ما أحمله لك في قلبي هذا المساء، أكثر مما تحمله الأنثى في ضرعها من حليب خالص لرضيعها. كنت أنتظر آلاف المساءات وأعدّ بأصابعي، كما تحسب جدتي ''ام السعد'' قطعان الماشية وأظل على عهدي كذلك علك تجيئين محمّلة بالشوق، وعلى وجهك ملامح الوجد والطمأنينة، لتجديني في إنتظارك مترقبا ملهوفا بكل ما في الولع والشوق من الجوع و العطش. لأن الشوق إذا سابقه الحزن تطهرت القصيدة بالنور، و''اغتسلنا نحن بالدموع.'' فهل المحطات التي عانقها ضياء احتراقنا، ما زالت حافظة للعهد؟ أم ان، وشمي هذا قد عانقه الحنين وانتشر، كما تطايرت قطرات دمي حينما جاءت الطعنة قاتلة نحو القلب! لقد حاولت في أكثر من مرة، وفي قرارة نفسي أن أنام هذا المساء، كما ينام من في السماوات والأرض علني أجد ضالتي، وكم تقلبت في مضجعي ذات اليمين وذات الشمال، فلا قدرة لي في تعاطي ولا حتى سنةً من النوم. لقد فضلتُ هذا المساء أن أكتب لك بلون دمي، لونك المعتاد و الذي تفضلين، ولكن رسالتي هذه ليست خطابا كما جرت العادة و الأعراف بيننا، هذا ناهيك عن تعاسة هذا المشوار الذي امتد منذ نشأة هذا الذي ينمو خلف ذواتنا، و الذي سقيناه بآهاتنا المتعبة دوما في بحرالعشق، أدركتني الحيرة وخانني السؤال، ثم تلاشت الكلمات التي لا تجتمع إلا في قواميس تشبهنا، حدّ الذهول، سقط اليراع من يدي، تعثرت خطواتي ، وها أنا أكتب إليك رغم هذه الحراسة المشددة و الأقفال الحديدية المختلف أشكالها وألوانها، لأهرب منكِ إليكِ حتى لا يراني أحد من الحراسة لهذا المنفى، الذي يسمى قصرا!! كما أنني أخشى أن تتطفّل عيناي لما أكتب، تاركا عيون قلبي هي من تقوم بمهمة التسلل إليك. ليس خوفا من ألسنة المساجين التي امتلأت بهم القاعة الثانية،ولكن خوفا من تسرب بعض هذه الإرهاصات التي تنتابني لحظة بثي إليك كل هيامي واحتراقاتي كي لا يقاسمني أو يشاركني أحد في هذا الذي أسميه استثنائيا كبتُ هواي.