خطط للتكيّف والتخفيف من تغير المناخ بثلاث ولايات تصنيف الأحداث المناخية الحادة من بين المخاطر الكبرى التمويل.. "حجر زاوية" تقوم عليه جميع مساعي التصدي لتغير المناخ ظهرت تأثيرات التغيرات المناخية مؤخرا بشكل مقلق للغاية من خلال تداعيات ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الساحلية الجزائرية، تجاوزت 48 درجة، وهي أكبر من المعدلات المسجلة بعض المناطق الجنوبية والهضاب العليا المعروفة بمناخها الحار صيفا. ومن أجل مواجهة هذا الوضع، رفعت الجزائر منذ سنوات تحدي مكافحة التغيرات المناخية بتسطير خطة وطنية تنفذ عبر مراحل، وانخرطت في المساعي الدولية الرامية للتكيف والتخفيف من تداعيات ظاهرة عالمية، تتحمل مسؤلياتها الدول المصنعة الكبرى والأكثر ثراء، المطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالوفاء بالتزامها الذي تعهدت به في إطار اتفاقية باريس لتوفير 100 مليار دولار سنويا من التمويل الدولي المتعلق بالمناخ، وهذا حسب الأممالمتحدة سيكون رمزا مهما للتضامن العالمي في مواجهة التحدي الذي لا يمكن رفعه إلا إذا عملت جميع بلدان العالم معا. لمواجهة هذا الوضع وللتخفيف من آثار التغيرات المناخية، يقول المدير الفرعي للتقليص من التغيرات المناخية عبد الرحمن بوقادوم ل«الشعب"، إنّ الجزائر عملت على تسخير كل الإمكانات الوطنية، حيث وضعت استراتيجية عامة مسّت جميع القطاعات للتكيف مع المناخ والعمل على خفض انبعاث الغازات الدفيئة للإيفاء بتعهداتها في إطار اتفاق باريس من خلال مساهمتها المعتزمة والمحدّدة وطنيا ومن خلال وضع المخطط الوطني للمناخ وتسريع تطبيق اتفاقية باريس. وأضاف أن الحكومة الجزائرية أنشأت اللجنة الوطنية للمناخ (CNC) في عام 2015، ترأس هذه اللجنة وتنسقها الوزارة المكلفة بالبيئة وتضمن التشكيلة القطاعية لهذه اللجنة تمثيل جميع الجهات الفاعلة المعنية بتغير المناخ، كما تجمع ممثلين عن المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CNESE) والقطاعات الوزارية المسماة نقاط الاتصال القطاعية، بما في ذلك وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج، كنقطة الاتصال الوطنية. وأوضح بوقادوم أن من خلال عمل هذه اللجنة، قدمت الجزائر في 3 سبتمبر 2015 مساهمتها المحددة وطنيا (INDC) إلى أمانة اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، في سياق اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وتشمل هذه المساهمة محورين أساسيين يتعلقان بالتخفيف والتكيّف، التزمت الجزائر في إطار التخفيف بخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة 7٪ بحلول عام 2030، بالاعتماد على قدراتها الخاصة ووسائلها المالية. كما التزمت برفع هذا الطموح إلى 22٪ إذا حصلت على دعم خارجي من حيث الخبرة والتمويل. وتأكيدا لحرص الجزائر على مجابهة مخاطر التغيرات المناخية - يضيف بوقادوم - فقد صادقت الحكومة على المخطط الوطني للمناخ الذي يشكل وثيقة استراتيجية للتصدي للتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على المستوى الوطني ودليلا ملموسا على وفاء الجزائر بالتزاماتها الدولية وإظهار الإرادة السياسية والجهود الوطنية التي تقوم بها لمكافحة تغير المناخ مع ضمان احتياجاتها التنموية بدمج التغيرات المناخية على جميع المستويات وفي جميع القطاعات بما يحمي اقتصادنا ويحفظ مستقبل الأجيال القادمة. وحسب المسؤول، يضمّ هذا المخطط إدارة المخاطر حول الساحل، ويتضمن المخطط الوطني للمناخ ثلاثة أقسام، القسم الأول يتعلق بالتكيف يحتوي على 63 مشروعا، القسم الثاني المتعلق بالتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة الذي يحتوي على 76 مشروعا، القسم الثالث الذي يشمل ستة عشر مشروعا يستهدف حوكمة تغير المناخ، التمويل، التوعية، الاتصال، التدريب، وبناء القدرات، والبحث والتطوير. كما تمّت الموافقة على تمويل مشروع الخطة الوطنية للتكيف بقيمة تعادل ثلاث ملايين دولار من طرف صندوق لأخضر للمناخ بالشراكة مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي. ويسعى هذا المخطط إلى توجيه التخطيط الاستراتيجي لعملية التكيف الوطنية، لا سيما من خلال بدء وإطلاق خطة العمل الوطنية، ووضع جرد شامل للبيانات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ، والقدرة على التصدي، وشبكة المراقبة وتحديد القدرات والاحتياجات الرئيسية لرصد وتقييم إجراءات التكيف على مستوى القطاع، لا سيما القطاعات ذات الأولوية. كما يسعى إلى وضع شروط لتنفيذ عملية خطة العمل الوطنية، من خلال تحليل واقع تغير المناخ وتحديث دراسات حول الهشاشة، ودمج التكيف مع تغير المناخ في خطط التنمية الوطنية، وتعزيز التنسيق بين القطاعات، وبناء القدرات من حيث التكيف مع تغير المناخ، ووضع استراتيجيات لجمع الأموال من أجل التكيف، وإنشاء شراكة بين القطاعين العام والخاص لدعم تخطيط وإجراءات التكيف على المستوى القطاعي، وتعزيز الاتصال حول التكيف، إضافة إلى تعزيز آليات الرصد والإبلاغ والتحقق (MRV) لخطة العمل الوطنية والتقدّم المحلي فيما يتعلق بالتكيف، من خلال تعزيز عملية خطة العمل الوطنية من حيث رصد التقدم المحرز وتقييمه من حيث التكيف، وإنشاء آلية لتحديث التكيف. من جانب آخر، أعدت وزارة البيئة والطاقات المتجددة، البلاغ الوطني الثالث وأول تقرير يصدر كل سنتين (TNC & BUR1)، من أجل الوفاء بالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية، بشأن تغير المناخ. ويهدف هذا المشروع إلى دعم وتعزيز القدرات الوطنية من حيث آليات الشفافية الناتجة عن اتفاق باريس. إنشاء منطقة خضراء وقانون جديد لمكافحة المخاطر الكبرى لم تتوقّف جهود الجزائر - حسب بوقادوم - عند إجراءات التخفيف والتكيف، بل عزّزت تلك الجهود في إطار التخطيط لمكافحة المخاطر المناخية المنظومة القانونية، بقانون جديد لمكافحة المخاطر الكبرى في إطار التنمية المستدامة، حيث صنفت الأحداث المناخية الحادة من بين المخاطر الكبرى. في نفس السياق، ذكر بتعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون التي أسداها في مجلس الوزراء ل 30 أوت 2020، لإعادة بعث مشروع السّدّ الأخضر كأولوية وطنية يرمي إلى المساهمة وبشكل فعّال في إنشاء منطقة خضراء مخزنة للكربون، ومقاومة لتغير المناخ من خلال اعتماد تأهيل وتوسيع هذا السّد الذي أنجز في السبعينيات برفع مساحة غطائه النباتي من 3.7 إلى 4.7 مليون هكتار في آفاق 2035 وعلى طول 1500 كيلومتر لمواجهة ظاهرة