تتواصل تحضيرات العائلات الأوراسية لاستقبال الشهر الفضيل، كلّ حسب إمكاناتها وطريقتها الخاصة، من أجل استقبال هذا الضيف العزيز الذي يزورها مرة في السنة، ليكون فرصة للعبادة والتضامن وتبادل الزيارات وعودة أواصر صلة الرحم وغيرها من العادات الاجتماعية والتقاليد التي تتميز بها عاصمة الأوراس باتنة على غرار باقي ولايات الوطن. تتميز شوارع وأسواق ولاية باتنة، في الآونة الأخيرة بحركة غير عادية للسيدات من مختلف الأعمار يحملن قففا مليئة بمختلف الأكياس، حتى أصبح المرور ببعض الأحياء أمرا صعبا للغاية، خاصة بالنسبة للرجال، بسبب الإقبال الكبير للنساء على اقتناء مختلف المواد الاستهلاكية، لتحضير مائدة رمضان بولاية باتنة المعروفة وطنيا بغناها في شهر رمضان بأشهر وأشهى الأطباق. وقد كشفت جولة استطلاعية خفيفة قادتنا إلى بعض أسواق باتنة الشعبية، سجّلنا خلالها تفرغ المرأة الشاوية للتحضير لرمضان بداية بتنظيف المنزل وكلّ محتوياته، وإقتناء بعض الأثاث الجديد وهي ظاهرة جديدة غزت عادات سكان باتنة، مع اقتناء التوابل وكذا تغيير بعض أواني المنزل خاصة تلك التي من المحتمل استعمالها لتزين مائدة رمضان، حيث غزت النسوة سوق حي 84 مسكن الشعبي بقلب باتنة، والذي يتوفر على الأواني خاصة صحون "الفلو" وكؤوس التاي والعصير. من جهة أخرى، تحوّلت أغلب محلات بيع الإكسسوارات المنزلية إلى محلات متخصّصة في بيع الأواني الفخارية التي تجتاح الموائد الباتنية كلّ رمضان، خاصة الصحون لما تضيفه من نكهة مميزة على طبق شربة فريك، وهي الطبق الرئيسي لكلّ سكان باتنة خلال الشهر الفضيل رغم أسعارها الملتهبة هذه الأيام، حيث يزيد سعر صحن من الفخار متوسط الحجم عن 500 دج، وإن كان صنع تلك الأواني من الفخار سببا مقنعا للتهافت عليها. وقد لفت انتباهنا خلال جولتنا عودة الأسواق الفوضوية للظهور والنشاط بكثرة قبيل أيام من حلول شهر رمضان، رغم تعليمات المصالح المعنية وخرجاتها الميدانية رفقة القوة العمومية لوضع حدّ لاحتلال التجار للأرصفة، فأغلبية النقاط التجارية السوداء التي حاربتها مديرية التجارة بالتنسيق مع مصالح الأمن وبلدية باتنة عادت من جديد رغم الحملات المتكرّرة التي تشنّها فرق وأعوان المراقبة التابعة لمديرية التجارة. يدخل اقتناء التوابل ضمن أهم نقاط برنامج التحضير لرمضان بباتنة، حيث تتسابق السيدات في اقتناء أجود أنواع التوابل، حيث أكّد لنا أحد التجار أنّ التحضير لمثل هذه الأيام استغرق منه وقتا طويلا من جمع أجود وأجدد أنواع التوابل التي أحضرها من مدينة مغنية بولاية تلمسان كالفلفل الأحمر والأسود والكسبر، حبة لحلاوة، القرفة، الكمون وزريعة البسباس..وغيرها من التوابل التي تحرص أغلب النسوة على اقتنائها جديدة. الحركة الدؤوبة التي تشهدها أسواق باتنة لم تكن حكرا على النساء فقط، بل وجدنا اكتساحا آخر للرجال لبعض الأسواق المهتمة ببيع أعمدة العطور الروحانية كالعنبر مثلا، وهنا أكّد لنا أحد المواطنين أنّ منزله يتحوّل خلال شهر رمضان إلى روضة عطرة بفضل عطر العنبر الذي يغزو كلّ غرف المنزل بعد الإفطار مباشرة، ما يضفي نوعا مميزا من الأجواء الروحانية التي لا تضاهيها أجواء أخرى في رمضان. وأضاف أنّ الرجال بحكم تردّدهم الكبير على المساجد في رمضان خاصة لتأدية صلاة التراويح يحتاجون إلى أقمصة شرعية، وفضفاضة ليتمكّنوا من تأدية شعائرهم الدينية في أريحية، الأمر الذي يحتم عليهم اقتناء أقمصة جديدة تليق بحرمة الشهر وقدسيته. وبعيدا عن التحضيرات المادية لاستقبال سيد أشهر السنة وهو شهر رمضان الكريم الذي تغلق فيه أبواب النار وتفتح أبواب الجنة، هناك الكثير من العائلات الأوراسية التي تتفرغ للتحضيرات الروحية والمعنوية كالاستعداد لصيام رمضان إيمانا واحتسابا، والمشاركة في حملات تنظيف المساجد، إلى جانب التطوّع في مطاعم الرحمة، إضافة إلى الحرص على حضور كلّ حلقات الذكر والدروس القرآنية التي تسبق صلاة التروايح، التي يتنافس رجال ونساء باتنة على أدائها بالحرص على التواجد وراء إمام حافظ وجيد الصوت والتلاوة.