كان الأب عمر ضراغمة من أوائل من صبّ الاحتلال جام حقده على رؤوسهم في الاعتقالات التي طالت الآلاف مع بداية هذا العدوان، كانت اعتقالات عنيفة تجلّت فيها روح انتقامية سوداء خرجت من تحت عباءة موروثهم التاريخي الذي يعتبرنا حيوانات أو دون ذلك، وكان أوّل الشاهدين على هذه الجرائم المركّبة بدمه وروحه هو الشهيد الاسير عمر ضراغمة، لم يستطع تحمّل الكمّ الهائل من ريح السموم السوداء التي داهمت صدره ففضّل أن يجعل من روحه رسالة مدوّية علّها تلامس نخوة الناس خارج هذه السجون فتصل رسالة المعتقلين المعذّبين بأبهى صورها ممهورة بدم الشهادة. ولم تنته القصة إلى هذا الحدّ، بل كان لها بقيّة وأية بقيّة؟ بعد ستة شهور تأبى روح الابن الأبيّة إلا أن تكتب أسطرا إضافيّة في السجل اللاحم لأعظم قضيّة، هؤلاء أرواحهم هي الريشة التي يكتبون بها ودماؤهم هي مداد هذه الريشة، يصرّ الولد أن يسير على خطى أبيه فيتابع الكتابة ويرسم المشهد من جديد، مشهدا في الملحمة الخالدة وعلى سفر الخالدين، هو الفدائي والرجل المطارد بكسر الراء للاحتلال، هو المشتبك لسنوات بالرفض المطلق الذي يشكّل النقيض بكل ما أوتي من قوّة واقتدار، ويأبى أصحاب هذه السير الحافلة بالمجد والعطاء إلا أن يختموها بالشهادة، هي خيار لهم واصطفاء من الله ورفعة في الأرض والسماء، يلتحق بأبيه بموكب سماويّ تفتح له أبواب السماء ويحلو هناك اللقاء مع الرسول وصحبه يا "محمّد رسول" عمر ضراغمة . رحمك الله وجعل مثواك في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء.