تحديد فرص الاستثمار ورسم الأهداف المستقبلية للإنتاج تحديث البيانات الزراعية وتحسين قاعدة المعلومات الوطنية وجه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أوّل أمس، تعليمات للحكومة، تقضي بضرورة إيلاء كل الأهمية للإحصاء العام في قطاع الفلاحة، على اعتبار أنه آلية أساسية لمعرفة القدرات الوطنية وتحديد الاحتياجات لاتخاذ القرارات الصحيحة المستندة على المعطيات العلمية الدقيقة، خطوة وصفها الباحث في تقييم السياسات العمومية في مسائل الأمن الغذائي والاقتصاد البحري رشيد عنان، بالهامة، كونها تسمح بتحديد دقيق لفرص الاستثمار ورسم الأهداف المستقبلية للإنتاج. يولي رئيس الجمهورية، أهمية لقطاع الفلاحة، نظرا لدوره الكبير في إنعاش الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي للبلاد، وهذه المهمة لا تتحقق إلا بوجود معطيات دقيقة وأرقام صحيحة، تستند إليها السلطات في رسم السياسات وتنفيذ برامج عملها الرامية إلى تأطير القطاع وتطوير مختلف الشُعب بما يسمح بزيادة الإنتاج، لاسيما، في الشُعب الإستراتيجية والواسعة الاستهلاك التي تكلّف الخزينة العمومية أموالا باهظة. وتنفيذا لتعليمات سابقة وجّهها رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، رصدت الحكومة مبلغ 900 مليون دينار، للإحصاء العام للفلاحة، مما سيسمح بالحصول على مؤشرات ذات مصداقية وموثوقية من شأنها المساعدة في اتخاذ القرار وبناء سياسة عمومية وتوجيه الحكومة في سبيل تسريع وتيرة تطوير وعصرنة القطاع وترقية الإنتاج في جميع الشُعب الفلاحية، خاصة وأن الإحصاء الفلاحي يعدّ بنظر الخبراء مكوّنا أساسيا للتخطيط والسياسات الزراعية، ويوفر معلومات حيوية حول الإنتاج الزراعي، استخدام الأراضي، والثروة الحيوانية، وهو ضروري لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز التنمية الريفية. ومن هذا المنطلق، أطلقت الحكومة في السنوات الأخيرة الإحصاء الوطني للمستثمرات الفلاحية والثروة الحيوانية، وقامت وزارة الفلاحة، في الفترة الممتدة من 18 فيفري الى غاية 03 مارس 2024 بإجراء عملية إحصاء نموذجية على مستوى ست (06) ولايات، ويتعلق الأمر ببلدية عين زقمير (أدرار)، عين ناقة (بسكرة)، عين الإبل (الجلفة)، واد تاغية (معسكر)، الذرعان (الطارف)، حمر العين (تيبازة)، مع العلم أن هذا الإحصاء يعد الثالث بعد إحصاء 1973 و2001، ولكن جاء في ظرف متغير، يشهد فيها قطاع الفلاحة عدة تطورات، ويملك إمكانيات كبيرة لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، ولكنه لا يزال يواجه تحديات عديدة، تفرض بذل المزيد من الجهود لتطوير القطاع ورفع كل العراقيل التي تعيق تقدمه. تحديث البيانات الزراعية وتحسين قاعدة البيانات الوطنية للقطاع الفلاحي، بات أكثر من ضرورة، خاصة وأن الأرقام المغلوطة تسببت في وقت سابق في بروز تذبذب في تموين السوق ببعض المواد والمنتجات الاستهلاكية، مثلما وقع مع مادة اللحوم الحمراء، حيث كان الرقم المصرّح به لحجم الثروة الحيوانية في الجزائر يقدر ب 21.7 مليون رأس، ليتراجع إلى 17.3 مليون رأس غنم و1.16 مليون رأس بقر، بعد الإحصاء الدقيق للمواشي الذي قامت به الحكومة سنة 2022 وأثبت أن تموين السوق باللّحوم الحمراء يسجل عجزا شهريا يقدر بحوالي 20 ألف طن. وعلى هذا الأساس يعدّ الإحصاء العام للفلاحة أداة مهمة لاتخاذ القرارات ورسم السياسات القطاعية، خاصة وأنه سيشمل معلومات حول الحبوب الأكثر استهلاكا، المحاصيل الصناعية، الخضروات، الأشجار المثمرة والكروم، الماشية، والإنتاج الحيواني، كما يهدف إلى استعادة الأراضي الفلاحية غير المستغلة أو المهجورة ومنحها للمستثمرين للمساهمة في الإنتاج الوطني وتعزيز الأمن الغذائي. وسيكون هذا الإحصاء فرصة كذلك للإصغاء المباشر لانشغالات الفلاحين والمربين وتطلعاتهم والعمل على الإجابة على مختلف تساؤلاتهم، معرفة أحسن بواقع الفلاحة بتحيين المعطيات بحسب كل بلدية وكل ولاية، بما يحسّن من اتخاذ القرار، توجيه وتحديد سياسات القطاع على المستوى المحلي والوطني بما يخدم الفلاّح ومختلف الفاعلين في القطاع. عنان: إعادة بعث مخطط الزراعة وفق منظور مزدوج وأشار الباحث في تقييم السياسات العمومية في مسائل الأمن الغذائي والاقتصاد البحري رشيد عنان، في تصريح ل«الشعب"، إلى أن الإحصاء العام للفلاحة يحظى باهتمام بالغ من طرف السلطات العمومية من خلال مخرجات مجلس الوزراء ليوم 24 مارس 2024، وهذا يعكس مدى إدراك السلطات العليا للبلاد لأهمية توفّر وضعية محيّنة لكل ما يخصّ الفلاحة بهدف إعادة رسم مخطط بعث الزراعة وفق منظور مزدوج اقتصادي ولتحقيق الأمن الغذائي. وأضاف أن السلطات أولت أهمية بالغة لهذا الملف بسبب الاختلالات التي عرفتها العمليات الإحصائية سابقا والتي أشار إليها رئيس الجمهورية في عدّة مناسبات، مؤكدا أن الإحصاء العام والدقيق من شأنه أن يعطي صورة واضحة وحقيقية للوضع القائم ولمؤشراته الاقتصادية ولقدرات الإنتاج، وبالتالي يسمح بتحديد دقيق لفرص الاستثمار ولرسم الأهداف المستقبلية للإنتاج، وبالتالي التأطير الجيد لعمليات الاستيراد والتصدير وخاصة ترشيد عمليات الدعم للمدخلات وتقدير صحيح للاحتياجات من اعتمادات مالية. وذكر عنان، أن قطاع الفلاحة عرف سابقا عدة حملات للإحصاء العام للفلاحة على غرار سنوات 1973 و 2001، غير أنه من الأجدر القيام بتحديث البيانات خاصة وأن التطور التكنولوجي والأدوات الحديثة أصبحت تساهم في تحسين نجاعة هذا الإحصاء، كما تجدر الإشارة إلى أن حملات الإحصاء العام للفلاحة كانت دوما تسبق تحوّلات في اقتصاد الفلاحي بالجزائر ولاسيما كخطوة استباقية لبناء إستراتيجية وطنية على غرار الثورة الزراعية سنوات السبعينات والتجديد الفلاحي وبرنامج تطوير الفلاحة والتنمية الريفية خلال بداية الألفية الثالثة. ويرى أن عملية الإحصاء الفلاحي العام لابد أن يتبعها بناء إستراتيجية وطنية تحدد الأهداف المتوسطة والبعيدة المدى آفاق 2030، 2035 و2050، كما أن النظرة الحديثة للفلاحة يجب أن تبنى بحسبه على أسس تحقيق أبعاد الأمن الغذائي، النمو الاقتصادي وتنويع الصادرات والاستدامة وفق المعايير البيئية.