عرفت دار الثقافة بأم البواقي، انطلاق فعاليات الملتقى الوطني الأول، تحت شعار «عيسى الجرموني رجل أسطورة وتاريخ»، بمشاركة دكاترة وأساتذة جامعيين من مختلف ولايات الوطن، ينشطون محاضرات وندوات على مدار أربعة أيام، لإبراز القيم الصوتية في الأغنية الشعبية عند عيسى الجرموني، ودورها إبان الثورة التحريرية، وتقديم دراسات حول هذه الشخصية. ولد الفنان عيسى بن رابح مرزوقي الحركاتي «عيسى الجرموني» ب «سيدي ارغيس» بمدينة أم البواقي سنة 1986 بناحية سيدي أرغيس، حيث بدأ الغناء وعمره 18 سنة، تميز في الغناء بقوة الصوت وعمق الإحساس وسرعة البديهة وجعلت منه هذه الصفات شاعرا ومغنيا وملحنا. برز أول مرة للجمهور عندما غنى في إحدى عمليات التويزة وهي عملية التضامن والتآزر يقوم بها فلاحو الشمال الإفريقي في الحصاد والحرث والبناء وجني المحاصيل. أسس عيسى الجرموني مدرسة خاصة به لم تتجدد للأسف لحد الآن، وقد اشتهر بصوته القادر على أداء مختلف المقامات والطبوع، خاصة النوع الصحراوي المنتشر في منطقة الأوراس دون غيرها وهو نوع صعب جدا لا يؤديه إلا المطرب المتمرس ذو النفس الطويل والعميق غنى عيسى الجرموني في البوادي والارياف الجزائرية وفي تونس والمغرب وفرنسا، كما اعتلى منصة قاعة الاولمبيا بباريس سنة 1937 وهو أول مغني جزائري وعربي يحصل له شرف اعتلاء منصتها. الجرموني أول من صدح بصوته في الأولمبياد بفرنسا وأحدث ضجة قال الدكتور طارق ثابت من جامعة ام البوقي ل «الشعب»: «عندما نتكلم عن الأغنية الشاوية تحضر إلى أذهاننا بعض الأسماء المهمة على غرار عيسى الجرموني، عميد الأغنية الشاوية، أو بقار حدة، أو علي الخنشلي، الشيخ بورقعة فهؤلاء مثلوا الأغنية الشاوية أحسن تمثيل، كما تمكنوا من إيصالها إلى العالمية، فعيسى الجرموني يعتبر أول جزائري أدى الطابع الشاوي أمام الملايين في الأولمبياد بفرنسا أغنيته المشهورة «أحنا شاوية لا تقولوا ذلّوا جينا حواسه ونولوا»، فالأغنية حينها أحدثت ضجة كبيرة، وحتى موقف الجرموني تجاه فرنسا المستعمرة لم يؤثر على قوة صوته ولا على الأغنية الشاوية التي كانت ومازالت لسان الرجل الشاوي، حيث شكل ذلك مصدر فخر وسعادة لكل أوراسي وجزائري. الأغنية الشاوية تتميز منذ القدم باستعمالها القصبة والبندير أو الرحابة، وكانت تنحصر مواضيعها أثناء الاستعمار بين الأغنية الثورية، والحماسية، وفي كثير من الأحيان كانت تصوّر ظاهرة اجتماعية معينة كرحيل الزوج الذي ترك أسرته من أجل الدفاع عن الوطن، إلى جانب أن الأغنية الشاوية تجسد مواضيعها صفة الصبر، وروعة التضحية، ثم اتجهت مواضيعها إلى مرحلة أخرى وتحولت الأغنية إلى حكاية تروي عادات وتقاليد منطقة الشاوية كصناعة الزربية أو صناعة الفخار.... غير أنه في سنة 1996 غيرت الأغنية وجهتها وأخذت طابع الأعراس والأفراح، لكن هذا لم يمنعها من المحافظة على رسائلها السامية. عميد تفرد بخاماته الصوتية لا تضاهيها جهة ثانية ومن جهتها أكدت الدكتورة بن عائشة ليلى من جامعة سطيف ل«الشعب» ان الملتقى بادرة جيدة من قبل مديرية الثقافة لولاية أم البواقي، التي نشكر لها حرصها المتواصل على خدمة الثقافة المحلية والوطنية وسعيها الدائم إلى إماطة اللثام عن التراث العريق الذي تكتنزه المنطقة، لاسيما التراث الغنائي ممثلا في الإرث الفني لعملاق الأغنية الأوراسية عيسى الجرموني. واضافت ذات المتحدثة «وفي الحقيقة الشيء الذي لا يختلف عليه اثنان هو هذه الريادة التي تربع عيسى الجرموني على عرشها منذ أمد بعيد، عرش الأغنية الأوراسية الأصيلة، ولفترة طويلة من الزمن لم يوجد صوت يضاهيه في قوته وتميزه، وتفرد بخاماته حتى أضحى قامة ورمزا من رموز الأغنية الجزائرية التراثية بامتياز من جهة ورمزا للصوت القوي الذي لا يضاهي من جهة ثانية، فلا عجب أن نجد الجميع ينهل من تراثه الغنائي الذي أضحى رافدا من أهم روافد الأغنية الأوراسية.. وإذا كان تأثيره على مستوى الأغنية الجزائرية في حينه قد كان بالغا إلا أنه أضحى أبلغ في عصرنا الحالي، فالملاحظ أن كل المغنيين الذين يتلمسون طريقهم في مجال الأغنية الأوراسية تكون بداياتهم التي تعطيهم دفعا وقوة هي أغاني أو مواويل عيسي الجرموني، وإذا كان بعضهم لا يجعل من ذلك إلا مطية للشهرة إلا أن هنالك بالمقابل من الفنانين المقتدرين الذين يقدرون التراث الغنائي لعيسى الجرموني ويسعون إلى الاستلهام منه والحفاظ عليه في الوقت نفسه أمثال حورية عايشي.