الدّولة رافقت التعددية السياسية وحصّنتها تكريس مبادئ الدولة الجامعة لكل أبنائها نالت مبادرة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون بلقاء الأحزاب الممثلة في المجالس الوطنية والمحلية المنتخبة، ثناء الطبقة السياسية لما اعتبرته سابقة في «الحوار والتشاور» حول القضايا الوطنية والدولية، وقدّمت مؤشرا قوّيا على قدرة بناء الالتفاف الوطني في ظل التعقيدات الخارجية المتزايدة. رغم ما أظهره رئيس الجمهورية، من انفتاح على الأحزاب السياسية، منذ انتخابه في 2019، إلا أن لقاء، أمس الأول الذي جرى بالمركز الدولي للمؤتمرات، اكتسى أهمية خاصة في مضمونه وفي جوهره. ودائما، ما اتخذ الرئيس تبون من المعيار السياسي، كمحدد أساسي في جميع توجهاته سواء في ورشة مراجعة الدستور أو عمليات البناء المؤسساتي، إذ استقبل قادة الأحزاب السياسية في عدة مناسبات بقصر المرادية، أين بحث معهم مختلف المسائل المطروحة، خاصة قبيل التعديلات الحكومية التي جاءت بعد الانتخابات التشريعية والمحلية. هذه المرّة، اعتمدت مبادرة رئيس الجمهورية بلقاء 30 حزبا سياسيا، على معيار التمثيل في المجالس الوطنية والمحلية المنتخبة، وعلى الأجندة المفتوحة في مناقشة كافة المواضيع دون محددات، ما جعل اللّقاء يستمر لقرابة 08 ساعات كاملة. وبحسب مجريات الاجتماع، فقد أظهر الرئيس تبون، استعدادا تاما لسماع كافة الانشغالات والاقتراحات وجميع الأفكار في الكلمات الافتتاحية لكل رئيس حزب متدخل، حتى وإن تجاوزت التوزيع الزمني المتفق عليه ب10 دقائق، أو في النقاش المطوّل الذي انتهى بردّه على كافة ما طُرح. رؤساء الأحزاب المشاركون، أشادوا بمبادرة رئيس الجمهورية، وبتبني الحوار المباشر والمفتوح على جميع القضايا والمشاكل وخصوصا الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، بحيث طرح كل منهم ما يراه مهما وأولوية بالنسبة لنشاطه الحزبي. ومن الناحية الرمزية، فقد شكّل لقاء الرئيس بهذه التشكيلات السياسية، تأكيدا على دور الأحزاب في الشأن العام للبلاد، وفقا لمقتضيات الديمقراطية المكرسّة في دستور نوفمبر 2020. لذلك، رأى بعض المشاركين في اللّقاء، أن الدولة قامت بدورها على أكمل وجه في مرافقة وحماية التعددية السياسية، من خلال هذه المبادرة، وأكدت قدرتها على الاستماع والحوار، في وقت استمرت القطيعة بين أعلى هرم الدولة والطبقة السياسية لما يناهز 03 عقود. وتجدر الإشارة إلى أن فتح باب الحوار ظل مطلبا رئيسيا لمختلف الأحزاب السياسية في وقت سابق، وتوّج هذا المطلب مختلف الأرضيات واللقاءات التي عقدت فيما بينها خاصة في العقد السابق ل2019، لكن دون جدوى. بينما جاءت المبادرة هذه المرة من قبل رئيس الجمهورية، واعتمد معيار التمثيل في المجالس الوطنية والمحلية، دون أي إقصاء على أساس الإيديولوجية السياسية أو الحجم السياسي لكل تشكيل، الأمر الذي طمأن جميع رؤساء الأحزاب المشاركين. اللقاء ترك الانطباع بالنجاح التام، من خلال التأكيد على «وصول المعلومة للطبقة السياسية» وعلى «اتضاح الرؤية» بالنسبة لها بشكل أكبر بخصوص جميع المسائل، سواء المتعلقة بالممارسة الحزبية في حد ذاتها، أو بالاستحقاقات الرئاسية المقبلة أو بملفات إستراتيجية كتعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة التهديدات الخارجية المتزايدة. ومن الواضح، أن الأحزاب المشاركة، اطلعت عن قرب وبشكل مباشر وصريح، عن خلفيات وأبعاد معظم الخيارات الوطنية للدولة، في مجال الاقتصاد وعن أساسيات صنع القرار بما ينسجم مع المصلحة الوطنية العليا للبلاد ناهيك عن المواقف الدولية المبدئية. وتعزّزت لديها القناعة، بالمسار السليم التي تقطعه الدولة في الوقت الحالي وعلى المدى القريب، بعد الرد المطوّل والمفصّل لرئيس الجمهورية، عن جميع الأسئلة والانشغالات التي طرحت أو رفعت له كتابيا. وفي جوهر اللّقاء، تأكد وفاء رئيس الجمهورية، بجميع التزاماته، ومن ضمنها نبذه للحكم الفردي، وتبني الحوار والتشاور كنهج للمضي قدما بتقدم البلاد في مختلف المجالات، مع ترك الحرية والمبادرة كاملة للطبقة السياسية في إثراء مسار مراجعة بعض التشريعات على غرار قانوني الأحزاب والانتخابات. هذا النهج يشكّل إرساء لتقاليد جديدة في ممارسة الحكم، وفرض مقتضيات التجربة الديمقراطية وتكريس مبادئ الدولة الجامعة لكافة أبنائها وإشراكهم في مسار البناء دون إقصاء ودون انتقائية.