التصحر. وقال بوقادوم إنّ "بعث هذا المشروع عزز بإنشاء هيئة تنسيقية لمكافحة التصحر وإحياء السد الأخضر"، مشيرا إلى أن وزارة البيئة قامت بتنفيذ عدة التزامات أخرى منها غرس 60 ألف شجرة على مستوى التراب الوطني، كل عام، وذلك في إطار مخطط عمل الحكومة 2021-2024 مما سيسمح بالتخفيف من التأثيرات السلبية للجفاف ومكافحة التصحر، وكذا تمويل كل سنة عمليات الغرس المنظمة على مستوى السد الأخضر بأكثر من 13 ألف شتلة من النباتات التي تتأقلم وتقاوم الجفاف، المنتجة على مستوى مشتلة المركز الوطني لتنمية الموارد البيولوجية بالبيض. ولجعل الولايات أكثر مرونة في مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، قامت وزارة البيئة والطاقات المتجددة من خلال تمويل من الصندوق الوطني للبيئة والساحل بإعداد ثلاث خطط للتكيف والتخفيف من تغير المناخ في ولايات سيدي بلعباس والمسيلة والبيض. كل هذا يدل - حسب المدير الفرعي للتقليص من التغيرات المناخية - على أن الحكومة أبدت اهتماما واضحا فيما يخص مكافحة التغيرات المناخية والتصحر والحفاظ والاستعمال المستدام للأراضي وإصلاحها من أجل تدعيم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بحيث خصصت لهذه المواضيع أهميةَ قصوى وأدرجتها ضمن الأولويات في سياساتها البيئية ومخطط عملها من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ضمان التمويل.. حجر الزاوية بالرغم من تباين المسؤوليات التاريخية للدول إزاء التسبب في انبعاثات الغازات الدفيئة والمسبِّبة للتغيرات المناخية، إذ تعتبر الدول الصناعية الكبرى المسؤولة عن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، إلا أن الجزائر انطلاقا من إيمانها العميق من جسامة رهانات تغير المناخ وانعكاساتها السلبية على اقتصاديات الدول النامية، عملت على تسخير كل الإمكانات الوطنية للوفاء بتعهداتها في إطار اتفاق باريس من خلال مساهمتها المحددة وطنيا، مع العمل على تحيينها وفق قدراتها المالية والاقتصادية، أو في حال الحصول على الدعم الخارجي. وأكد بوقادوم، أن الجزائر ما فتئت تجّدد التزامها للتكفل بالمسائل المناخية خلال مختلف القمم العالمية ذات الصلة، مع مواصلة جهودها الرامية إلى تعزيز دورها في هذا المجال من خلال مبادرات عديدة، وهو ما تمّ الاشادة به في العديد من المناسبات. وذكر المتحدث أن الدول الصناعية الكبرى المتسببة في الاحتباس الحراري، كانت قد وعدت الدول النامية المتضررة من الظاهرة بتمويل قدره 100 مليار دولار من أجل إنجاز مشاريع تعزز من خلالها قدراتها للتصدي للتغيرات المناخية التي تتجلى آثارها أكثر من أي وقت مضى (الفيضانات المتكرّرة وحرائق الغابات وموجات الحرارة المرتفعة..). غير أن "هذا الوعد لم يتحقق لحدّ اليوم"، إذ لم تتلق الجزائر حتى الآن أموالا للسماح لها بالوصول إلى نسبة 22٪، بحيث كشفت وزيرة البيئة والطاقات المتجدّدة فازية دحلب، في تصريحات سابقة، أن الجزائر استفادت من تمويل عبر الصندوق الأخضر للمناخ، بقيمة 3 مليون دولار، خصص لمكافحة الآثار السلبية للتغيرات المناخية والموجه لإنجاز المخطط الوطني للتكيف مع التغيرات المناخية. وأوضحت الوزيرة أن هذا التمويل جاء نتيجة الجهود المبذولة من طرف الجزائر