أكد فوزي حساينية، رئيس جمعية النداء المغاربي للتعاون الثقافي والحوار المتوسطي لولاية قالمة، على ضرورة التنسيق والتعاون بين مختلف الهيئات الثقافية عبر القطر المغاربي، المشتركة في الغايات والتوجهات الوحدوية، داعيا الى التمسك بالشروط اللازمة للنهوض ودفع قطاع الثقافي، مع الابتعاد عن التحجج بنقص الإمكانيات، التي قال عنها أنها متاحة وفي حاجة إلى من يستغلها أحسن استغلال، وللغوص في واقع التعاون الثقافي المغاربي والتحديات الواجب رفعها للتصدي للتيارات المعادية لهويتنا خصّ «الشعب» بهذا الحوار. «الشعب»: كيف ولماذا تم التفكير في إنشاء جمعية النداء المغاربي؟ فوزي حساينية: الهوية الوطنية في الجزائر محصلة قرون طويلة من المعاناة والآلام والإبداع، وعلى غرار هُويات أخرى، فقد تطورت هويتنا عبر العصور، وقد لا تكون بمنأى عن تطورات أخرى مستقبلا، أول خطوة هي أن نتعلم عدم الخوف من هويتنا ولا المبالغة في الخوف عليها، فلسنا مجتمعا مصطنعا يخشى على نفسه التفكك ولا شعبا طارئا على مسرح الأحداث، تنقصه حكمة التاريخ. بدأنا مع الانطلاقة الأولى للحضارة الإنسانية وساهمنا باقتدار في شذب ورصف حجارتها الأولى. مهما اختلفت آراؤنا كجزائريين، هناك حقيقة لا يمكن أن نختلف فيها أبدا، هي أننا مغاربيون قبل كل شيء مطالبون بأن نكون واعين بالتطورات الحاصلة على حدودنا الجنوبية وفي الضفة الأخرى من المتوسط، حيث تعيش الأمم الأوربية أزمات هوية طاحنة، وتشهد تصدعات رهيبة في بنائها القومي، وهي التطورات التي من شأنها أن تجعلنا أكثر إدراكا لأهمية ودور الركائز الأساسية لهويتنا الوطنية، وأكثر إيمانا وتشبثا بالفضاء المغاربي الذي لا بديل له كإطار تاريخي ومستقبلي لهويتنا في مواجهة كل التحديات. وفضلا عن هذه القناعات الفكرية الراسخة، فإننا تأكدنا، بناء على تجاربنا الواقعية، من ضرورة تأسيس إطار قانوني يجمع ويؤطر كل الطاقات ذات التوجه الثقافي المغاربي، لإعطاء الفاعلية الميدانية لجهود الشباب التي كانت مشتتة وغير منظمة. ̄ من خلال النشاطات المقترحة من طرفكم، ما الأهداف التي تعمل الجمعية من أجلها؟ ̄ ̄ هدف الجمعية نشر الوعي بأهمية دور الجزائر ثقافيا وفكريا في بناء المغرب العربي الموحد، كذلك إبراز وتثمين البعد الإفريقي والمتوسطي للثقافة المغاربية، والعمل على ترقية الجوانب المتوسطية للثقافة الجزائرية من منطلق مغاربي، وتوسيع مساحة التفاهم والتواصل بين الشعوب المتوسطية، خاصة الفئات الشابة، بالاضافة الى تحسيس المجتمع بأهمية النشاط الفكري والتعاون الثقافي والفني في خدمة المستقبل المغاربي المشترك، مع تنظيم ندوات وملتقيات للتعريف بالأبعاد المختلفة لمشروع الاتحاد المغاربي، وخلق تيار فكري جديد يتبنى مسألة الوحدة المغاربية بصورة كلية وبوعي فلسفي متجذر والتزام ديناميكي لا يعترف بالتردد أو أنصاف الحلول. ̄ كيف تُقيِّمون جهود الجمعية خاصة وأنها ذات صبغة مغاربية؟ ̄ ̄ نحرص دائما على الواقعية والموضوعية، ويعد ذلك بمثابة التزام أخلاقي ثابت، ومن هذا المنطلق أقول لك أن هناك أشياء استطعنا تحقيقها وأشياء لم نستطع بعدئإنجازها، ومن بين الأمور التي قمنا بها وأصبحت جزءًا حيويا من النشاط السنوي للجمعية هو تكريس الاحتفال بذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي، إحياء ذكرى مؤتمر طنجة التاريخي المغاربي والسعي لاستلهام مبادئه وقراراته فيما يتعلق بوحدة المغرب العربي. وفي مقابل هذه النشاطات التي أمكن إنجازها، لم تتمكن الجمعية من تنظيم العديد من التظاهرات مثل مهرجان الثقافة المغاربية، أو ندوة المقاومة المغاربية في ذاكرة المقاومين وذلك لأسباب كثيرة ومتشعبة. ̄ إذا سألناكم على جسور التواصل بينكم وبين جمعيات أخرى، ماذا تقول؟ ̄ ̄ نعم، يعتبر التنسيق الثقافي والفكري مع مختلف الفعاليات المهتمة بثقافة ووحدة المغرب العربي من بين الأهداف المنصوص عليها في القانون الأساسي للجمعية، إذ لا يمكن أن نعمل على خدمة الثقافة المغاربية دون تنسيق وتعاون مع جمعيات وهيئات أخرى لها نفس الغايات والتوجهات المغاربية الوحدوية، ويكون البرنامج الثقافي والفكري المسطر لهذه السنة فرصة سانحة للتبادل ونسج الروابط مع أبرز الفاعلين في هذا الميدان. كما أن افتتاح الموقع الرسمي للجمعية على مستوى الشبكة العنكبوتية قريبا سيعزز من قدرة الجمعية على التواصل والانفتاح على فضاءات أرحب وأوسع خاصة على المستويين المغاربي والمتوسطي بشكل عام. ̄ ما الجديد الذي أضافته الجمعية لولاية قالمة؟ وكيف ترون طبيعة العلاقات بين الجزائريينئونظرائهم في الصحراء الغربية؟ ̄ ̄ نحاول من خلال مختلف النشاطات نشر وتعميق الوعي إلى أقصى الحدود الممكنة بالأبعاد الإنسانية والدولية والإقليمية لقضية الشعب الصحراوي الصامد والمناضل من أجل حقه العادل والطبيعي في استعادة حريته وسيادته على أرضه، لذلك فإن الجمعية ترى أن وجود عدد من أبناء الجمهورية العربية الصحراوية ممن يتابعون دراساتهم على مستوى ولاية قالمة فرصة حقيقية للتعريف بنضال ومعاناة وثقافة الشعب الصحراوي، الأمر الذي يجعلنا نأخذ بعين الاعتبار إشراك عدد من هؤلاء الطلبة في مختلف نشاطات الجمعية للتعريف بقضيتهم. أما عن رؤية الجمعية للعلاقات بين الجزائر والجمهورية العربية الصحراوية، فالواضح أنها علاقات مبنية على التكافؤ والاحترام المتبادل والإدراك العميق للمصير المشترك لكل المغاربيين، وضرورة ممارسة الصحراويين لحقهم في تقرير مصيرهم باعتبار أن قضية الشعب الصحراوي في جوهرها قضية تصفية استعمار وفقا لقرارات ولوائح الشرعية الدولية، لكن هذا لا يمنع من القول أنه على المثقفين والفاعلين في المجتمع المدني في كل من الجزائر والجمهورية العربية الصحراوية أن يقوموا بجهود أكبر في تعزيز العلاقات الثقافية والشبابية بين الشعبين، فمتى يستيقظ الضمير العربي، وتتخلى الدول العربية عن السلبية تجاه حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، والانضمام بشكل طبيعي إلى مختلف الهيئات الإقليمية والدولية؟ ̄ أهم الانجازات التي حققتموها، وما الوسائل المعتمدة من طرفكم للوصول الى الأهداف؟ ̄ ̄ منذ التأسيس الرسمي للجمعية في مارس 2010 شرعنا في العمل على إرساء تقاليد نوعية في العمل الفكري والتعاون الثقافي مع مختلف الهيئات والأوساط المحلية والوطنية، وذلك من خلال طرح مشروع فكري ثقافي متكامل، وإقناع النخب الجامعية بعدم جدوى الاكتفاء بالعمل الأكاديمي المحض وضرورة الانخراط في العمل والتوعية الجماهيرية، جميع نشاطات الجمعية تتمحور حول البعد المغاربي وما يرتبط بذلك من قضايا ومسائل، فلسنا جمعية ثقافية وكفى، ولكننا جمعية ثقافية ذات طابع مغاربي وأهداف مغاربية بكل ما يعنيه ذلك من عمق تاريخي، وقوة حضارية وتطلعات مستقبلية. وفي إنجازها لمختلف البرامج الثقافية والفنية والفكرية تعتمد الجمعية كل الأساليب والوسائل المشروعة قانونا والمتاحة ميدانيا. ̄ هل من قوافل خيرية للصحراء الغربية ؟ ̄ ̄ بعد زيارة كل من المدير الجهوي للثقافة بولاية العيون والقنصل العام للجمهورية العربية الصحراوية على مستوى الشرق الجزائري لولاية قالمة بدعوة من الجمعية أدركنا حجم وحقيقة المعاناة التي تعيشها مختلف شرائح المجتمع الصحراوي الأطفال بنوع خاص جرّاء سياسة الاحتلال والقمع والحصار الرامية إلى تحطيم إرادة هذا الشعب الأبي الصامد. وكان من المفترض تنظيم قافلة تضامنية بالتزامن مع الأسبوع الثقافي الأول لولاية العيونبقالمة، والذي كان من المقرر افتتاحه يوم فيفري 13 2013 - 02- الماضي من طرف وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي والسيدة وزيرة الثقافة في الجمهورية العربية الصحراوية، ولأسباب خارجة عن نطاقنا تقرر تأجيل هذه التظاهرة، مما دفعنا إلى مراسلة وزارة الثقافة بغرض