أكد مشاركون في ندوة "المشترك الصوفي الجزائري الأفريقي.. قوة ناعمة من أجل مستقبل أفريقيا"، التي احتضنها قصر الثقافة مفدي زكرياء، ضمن ندوات الفضاء الأفريقي الخاص بالطبعة 26 للصالون الدولي للكتاب بالجزائر، على اللحمة الجزائرية الأفريقية المنبثقة من أواصر التصوّف الوارف من رحم الجزائر ورجالاتها الأفاضل الذين تشبثوا بالثقافة الروحية التي كانت ولازالت عنوانا لمسيرتهم، كما أشادوا بدورها الهام الذي كان درعا وسندا لبلدان القارة السمراء أثناء مواجهة الاستعمار، ودعوا إلى ضرورة جعلها عصية على الاستهلاك الثقافي الغربي وفرض وجودها واسترجاع مكانتها وتعزيزها، من خلال ترسباتها التي تؤكد على أنها مهد الحضارة والانسانية. شارك في ندوة "المشترك الصوفي الجزائري الأفريقي.. قوة ناعمة من أجل مستقبل أفريقيا" أساتذة وباحثين من داخل الجزائر وخارجها، قدموا خلالها 08 مداخلات، على غرار "الجزائر وإفريقيا: الانتماء الصوفي المشترك وأسسه العقدية والمذهبية"، "الرهانات المستقبلية للمرجعيات الصوفية في صناعة الاستقرار المجتمعي في إفريقيا"، "حاضرة توات وامتداداتها الدينية والثقافية في إفريقيا"، "الرهانات المستقبلية للمرجعيات الصوفية في صناعة الاستقرار المجتمعي في إفريقيا"، "دور المشيخة الصوفية الأفريقية في الاستقرار وصناعة المستقبل"، "دور الزوايا تاريخيا واجتماعيا بالجزائر وتأثيرها على دول إفريقيا"، "الطرق الصوفية في موريتانيا وامتداداتها الإفريقية"، "التيجانية في تشاد.. تاريخ وأعلام"، "السنوسية في إفريقيا، تشاد أنموذجا" و«مستقبل إفريقيا من خلال التصوف".. طرحت الندوة التي تتزامن مع حلول إفريقيا ضيف شرف صالون الجزائر الدولي للكتاب، عدة إشكاليات تتعلق بالتصوّف كقوة ناعمة بإمكانها أن تكون إحدى عوامل الثقافة المشتركة في إفريقيا، خاصة في مواجهة قوى التطرّف والعنف وحملات الاستلاب الخارجي، حيث تمّ تسليط الضوء على العلاقات الجزائرية ببلدان الساحل الإفريقي بعمقها التاريخي، كونها لا تقتصر على مظاهر الجوار الجغرافي، بل تتجاوزها لتشمل أيضا الروابط الروحية التي ساهمت في نسجها الطرق الصوفية عبر مراحل التواصل الصوفي بين الجزائر وبلاد الساحل، وما زامن ذلك من صِلات ثقافية وبشرية وحضارية تبلوَرت ملامحها عبر قرون طويلة من التواصل الاجتماعي والتّفاعل الحضاري بين شعوب المنطقتين.. روابط روحية ركّز المشاركون في الندوة على جزء من تلك التفاعلات التي ربطت التصوف الجزائري بنظيره من الدول الإفريقية المجاورة، حيث شدّدوا على أهمية التواصل الجزائري الإفريقي وقوة الروابط الروحية والثقافية بين دول القارة والتي يمكن اليوم إعادة إحيائها واستغلالها في خدمة مصالح بلدان القارة في مواجهة الهجمات الاستعمارية من جهة، ومن جهة أخرى إبراز نماذج يمكنها أن تغير الصورة النمطية التي تجعل من إفريقيا قارة مستهلكة لثقافة الغرب الذي ما يزال يقدم شعوب هذه الدول في الدرجة الثانية، بينما هي في الحقيقة مهد الحضارة والإنسانية التي سوقت على مرّ العصور نماذج مشرفة للثقافة وأساليب الحياة. اهتمام الباحثين خلصت الندوة في الختام إلى رفع جملة من التوصيات إلى الجهات الوصية، قصد تفعيلها بعد النظر في مضمونها، كما يرتقب أن يتمّ نشر المداخلات ضمن منشورات وزارة الثقافة والفنون في القريب العاجل، حيث جاء في التوصيات بضرورة اهتمام الباحثين والدارسين بتاريخ التصوف الإسلامي على اعتبار أن كل ما يُكتب ولكثرته لا يعد كافيا أمام ما كتبه المستشرقون، وتصحيح علميا لما يتمّ تداوله من خلال بعض الكتابات عن تاريخ الطرق الصوفية في الجزائر وأفريقيا، كما حرص الموقعون على التوصيات على ضرورة الاهتمام بالطرق الصوفية كونها مجالا واسعا وخصبا للباحثين ودراستها دراسة موضوعية بعيدة عما يحاول البعض إلصاقه بها من بدع وخرافات لا صلة لها بالزوايا والتصوّف. وجاء في التوصيات أيضا ضرورة السهر على إبراز الجانب المضيء للطرق الصوفية، لا سيما دورها في نشر الإسلام ومقاومة الاستعمار في الدول الإسلامية خاصة في إفريقيا، والسعي إلى تكوين الأئمة الأفارقة في الجامعات والمعاهد الجزائرية، وتخصيص دراسات الماستر والدكتوراه في التصوف الافريقي، إضافة إلى الدعوة إلى أن يتضمن الكتاب المدرسي نصوصا حول التراث الصوفي الجزائري وانتشاره في العالم، مع التأكيد على الأصالة الجزائرية في نشأة الطرق الصوفية وبروز مشايخ وعلماء مؤسسين للزوايا والطرقية أتت ثمارها في الشرق الأوسط وافريقيا وبعض الدول الغربية. وفي الأخير، دعا المشاركون من خلال رفع بيان التوصيات على أن تكون هذه الندوة سنويا مصاحبة للصالون الدولي للكتاب، يختار لكل طبعة عنوان يخدم التصوف الافريقي، مقترحين للعام المقبل "التصوف ودوره في إدارة الازمات في أفريقيا". للإشارة، جاء في رد وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي على هامش الندوة عن محل القضية الفلسطينية من السياسة التي يتخذها المذهب الصوفي، "أن صلاح الدين الأيوبي كان قد استشرف تحريره للقدس من خلال رجوعه للمدارس الصوفية الجزائرية"، مستشهدة بأحد رموز الصوفية الجزائريين الذي لبى نداء الذود عن مقدسات الأمة الإسلامية، حيث قالت "أن أبو مدين الغوث كان قد سانده وشارك معه في تحرير القدس الشريف"، كما صرحت في ذات السياق "واليوم نريد أن نعمل بنفس القوة ونفس المقاربة في مجابهة القضايا الكبرى الإفريقية والعالمية أيضا". يذكر أن ندوة "المشترك الصوفي الجزائري الأفريقي.. قوة ناعمة من أجل مستقبل أفريقيا" عرفت حضور عميد جامع الجزائر الشيخ محمد المأمون القاسمي، الخليفة العام للطريقة التيجانية علي العرابي، الشيخ الحسين الحسني محمد شيخ القادرية في الجزائر وعموم افريقيا، ممثل البلقايدية الهبرية، شيوخ مدارس قرآنية، باحثون وطلبة، نسق محاورها الأكاديمي بومدين بوزيد ونشطها كل من الأستاذين لخميسي بزاز وعزام عبد القادر.