خلُص التقرير النهائي الذي أعده فوج العمل المنبثق عن اجتماع الثلاثية الأخير، إلى مجموعة من الاقتراحات حول موضوع ترقية الصادرات خارج المحروقات، الذي لن تتم إلا من خلال ترقية الإنتاج المحلي. وكانت أبرز نقاطه الأساسية وعلى المستوى الاستراتيجي، تفعيل دور المجلس الوطني الاستشاري الذي أُنشئ قبل عشر سنوات وظل مجرد حبر على ورق. التقرير النهائي، الذي تضمن 25 إجراء عمليا لتقليص التبعية نحو المحروقات، اقترح وضع سياسات قطاعية، أبرزها في قطاع الصناعة، من خلال اتخاذ سلسلة من التدابير التي من شأنها رد الاعتبار له، بدءاً بتحديث أدوات الإنتاج وتحسين محيط المؤسسة الذي يبقى غير مواتٍ للاستثمار مع استمرار العراقيل البيروقراطية التي كانت في كل مرة وراء تعثر عملية بعث المؤسسة الوطنية. ومن بين الإجراءات المقترحة، مساعدة المؤسسات التصديرية التي تعاني من صعوبات مالية، خاصة تلك التي تملك قدرات هامة في مجال التصدير، يفترض أنها ستحظى بمعالجة خاصة، تصب في اتجاه إعادة تأهيلها والسماح لها باقتحام أسواق خارجية، واستمرار التواجد فيها. ومن أجل تذليل الصعوبات التي عادة ما يجدها المصدرون على مستوى الجمارك، فقد اقترح فوج العمل مجموعة من الإجراءات ذات الطابع الجمركي من خلال وضع ما أطلقت عليه الفرق الجمركية المتخصصة في عمليات التصدير وكذا معالجة وإعطاء الأولوية للنظر في المنتوجات القابلة للتلف السريع والموجهة نحو التصدير، فضلا عن تسهيل إجراءات تسديد الرسم على القيمة المضافة. مثل هذا الإجراء يتطلب أربع وثائق فقط، على المصدر تقديمها، ويتعلق الأمر بفاتورة الشراء والتصريح الجمركي وفاتورة التوطين ووثيقة التحويل. من جهة أخرى، أوصى فريق العمل بضرورة تحسين الهياكل القاعدية وتطوير وسائل التخزين، سواء على مستوى الموانئ أو المطارات، واتخاذ إجراءات سهلة وفعالة للدخول إليها. كانت التمثيليات الدبلوماسية دائما محل انتقاد واسع من حيث عدم فعاليتها للترويج التجاري والاقتصادي وكذا للفرص المتاحة على مستوى الاستثمار أو بالنسبة للتعريف بالإنتاج الوطني في بعض فروعه، ولهذا فقد أوصى فوج العمل بضرورة دعم التمثيل التجاري الجزائري من خلال توفير خدمات تجارية متخصصة في بعض السفارات، هي عبارة عن مصالح متخصصة في توفير المعلومة والتحري والبحث وتسهيل إبرام العقود مع الزبائن المحتملين وتنظيم لقاءات للأعمال وذلك بالتعاون مع الغرفة الوطنية للتجارة وهيئة "ألجيكس" للتصدير، كما يقترح نفس فوج العمل وضع شباك وحيد على مستوى أهم الموانئ من أجل تسهيل المعاملات دوليا. ولعل جديد فوج العمل يتمثل في اقتراح تكثيف الجهود من أجل إيجاد أسواق إقليمية وأخرى قارية، حيث يقترح تشجيع الدول الإفريقية على استهلاك الإنتاج الجزائري، وهي المهمة التي تقع على عاتق السلطات العمومية من خلال توفير خطوط قروض ما بين الحكومات لفائدة هذه الدول؛ إجراء من شأنه حث المشترين الأجانب على شراء الإنتاج الجزائري. التقرير يدعو وزارات التجارة والمالية والخارجية على التحضير للتكفل الجزئي بالزوار المهنيين الرسميين الأجانب الذين يأتون إلى الجزائر للبحث والتحري حول الإنتاج الجزائري خلال التظاهرات التي تجرى في الجزائر. فيما تقع على عاتق وزارة الشؤون الخارجية مهمة التوجيه نحو تشجيع الموردين المحتملين من الدول الإفريقية. فضلا عن تكفّلها بالمصاريف الخاصة بدراسة السوق وتحرير العلامات وحماية الإنتاج الفلاحي الموجه للتصدير من طرف وزارة الفلاحة. وكانت المركزية النقابية قد ساهمت ببعض الاقتراحات تصب في اتجاه ترقية الصادرات وحماية الإنتاج الوطني. ولعل أبرزها المطالبة بالعودة إلى التعريفة الجمركية، لما قبل الاتفاقيات التجارية ومنع استيراد المواد المصنوعة محليا ودعم نظام الحواجز الجمركية. الإجراءات المتضمنة في تقرير فوج العمل يراد من ورائها تطوير نشاط المؤسسة الصغيرة والمتوسطة وترقية قدرتها التصديرية من خلال استحداث هياكل للتكوين والتوجيه ومساعدتها على استكشاف الأسواق الخارجية، بهدف التقليل، على نحو كبير، من استيراد السلع الأجنبية، خاصة بالنسبة لتلك التي يتم إنتاجها محليا. التحدي ليس بالأمر الهيّن في قلب المعادلة الصعبة حول التقليص من الاستيراد والرفع من التصدير خارج المحروقات، والاقتراحات التي تضمنتها وثيقة العمل، وإن كانت في مجملها مهمّة وممكنة، إلا أن تنفيذها في الميدان يبقى مرهوناً بمدى توفر الإرادة السياسية من جهة، ولكن أيضا مدى حرص القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الانخراط في هذا المسعى، الذي وإن كتب له النجاح فإن الاقتصاد الوطني سيخرج حتما من عنق الزجاجة إلى بر الأمان في حماية الإنتاج الوطني وتقليص التبعية نحو قطاع المحروقات.