وكأنّ ليبيا لا يكفيها ما تعانيه منذ 2011 من أزمات وتحدّيات، لتسقط في براثن معضلة جديدة سبّبها اللقاء المشؤوم الذي جمع وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش مع نظيرها في الكيان الصهيوني، وهو ما يهزّ البلاد ولا يقعدها، ويثير غضبا شعبيا غير مسبوق على هذه الخطوة التي لا يمكنها إلا أن تعكس المحاولات الصهيونية المخزية لاستغلال الظروف الهشّة التي تعيشها ليبيا قصد الإيقاع بها في شرك التطبيع الذي يعارضه الليبيون جملة وتفصيلا، كما تعارضه القوانين الداخلية وخاصة القانون رقم "62"، الصادر في العام 1957 في أوج مراحل الصراع العربي الصهيوني، والقاضي بمقاطعة دولة الاحتلال. يتضمّن القانون 14 مادة من بينها المادة 7 التي نصت على "الحبس لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات وبغرامة لا تتجاوز 5 آلاف دينار كعقاب لكل من يعقد اتفاقا مع أي نوع من هيئات أو أشخاص مقيمين في الكيان الصهيوني أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها". وكانت وزارة خارجية الاحتلال الصهيوني، أعلنت امس الاول، أن الوزير إيلي كوهين اجتمع بنظيرته الليبية في حكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش، الأسبوع الماضي. وقال البيان؛ إن اللقاء جرى الأسبوع الماضي في إيطاليا، وعقد بوساطة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني. وأورد كوهين في بيان: "تحدثت مع وزيرة الخارجية عن الإمكانات الكبيرة للعلاقات بين البلدين، فضلا عن أهمية الحفاظ على تراث اليهود الليبيين، بما يشمل تجديد المعابد والمقابر اليهودية في البلاد". عاصفة غضب أثار لقاء المنقوش، مع وزير الخارجية الصهيوني، ردود فعل غاضبة رسميًا وشعبيًا، وتسبب في إصدار رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، قرارا يقضي بإيقاف الوزيرة عن العمل وإحالتها إلى التحقيق. وفي السياق، عقد مجلس النواب جلسة طارئة امس في بنغازي لبحث ما وصفه ب«الجريمة القانونية والأخلاقية المرتكبة في حق الشعب الليبي وثوابته الوطنية ". كما طالب المجلس الرئاسي رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بتوضيح ما ورد عن أنباء لقاء المنقوش والصهيوني كوهين سرّاً في روما. وقال الرئاسي في بيان إن "ما ورد لا يعبر عن السياسة الخارجية للدولة الليبية، ولا يمثل الثوابت الوطنية الليبية، ويعدّ خرقا للقوانين الليبية التي تجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني". وطالب الرئاسي الدبيبة باتخاذ كافة الإجراءات الرادعة وفقا للقوانين والتشريعات النافذة بالخصوص في حال حدوث اللقاء. واستنكرت دار الإفتاء الليبية لقاء المنقوش كوهين، وطالبت بإقالتها من منصبها. وقالت الدار في بيان نشرته على صفحتها بموقع "فيسبوك": "انعقد إجماع علماء المسلمين على تحريم إقامة أيّ علاقات مع العدو الصهيوني، الذي احتل فلسطين، وسفك دماء أهلها، واعتدى على الحرمات، وأخرج المسلمين من ديارهم، وانتهك حرمة المسجد الأقصى. ودعت الدار رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى "إقالة الوزيرة مِن منصبها؛ كما تدعو الشعب الليبي قاطبة إلى المطالبة بإقالتها، ومحاسبتها على ارتكاب هذه الجريمة، التي لا تمثل الليبيين، الذين لم يتغير موقفهم تجاه هذا العدو المحتل؛ منذُ أن تأسَّست ليبيا، إلى يومنا هذا". وتصاعد الاحتجاج الشعبي في معظم المدن الليبية، حيث شهدت تظاهرات واحتجاجات وقطع للطرق وحرق للأعلام الصهيونية. من جانبها، أوضحت وزارة الخارجية الليبية في بيان لها، أن لقاء المنقوش بكوهين كان عارضا، وغير معد له، ولم يتضمن أي مباحثات رسمية أو مناقشات، وإن موقف المنقوش ثابت من اللقاءات مع أي طرف ممثل لدولة الاحتلال الصهيوني. وقالت في بيان؛ إن الخارجية الليبية تؤكد التزامها الكامل بالثوابت الوطنية تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتشدد على تمسكها بالقدس عاصمة أبدية لفلسطين، وهذا موقف راسخ لا تراجع عنه.