور عبد الوهاب معمري، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة بشار، أن فتح رأسمال البنوك العمومية هو إجراء تسعى الحكومة لتجسيده بهدف زيادة رأسمال البنك، وجذب مزيد من الموارد المالية التي تكون في شكل مساهمات، تعزز القوة والسلامة المالية للبنك وتضمن استقراره المصرفي والنقدي أكثر، كما يساهم بفتح رأس المال في حوكمة نظام عمل المؤسسات المصرفية ويعزز شفافية معاملاتها، ويسمح لها بتلبية تفضيلات العمليات التي يطلبها العملاء، والتي قد لا يتيحها رأس المال المحدود، ما من شأنه زيادة عدد الزبائن ومنه تعزيز الأرباح. كما يمكن للبنك، بفتح رأسماله واستحداث محفظة استثمارية ذات أصول متنوعة، ما يمنحه فرصة تحقيق إيرادات أكبر، ومنه الارتقاء بأدائه. ويوضح البروفيسور معمري، أن تنوع رأس المال يمكن البنك من توسيع رقعة نشاطه وتغطية مزيد من المناطق، باستحداث فروع ووكالات جديدة، علاوة على بسط رقابة أفضل على العمليات المالية وزيادة قدرته على التحكم في المخاطر وسن استراتيجيات ناجعة للتقليل منها. كما سيشجع ذات الإجراء المستثمرين الأجانب على القدوم والاستثمار في البنوك العمومية، ما يمكن الأخيرة بالمقابل من دخول أسواق استثمارية جديدة وطرح منتجات مالية معاصرة، أو الاستثمارات في تقنيات تكنولوجية وابتكارات مالية حديثة من ناحية الإقراض أو الاستشارات المالية. ويضيف المتحدث ذاته، أن الإجراء من شأنه أن يمكن المؤسسة المصرفية من التخصص في نشاطات أو خدمات مالية معينة، مثل العقار أو دعم التكنولوجيا والصناعة والتجارة وغيرها من التوجهات المالية، كما يمكن من توفير مصادر تمويل جديدة وغير تقليدية للحكومة التي تعتمد أساساً على عائدات الضرائب والديْن العام. فكفاية رأس المال الكبيرة لدى البنوك تسمح للحكومة بالاعتماد عليها في تمويل بعض المشاريع العمومية، ما من شأنه إنجاح استراتيجياتها وأهدافها. من جهته، يفيد الخبير الاقتصادي البروفيسور مراد كواشي، أن الحكومة الجزائرية تنشط على قدم وساق لتحسين مناخ الأعمال وزيادة حجم الاستثمارات، سواءً كانت وطنية أو أجنبية. وعليه جاء القانون الجديد للاستثمار بما يتضمنه من نصوص تنظيمية وبما يحتويه من مزايا كبيرة للمستثمرين المحليين والأجانب، فاتحاً بذلك العديد من الورشات الإصلاحية، لعل من بين أهمها ورشة تحسين المنظومة البنكية والمصرفية، التي كانت تمثل الحلقة الأضعف في نسيج مناخ الأعمال في الجزائر، بحيث تعرف الأخيرة بعض التأخر والضعف في الخدمات، وبالتالي عمدت الحكومة إلى مراجعة قانون النقد والقرض المصرفي الذي لم يراجع منذ عشرين سنة تقريباً، والذي من شأنه أن يدخل مفاهيم مصرفية حديثة على المنظومة المالية الجزائرية، مثل الدينار الرقمي. بالموازاة مع ذلك، شرعت في إنجاز ورشات أخرى كفتح فروع لبنوك عمومية في الخارج لمرافقة المصدرين، وكذا فتح رأسمال بنكين عموميين خلال هذه السنة. ويضيف البروفسور كواشي، أن المنظومة المصرفية الجزائرية يسيطر عليها الطابع العمومي، لذلك فإن فتح رأسمال بنكيين عموميين من شأنه أن يحدث نوعا من التوازن بين الملكية العمومية والخاصة، ويزيد من حدة المنافسة بين الطرفين، ما يؤدي في جميع الأحوال إلى تحسين الأداء وجودة الخدمات. وعليه، فالهدف هو إعطاء دفعة جديدة للتنافسية بين البنوك، وكذا استحداث موارد مالية جديدة، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير طريقة تسيير المؤسسات البنكية والقضاء على التسيير الكلاسيكي الذي لم يعد ينفع في ظل بيئة الأعمال الحديثة، وما تتميز به من مرونة ورقمنة للخدمات، ما سيساهم في مواكبة طموحات الحكومة الجزائرية، سواءً من حيث جلب الاستثمارات وزيادة حجم الصادرات خارج المحروقات وتحسين بيئة الأعمال بشكل عام.