من خلال المرافعات العديدة في المؤتمرات الدولية حول ضرورة دعم الدول في طريق النمو لمواجهة آثار التغيرات المناخية باعتبارها "لا تتحمل أي مسؤولية تاريخية في الانبعاثات الغازية"، وأشارت إلى أن "التغيرات المناخية الحاصلة بفعل ارتفاع درجات الحرارة باتت خطرا يهدّد بلادنا على غرار باقي بلدان العالم". وفي هذا السياق، اعتبر بوقادوم أن ضمان التمويل الكافي يمثل "حجر الزاوية" الذي تقوم عليه جميع المساعي الرامية للتصدي لتغير المناخ. وعليه فإن الجزائر تدعو الدول المتقدمة التي تسببت تاريخيا في ظاهرة الاحتباس الحراري إلى الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية لاسيما فيما يتعلق بتمويل المشاريع التي تساهم في الحدّ من التغيرات المناخية، مؤكدا أن ذلك يمثل "مسألة ملحّة للغاية". وفضلا عن ذلك، تطالب الجزائر بنقل التكنولوجيات الحديثة لصالح الدول النامية الافريقية على وجه الخصوص، حتى تتمكن من تجسيد المشاريع الضرورية للحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة المتسببة في الاحتباس الحراري، بشكل أكثر فعالية. المحور الثالث التي تتفاوض عليه الجزائر، فيتمثل في تدعيم القدرات الوطنية في هذا المجال من خلال ضمان التكوين لصالح الاطارات بخصوص استخدام هذه التكنولوجيات المتقدمة. نهج تشاركي لتثقيف الأفراد تتطلّب مجابهة التغيرات المناخية تكييف التشريعات المتعلقة بالتغيرات المناخية مع الظرف الحالي، ويوضوح بوقادوم أن إشكالية التغيرات المناخية هي ذات طابع أفقي، بمعنى أنها تخص كل القطاعات، لذلك بات من الضروري تفعيل إدماج هذه المسألة في برامج عمل كل الدوائر الحكومية، وقد ذكرت التغيرات المناخية في الدستور ومن هذا المنطلق تمّ تعزيز الإطار المؤسسي والتشريعي إضافة إلى القدرات المؤسسية، مع توعية وتثقيف الجمهور من خلال نهج تشاركي، بحيث أعدت وزارة البيئة مشروع تعديل مرسوم 2005 المتعلق بإنشاء للوكالة الوطنية للتغيرات المناخية ANCC ، والذي سيتمّ عرضه قريبا على القطاعات لمناقشته والموافقة عليه. كما تمّ بالفعل إطلاق إطار عمل استشاري كجزء من عنصر إدارة المناخ في مشروع الشراكة الجزائرية الألمانية بعنوان "تعزيز إدارة المناخ في خدمة تنفيذ المساهمة المحددة وطنياً (CPDN) مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) لتحديد شروط مرجعية لتطوير قانون إطاري حول المناخ في الجزائر. وتعمل وزارة البيئة و لطاقات المتجدّدة على إعداد قانون إطاري حول التغيرات المناخية . أنظمة إنذار للتنبؤ بالظواهر الحادة خطّة التكيف الوطنية، ستوفر - حسب بوقادوم - الإرشاد للعمليات على المستوى الوطني، وستشمل هذه العمليات ليس فقط الوكالات الحكومية والوزارات، ولكن أيضا المجتمعات المحلية، والقطاع الخاص، والبلديات، والمنظمات غير الحكومية، والجهات المعنية الأخرى. وسوف تحدّد خطط التكيف الوطنية برامج التكيف ذات الأولوية، كما ستعمل على توفير الآليات التي يمكن من خلالها أن يتمّ تعديل السياسات تدريجيا لتصبح أكثر مرونة. وتعد أنظمة الإنذار المبكر التي تسمح بالتنبؤ بالظواهر المناخية الحادة من بين التدابير الفعالة التي تعمل وزارة البيئة والطاقات المتجدّدة على توفير الدعم والتأهيل التقني للقطاعات.