استغلال هذا التأجيل والعمل على تنظيم تظاهرة أكبر وأوسع تتمثل في الأسبوع الثقافي للجمهورية العربية الصحراوية بولاية قالمة على أن تمتد فعالياته إلى عدد من الولايات المجاورة. سيجري على هامش هذه التظاهرة تنظيم ندوةئ خاصة برجال الأعمال بهدف إعداد قافلة تضامنية تليق بسمعه وتاريخ ولاية قالمة، والجدير بالذكر أن جميع رجال الأعمال الذين اتصلنا بهم رحبوا بالمبادرة وأعربوا عن استعدادهم للمساهمة في هذا العمل التضامني، الذي نرجو أن يكون بداية لوقفات تضامنية أخرى. ̄ معظم الجمعيات في قالمة تنشط بقلب المدينة، لكنها بالكاد تنشط بباقي بلديات ودوائر الولاية؟ ما السبب في ذلك؟ ولماذا لا تستفيد باقي البلديات من نشاطات جمعيتكم؟ ̄ ̄ أسباب كثيرة تفسر هذا الوضع، إذ توجد بالفعل جمعيات لا تهتم بمدّ نشاطها إلى خارج نطاق بلدية مقر الولاية، رغم أنها جمعيات ولائية، وتكتفي بدل ذلك بأسهل وأقرب الأمور، وبالمقابل معظم رؤساء الدوائر والبلديات لا يهتمون بالنشاط الثقافي إطلاقا إلا إذا كان رسميا، سيحضره وزيرا من الوزراء أو والي الولاية ، لكن المسؤولية الأكبر في ضعف أو غياب النشاط الثقافي ببعض البلديات تقع على عاتق المنتخبين، فهم المسؤولون المباشرون في هذا الصدد، ويؤسفني أن أذكر أن ثمة بلديات نُرسل لها مشاريع ثقافية ممولة بالكامل ومع ذلك لا نجد منها أدنى تجاوب أو استعداد. ̄لاحظنا أنكم تولون اهتماما خاصا لإحياء رأس السنة الأمازيغية ڤ ينّايرڤ ، لماذا التركيز على هذه المناسبة؟ ̄ ̄ كل حدث أو مناسبة لديها علاقة بالثقافة المغاربية أو الوحدة المغاربية تدخل ضمن اهتمامات الجمعية، وفيما يتعلق بيناير فهو لحظة عظيمة في التاريخ تحمل في طياتها الكثير من الزخم العاطفي والتاريخي وترمز بقوة إلى عمق ووحدة المجتمع المغاربي وعلاقاته الحضارية مع أشقائنا وإخواننا الأفارقة. في بحثنا عن جذور وتقاليد الاحتفال بيناير وحضوره في المجتمعات المغاربية توصلنا إلى أن رأس السنة الأمازيغية يُحتفل به في كامل أرجاء المنطقة المغاربية بما فيها جزر الكناري وبعض المناطق من مصر وعدد من الدول الإفريقية مثل تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، بمعنى أن يناير كعيد هو في جوهره دعوة للتمسك بالأرض وخدمتها وتجديد صادق للعهد مع الحياة، وترسيخ قيم التضامن والوحدة والثقة بالذات الحضارية المتميزة. نحتفل دائما برأس السنة الأمازيغية تحت شعارڤيناير عيد لكل المغاربيين ''وقد لاحظنا عند إحيائنا للمناسبة اهتماما شعبيا رائعا يتضح من خلال كثرة ونوع الأسئلة المطروحة في الندوات المُنظمة، أو في الاقبال على المعارض التي تُقام بالمناسبة. ̄ باعتباركم إطارا في القطاع الثقافي ورئيسا لجمعية النداء المغاربي هل من جديد على الصعيد الإبداعي؟ ̄ ̄ في الوقت الراهن أنا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على كتابين، الكتاب الأول بعنوان رؤية جديدة للوحدة المغاربية، والثاني القطاع الثقافي في الجزائر، رؤية في العمق ومقترحات من أجل المستقبل. ̄ كيف تقيمون الواقع الثقافي على مستوى ولاية قالمة؟ ̄ ̄ أقولُ لكِ عن معرفة تامة بالوضع الثقافي المحلي أن ولاية قالمة تستطيع أن تكون إحدى عواصم الثقافة في المنطقة المغاربية ومحطة هامة للثقافة الإفريقية والمتوسطية إذا توفرت ثلاث شروط، هي: تسيير ناجح للقطاع الثقافي، تخلّي المنتخبين المحليين عن لامبالاتهم بالشأن الثقافي، وترك الحركة الجمعوية لثقافة الظّل، وتخلُّصِها من مقولة: '' لا جديد يُذكر أو قديم يُعاد ''، فهناك دائما جديد أو قديم يستحق أن يُعاد، ومن المُسلّم أن قضية الإمكانيات لم تعد مطروحة على الإطلاق، فهي متوفرة ومتنوعة إلى حد بعيد. ̄ كلمة أخيرة؟ ̄ ̄ الكلمة الأخيرة كلمة كبيرة جدا ولا أعتقد أن أحدا يملك القدرة أو الحق في الانفراد بقول الكلمة الأخيرة. وفي الختام أقول لا بديل عن الوحدة المغاربية.