البحث الأكاديمي يرسي قواعد سليمة لتنمية مستدامة كفاءات جزائرية بالمهجر لم تبخل بخبرتها ومساعدتها الوطن المساعي التشاركية والتشاورية تقلص مخاطر الأخطاء والهفوات إدماج الشريك الاقتصادي في ترقية الأبحاث يوجد الحلول لمسائل الواقع المعيش الشعب: كيف يمكن توظيف اقتصاد المعرفة لتحقيق رهانات الدولة المتعلقة بإقامة اقتصاد بديل حقيقي، قائم على تنويع الموارد الاقتصادية؟ @@البروفيسور عرباوي: إن اعتماد اقتصاد المعرفة كمقاربة تقترح آليات لحل الكثير من المسائل الاقتصادية الراهنة، أضحى أكثر من ضرورة، بل هو حتمية واقع، في ظل ما يشهده السياق الحالي من اضطرابات وتغيرات وأزمات متعددة الأبعاد: منها الأزمة النفطية ذات الطابع المتكرر؛ الأزمة الصحية المتعلّقة بالفيروس التاجي-19؛ الأزمة الجيوسياسية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وما انجر عنها من أزمة غذائية وطاقوية؛ إضافة إلى الأزمة الطبيعية الناجمة عن التغيرات المناخية. الرؤية الجزائرية الجديدة أدركت خطورة النموذج الاقتصادي الريعي الهش والقائم على التبعية المفرطة في اقتناء المواد الأولية، وأدركت بالمقابل ضرورة العمل على إرساء نمط اقتصادي بديل حقيقي، قائم على تنويع الموارد الاقتصادية من خلال الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الأخرى، وكذا الابتكار أكثر في مجالات واعدة كالصناعات الغذائية الفلاحية والمجال الفلاحي. إن أهمية وضرورة التكيف مع منطق اقتصاد المعرفة تقتضي إدراك وتدارك أهمية ركائزه، عن طريق توظيف العلم والمعارف عبر ترقية وتشجيع البحث العلمي والابتكار التكنولوجي؛ الاستعمال المكثّف والفعّال لTIC؛ تطوير رؤية تحفيزية لدى المؤسسات الحكومية؛ التكفل بالتعليم والتكوين المستمر. كما يعتبر توظيف اقتصاد المعرفة كنموذج حل للمسائل الاقتصادية في إطار سياسة فلاحية محكمة لا يمكّن من تحصيل أمن غذائي وفقط، بل يسعى إلى استدامته. هل يمكن القول إن الأبحاث والدراسات الحالية مواكبة لكل التغيرات والتحديات التي تواجهها الجزائر في هذا المجال؟ @@ أجل، جل الأبحاث والدراسات العلمية مواكبة للتغيرات الراهنة. فالجامعة اليوم تسعى جاهدة لكي تساهم في سيرورة الحلول وتقديم اقتراحات وتوجيهات استراتيجية منها وعملية، لكن كشريك ضمني أحيانا. فالرؤية الحكومية تغيرت اليوم عما سبق وأصبحت الدولة تدرك أهمية إشراك الباحث الأكاديمي في إيجاد الحلول ورسم السياسات المستقبلية. ومن جهتها، تسعى الجامعة حاليا إلى توطيد أواصر التعاون والشراكة مع المحيط السوسيو- اقتصادي. فالمواضيع التي تناولتها مشاريع الجامعة بالتعاون مع الشريك الاجتماعي والاقتصادي في إطار المشاريع الوطنية للبحث (PNR) أو مشاريع تكوينية جامعية (PRFU) تصب معظمها في مسائل الساعة، من حيث إيجاد حلول آنية أو وقائية من أمن غذائي، أمن طاقوي، أمن مائي، عصرنة المجال الفلاحي، الذكاء الاصطناعي، المؤسسات الناشئة ورهان التنمية المستدامة، الاقتصاد الأخضر. أغتنم الفرصة هنا لأشيد بمساهمة الباحثين الأكاديميين الجزائريين المقيمين في بلاد المهجر وحرصهم على التعاون مع كوكبة من الباحثين المحليين والشركاء الاقتصاديين في عمل جماعي عبر الأنترنت لمدة أكثر من ثلاثة أشهر حول موضوع السيادة والأمن الغذائيين، وحالفني الحظ بلقائي أسماء قامات علمية مثل الأستاذ عبد القادر جفلاط، الأستاذ عمر بسعود، الأستاذ سفيان بابا، الأستاذ طيب حفصي، الأستاذ ياسين بومغار والقائمة طويلة ومن ذوي الخبرة والحنكة في المجال: الدكتور رشيد بن عيسى والدكتور أمين بن سمان رئيس هيئة فلاحة ابتكار (GRFI...) وقد تمخض عن هذا العمل الجماعي ورقة (Agriculture.dz) شملت أهم الخصائص والتحديات والحلول في رؤية شاملة كخارطة طريق يمكن العمل بها لرفع الرهان على أرض الواقع.. فالمساعي التشاركية والتشاورية غالبا ما تجدي نفعها وبالتالي تقلص من مخاطر الأخطاء والهفوات والفجوات الناجمة في أغلب الأحيان عن غياب رؤية استشرافية، انعدام الكفاءات اللازمة ومن ضعف مؤسساتي من حيث المراقبة والردع أمام شبح الفساد الذي يهدد العباد والبلاد. حدثينا عن المشروع الذي تقوم به فرقة البحث التي تترأسينها وعن انعكاساته ميدانيا إذا ما تم تطبيقه على أرض الواقع؟ @@ هو مشروع بحث تكويني جامعي (PRFU) حول المقاولاتية الابتكارية في قطاع الصناعات الغذائية الفلاحية بين الفرص والمخاطر. اختياري لموضوع المقاولاتية الابتكارية في الجزائر، لم يكن وليد الصدفة أو مجرد موضوع الساعة وإنما هو دافع حصيلة تخصص في المجال، كوني عضوا في أول فريق بحث حول الاقتصاد المبني على المعرفة من أجل التنمية في الجزائر تحت رئاسة وتنسيق البروفيسور جفلاط عبد القادر. فالابتكار إلى جانب الرقمنة، التكوين المتواصل ونمط مؤسساتي محفز، هي أسس ترتكز عليها هذه الفلسفة الاقتصادية الجديدة القائمة على توظيف العلم والمعارف كنموذج فعّال لحل المشاكل. أما اختياري للقطاع الصناعي الفلاحي، كان وليد سياق وأزمة، إذ تزامن هذا المشروع مع ظهور جائحة الفيروس التاجي-19 وتبعاتها السوسيو-إقتصادية، وبالتالي جاء هذا المشروع البحثي ليقدم البديل قصد تنويع موارد الاقتصاد والخروج من النموذج الريعي الهش القائم على التبعية المفرطة في اقتناء المواد الضرورية من خلال الاستثمار والابتكار في مجالات واعدة خالقة للقيمة المضافة، كالمجال الفلاحي والصناعي الفلاحي. البحث حاليا في عامه الثاني، وهو في مرحلة تحليل البيانات المتعلقة بالمقاولاتية الابتكارية بشكل عام في مجال الصناعات الغذائية والفلاحة كمنبع. كيف يمكن بناء علاقة قوية بين الجامعة والشركاء السوسيو- اقتصاديين وهل هناك انطلاقة فعلية لتجسيد مشاريع شراكة بين الجانبين؟ @@ يعد انفتاح الجامعة على محيطها السوسيو- اقتصادي أكثر من ضرورة، بل هو حتمية واقع معيش، ويمكن توطيد أواصر التعاون والشراكة بين المحيط الأكاديمي والسوسيو- اقتصادي من خلال هكذا مشاريع، كما يمكن إدماج الشريك الاقتصادي والاجتماعي في ترقية الأبحاث وحتى البرامج الدراسية من أجل سد الفجوة التي طالت بين الجانبين من أجل إيجاد الحلول لمسائل الواقع المعيش، سواء تعلق الأمر بالظواهر الاقتصادية، الاجتماعية أو الثقافية، الأمر الذي يدخل في إطار تعزيز علاقات التعاون رابح- رابح في عدة مجالات، فمثلا في إطار تنظيم تظاهرات علمية، يساهم الشريك السوسيو- اقتصادي كراعٍ في التمويل الخارجي وبالمقابل يستفيد من دعاية لمؤسسته. هل فكرة المؤسسات الناشئة والمقاولاتية التي تتبناها الجامعة اليوم، تلقى انجذابا نحو مجال الأمن الغذائي والتنمية المستدامة؟ @@ إن هيئات الدعم والإدماج المهني للطلبة في إطار دار المقاولاتية، من خلال المرافقة في إنشاء ودعم المؤسسات الناشئة وتطوير الفكر المقاولاتي لدى خريجي الجامعة، تتناول مواضيع جلها تتعلّق بمسألة التنمية المستدامة، الاقتصاد الأخضر، الذكاء الاصطناعي، اقتصاد المعرفة وهذا في مجالات حسّاسة ومهمة كالأمن الغذائي، الأمن المائي والأمن الطاقوي.. هناك عدة أمثلة في مجال المقاولاتية والابتكارية والمؤسسات الناشئة، كلها توحي بمستقبل واعد. وهناك عدة مشاريع معظمها تصب في مسائل الترشيد والعقلنة، كالزراعة الذكية، أساليب الري الذكية، مشاريع ابتكارية متعلقة بالتدوير والرسكلة من أجل الحفاظ على المحيط الإيكولوجي ومشاريع ابتكارية من شأنها تسهيل التواصل وإرساء منظومة سلوكية حضارية. نظمتم بجامعة وهران-2، مؤخرا، ملتقى وطنيا سلط الضوء على الأمن الغذائي واقتصاد المعرفة. ما الهدف من تنظيم هذا اللقاء وهل حقق أهدافه؟ @@ هو ملتقى وطني حول موضوع "الأمن الغذائي واقتصاد المعرفة في ظل الأزمات الراهنة: آليات رفع التحدي في الجزائر"، من تنظيم كلية العلوم الاقتصادية، التجارية وعلوم التسيير، بالتعاون مع مخبر البحث وهندسة التنمية المستدامة. أردناه ملتقى وطنيا وفرصة واعدة، تلتقي فيه وجهات النظر وتتبادل فيه الرؤى وتتقاسم فيه المعارف والخبرات حول مسألة بالغة الأهمية من حيث آليات رفع التحدي أمام رهان الأمن والسيادة الغذائيين. ولأول مرة في تاريخ التظاهرات العلمية في الجزائر، يتم إدراج شركاء سوسيو- اقتصاديين في اللجنة العلمية ولجنة التنظيم، كتجسيد على أرض الواقع، وهو ما تم اقتراحه في جلسات الإصلاح الجامعي وتحديدا الورشة الثانية التي ترأستها في قسم العلوم التجارية جامعة محمد بن أحمد وهران-2، والتي أتى من ضمن الاقتراحات تعزيز انفتاح الجامعة على محيطها السوسيو- اقتصادي وتكوين لجنة مختلطة بين الجامعة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي من أجل إعداد البرامج والمساهمة في التكوين وتنظيم التظاهرات العلمية. تمحور الملتقى حول عدة نقاط رئيسة هي، الأمن الغذائي وإشكالية السيادة الغذائية وأهم السياسات الفلاحية الكفيلة بتحقيقها. كذلك تم التركيز على الأمن المائي ورهان الأمن الغذائي؛ الأمن الطاقوي ورهان الأمن الغذائي؛ المناخ الزراعي ورهان التكيف الفلاحي ومقاربة اقتصاد المعرفة واستدامة الأمن الغذائي. هذه المحاور كانت كلها مخاطبة لفئات متشعبة ومتداخلة الاختصاص، لأن الموضوع المطروح يستلهم الجميع، وهو قضية الجميع والكل معني بمسألة تحقيق الأمن الغذائي المستدام. هذا الموضوع اليوم حديث العام والخاص، الأكاديمي والعملي، فكل المجلات العلمية والتخصصات متفاعلة، وكل القطاعات الاقتصادية متداخلة، والشيء الذي زاد من درجة التفاعل والتداخل قوة هو مقاربة اقتصاد المعرفة. وماذا عن مخرجات اللقاء؟ @@ هي عديدة ومتنوعة، بحكم ثراء المداخلات والنقاش، وكل محور خرج بتوصيات وطنية يمكن العمل بها مستقبلا لكسب رهان الأمن الغذائي المستدام. فالأمن الغذائي لا يكون حكرا على القطاعات الفلاحية والصناعات الغذائية، بل يهم أيضا قطاعات الماء والصناعة والطاقة والجامعة والبحث العلمي والثقافة والتربية وغيرها... والأمن الغذائي المستدام مرهون بتحقيق السيادة الغذائية وتجاوز التناقضات بين مختلف القطاعات. أما الاستثمار الفلاحي فيجب أن يكون بأقل تكلفة من حيث استعمال الماء والطاقة وجودة التربة والمناخ المناسب، ويجب استحداث تخصصات جديدة في الجامعة تعنى بالأمن الغذائي الصحي المستدام، كما يجب إطلاق مشروع أمني غذائي يقوم على إحصاء كل البيانات والمعلومات الخاصة بالفلاحة، من خلال بنك معلومات قصد التخطيط والاستشراف، وتعزيز أكثر لروابط التعارف والشراكة بين الدراسات والأبحاث في مختلف التخصصات وبين الجامعة ومختلف القطاعات الحيوية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاهتمام بمرافقة الفلاح وتشجيعه عن طريق الفلاحة التعاقدية، فلاح- فلاح؛ فلاح- حكومة وخلق جو عمل مبني على الثقة والتحفيز. ومن بين التوصيات كذلك، إعادة النظر في نمط الاستهلاك الغذائي والعودة إلى النموذج الكلاسيكي القائم على الآني، الفصلي والمحلي، الطبيعي والمتزن، وتشجيع الزراعة الإيكولوجية والزراعة الغابية، مع إعادة النظر في منظومة التحويلات الاجتماعية وسياسة الدعم. حدثينا عن شبكة maktegh.. ماهي أهدافها، مهامها والإضافة التي تقدمها، كونها تجمع بين الأكاديميين والفاعلين الاقتصاديين؟ @@ الشبكة المغاربية للعلوم والتكنولوجيا (Maghtech: Maghreb Technologie) هي أول شبكة علمية مغاربية لإدراج العلوم والتكنولوجيا في التطور المغاربي، يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1994 من مبادرة البروفيسور عبد القادر جفلاط بدعم من أعضاء مؤسسين للشبكة. تضم الشبكة حاليا، أكثر من 450 باحث. تنشط هذه الشبكة بالتعاون والشراكة مع عدة مخابر إقليمية ودولية ونظمت عدة ملتقيات ومؤتمرات علمية. للشبكة رصيد من المنشورات العلمية، من مقالات وكتب علمية في مجالات ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا، الابتكار، الرقمنة، الذكاء الصناعي، اقتصاد المعرفة وغيرها من المواضيع التي تهتم بالاقتصاد، الاجتماع، الأنثربولوجيا، المناجمنت،....الخ وأعضاؤها اليوم ليسوا بالضرورة أكاديميين، بل الشبكة تتسع لكل من لديه رغبة في إثراء البحث العلمي وفي توثيق أواصر التعاون والشراكة في مشاريع علمية تبحث عن حلول لمسائل اقتصادية، إجتماعية، ثقافية، صحية عالقة.