لا تزال المجموعات المسلحة تصنع الحدث في ليبيا، يزداد ثقلها على كاهل السلطات الليبية التي لم تهتد بعد إلى حيلة تتخلّص بواسطتها من هذه المعضلة التي تعرقل مسار بناء الدولة الليبية وإعادة مؤسساتها إلى الخدمة من أجل القضاء على كل الأطر غير الرسمية التي جعلت البلاد رهينة الفوضى ومنطق السلاح، التي تعتمده الميليشيات المسلحة من أجل الضغط على الحكومة لإصدار قوانين إرضاء لتلك الجماعات التي حاصرت وزارات السيادة لإجبار السلطات على الخضوع لمطالبها، وكان لها ذلك على مضض الحكومة. سلوكات الجماعات المسلحة وحالة الفوضى والتوجّس التي خلفتها في الشارع الليبي، دفعت بسكان مدينة بنغازي إلى التظاهر أمام مقر كتيبة (درع ليبيا) التي أوكلت إليها الحكومة بمعية قوّة خاصة أخرى، مهمة تأمين المدينة على خلفية التفجيرات التي شهدتها المدينة والتي طالت مراكز أمنية متعددة، إلا أنّ هذه الكتيبة لم تستطع أن تنال ثقة سكان بنغازي، حيث تظاهر الآلاف من سكانها أمام مقرها، أمس، مطالبين بحلها وحظر نشاطها وتعويضها بقوات نظامية تابعة للجيش الليبي، المظاهرات سرعان ما تحوّلت إلى مواجهات بين المتظاهرين وعناصر الكتيبة، ما أسفر عن مقتل 31 شخصا على الأقل و60 من الجرحى. علي زيدان رئيس الحكومة المؤقتة وإن كان قد اعتبر أن الحادثة سببها إقتحام مجموعة من المواطنين لمقر الكتيبة بهدف طرد عناصرها من المكان، ما أدى إلى وقوع المواجهات الدامية التي لم تنته إلا بعد تدخل المسؤولين ومغادرة أفراد الكتيبة للموقع لصالح المواطنين وأفراد الجيش الليبي الذين وضعوا اليد على الأسلحة الثقيلة، زيدان أكد أن تحقيقا فتحته كل من وزارة الداخلية والشرطة العسكرية حول المواجهات، داعيا الليبيين إلى توخي الحيطة والحذر وضبط النفس، خاصة في المرحلة الحرجة التي تعيشها البلاد، مؤكدا على ضرورة إيجاد صيغة لإنهاء معضلة السلاح تفاديا لتكرار هذه السيناريوهات. المؤتمر الوطني العام من جهته، دعا الليبيين إلى تغليب لغة الحوار، لكي لا تقع البلاد حسب وصفه في منزلقات الفتنة ومسببات النزاع. يبدو أن ما حذّر منه ملاحظون لدى استجابة الحكومة الليبية لمطالب الميليشيات المسلحة، تحت طائلة الحصار والسلاح من مغبّة أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الإنفلات والفوضى، وقد يفتح جبهات أخرى، في ظل ضعف الدولة وانعدام منطقها، وهو الشيء الذي حصل بالفعل، حيث طالب إقليم برقة برئاسة زوبير السنوسي إلى إقامة حكم فيدرالي يحتكم إلى دستور 1951 مبررا ذلك بعدد المقاعد بالبرلمان الذي لا تساوي فيه أقاليم الشرق مجتمعة، أي بنغازي وفزان عدد المقاعد الممنوحة لطرابلس ب101 مقابل 60 مقعدا لبنغازي و39 لفزان، خاصة مع قانون التصويت الجديد الذي تبنّاه المؤتمر العام والقاضي بصيغة 100 + 1 بدل قانون التصويت بالأغلبية المعتمد من قبل، هذا القانون الذي أثار جدلا، فإن قانون العزل السياسي بدوره قد يشكل عقبة أخرى أمام مجهودات بناء الدولة الليبية الجديدة.