في سياق الصراع الفلسطيني - الصهيوني وخاصة عندما مارست الثورة الفلسطينية الكفاح المسلح منذ أواسط ستينيات القرن الماضي، كثيرا ما كانت سلطات الاحتلال الصهيوني ترفع شعارات القضاء على فتح، القضاء على فصائل منظمة التحرير، وكان ذلك واضحا في محطات عدة منها معركة الكرامة في 21 3 1968، والتي شكلت منعطفا إيجابيا على تنامي القوى الثورية ولم يتمّ كسر فتح أو الثورة كالبيضة كما أراد وزعم ذلك موشيه ديان في حينه، وفي 14 آذار عام 1978، كانت معارك منطقة الجنوباللبناني "الليطاني" وحينها جندت قوات الاحتلال فرقها العسكرية لاحتلال جنوبلبنان بمشاركة نحو 25000 جندي. وفي حزيران 19 82وبحجة وذريعة مواجهة مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات، شنّ الاحتلال أوسع واضخم حملة عسكرية بقيادة الإرهابي شارون لاحتلال جنوبلبنان والوصول الى العاصمة اللبنانيةبيروت، تحت شعار القضاء على منظمة التحرير وحماية الحدود الشمالية من هجمات مقاتلي منظمة التحرير، واستمرت المواجهة العسكرية 80 يوما، وادت الى مقتل نحو 20 الف فلسطينيولبناني وجرح حوالي 30 الف آخرين ونزوح قرابة نصف مليون نحو بيروت والشمال اللبناني، الى أن تمّ وقف اطلاق النار بخروج بضعة آلاف من المقاتلين وتوزيعهم الى عدة دول عربية منها اليمن والجزائر وليبيا وأصبحت تونس العاصمة مقرا سياسيا لمنظمة التحرير، وتمّ انشاء منطقة جغرافية عازلة في الجنوباللبناني لتكون شريطا حدوديا بمساحة 850 كم2 بجانب تعزيز جيش سعد حداد وأنطوان لحد، ونشر قوات الطوارىء الدولية بقرار اممي.. فهل حقا تمّ القضاء على المنظمة؟ وهل نجحت تلك الحرب التدميرية في شطب الحقوق والقضية الفلسطينية؟ وللتذكير فقد أعقب ذلك طرح مشروع ريغان كمبادرة سياسية!! وبالرغم من الشهداء والدمار والمجازر والصمود الأسطوري فقد تمّ اجراء أكبر عملية تبادل للأسرى تحرر بموجبها نحو 4700 أسير فلسطيني وعربي جلهم من معسكر أنصار في الجنوباللبناني. يرفع الاحتلال الآن في حربه على قطاع غزة والشعب الفلسطيني مضمون ذات الشعارات والتصريحات لاستمرار ارتكاب المذابح والمجازر تحت ذريعة القضاء على حماس والجهاد الإسلامي وسحقها بدعم وغطاء لا محدود من أمريكا والغرب الاستعماري، ويعملون بمنهجية عسكرية بالتدمير الممنهج وارتكاب المجازر لتحقيق التهجير الجماعي من الشمال الى الجنوب والذي طال نحو مليون فلسطيني وذلك بهدف خلق وإيجاد منطقة عازلة جغرافيا في عمق الأراضي الفلسطينية شمال قطاع غزة، وكأنهم بذلك يستحضرون من تاريخهم العسكري ذات السيناريوهات بشعارات متقاربة ولكن هذه المرة على أرض الوطن حيث لا مجال لتكرار ما كان من خروج بيروت أو تأسيس جيش مشابه لجيش أنطوان لحدّ!!. إن تباكي الرئيس الأمريكي على من يعتبرهم رهائن ومعه الغرب والكيان الصهيوني لنحو 250 جندي وضابط ومستوطن بحوزة المقاومة في قطاع غزة، عليهم أن يدركوا أن هناك آلاف الأمهات والآباء والابناء الفلسطينيون ممن ينتظرون أحبتهم وفلذات اكبادهم كي يتحرروا وينعتقوا ايضا من سجون ومعتقلات الاحتلال ويصل عددهم الآن نحو ستة آلاف أسير فلسطيني منهم قرابة 500 أسير أمضوا عقدين من الزمن بشكل متواصل في الأسر ونحو 560 أسير محكوم عليهم بالسجن المؤبد ومدى الحياة، هؤلاء الذين تجاهلهم العالم مع الأطفال والمرضى والاسيرات والجثامين المحتجزة، آن الأوان ان يكون موعد حريتهم قد اقترب، ودون شك فان لكل حرب تداعيات وثمن يدفعه جميع الأطراف بدرجات متفاوتة، ولعلّ تبادل الأسرى احد تلك الأثمان في هذه الحرب. ما يجري فظيع ورهيب من جرائم وقصف لكل مرافق الحياة في قطاع غزة من مشافي ومدارس ومساجد وكنائس، بما في ذلك سياسة الاقتحامات وحصار وتقطيع أوصال الضفة الغربية وخنق القدس وتوسيع رقعة الاستيطان وانسداد أي افق سياسي حقيقي ومحاولات أضعاف السلطة الوطنية بشتى الوسائل، كل ذلك لن ينجح في تركيع وكسر إرادة وصمود الشعب الفلسطيني الذي سيبقى متمسكا بحقوقه الوطنية الثابتة بما يتطلّبه ذلك من تعميق واستعادة الوحدة الوطنية كأولوية أساسية في ظل وأعقاب هذه الحرب والعدوان المجرم. على العالم ان يدرك بانه مهما تكن تداعيات حرب الإبادة والتهجير الراهنة فإنه لن يكون هناك أي استقرار أو امن ما لم يكن هناك حل سياسي يلبي طموح وتطلعات الشعب الفلسطيني على قاعدة حق تقرير المصير وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس وانهاء الاحتلال، وانه آن الأوان لبذل قصارى الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق وقف فوري لاطلاق النار وليس فقط للبحث عن ممرات إنسانية للإغاثة، مع الاستجابة للدبلوماسية الفلسطينية التي يقودها الرئيس الفلسطيني والأشقاء العرب لوقف المذابح ولجم سياسية التهجير الجماعي واقتلاع الفلسطينيين ومحاولات شطب القضية الفلسطينية، فهل ستشهد المنطقة لاحقا طوفان من التغيير السياسي تجاه حل القضية الفلسطينية وغياب لنتنياهو واقطاب حكومته المتطرفة !! اعتقد بان الطوفان السياسي والقيمي قادم في ظل التعامل بمكيالين، وان التغيير والطوفان السياسي لا بد وان ينعكس بإيجابية على تعزيز الواقع الوحدوي الفلسطيني الداخلي ويؤثر في جدية الحراك السياسي الدولي تجاه حل سياسي للقضية الفلسطينية بمنطلقات الشرعية الدولية وانهاء الاحتلال باعتبار ان حالة عدم الاستقرار والامن والسلام سببه الأساسي الاحتلال الصهيوني، ورغم كل مأساوية وسوداوية المشهد الراهن فانهم لن يتمكنوا من القضاء وسحق حماس أو الجهاد وفصائل المقاومة تماما كما فشلوا سابقا في القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، فهناك شعب فلسطيني يتمسك بالحياة الكريمة والحقوق الوطنية وإرادة الحياة والحرية للعيش بسلام وامن بعيدا عن غطرسة الاحتلال، فالأمن والاستقرار والسلام يبدأ من وجود دولة فلسطين وإنهاء الاحتلال .