لم يسبق للقطاع الخاص الوطني أن وجد ظالته كما هو الوضع في السنوات الراهنة، إذ مكنته سياسة الاصلاحات بكل ما لها وعليها من تبوُّء مكانة حقق من خلالها الكثير من الامتيازات والمنافع في ظرف سنوات قليلة، ما يجعل أوراقه التقليدية المطلبية ضعيفة، ويقتضي الموقف منه ترجمة إمكانياته المالية والمادية على الساحة الاقتصادية كطرف معني بالتنمية الوطنية والكف عن سياسة الانغلاق على الذات، بينما يلاحظ كيف يعرف القطاع الخاص الأجنبي تحقيق مآربه من أرباح لا تعد و لا تحصى، مستفيدين من محفزات الاستثمار وجاذبية السوق الوطنية التي تلتهم كل ما هبّ ودبّ. ولئن يوجد من الخواص من يحاول تأكيد قناعته لخدمة الاقتصاد الوطني، بالإصغاء للانشغالات والسعي للإسهام في المجهود الوطني للتنمية، إلا أن هناك ممن يحسبون على القطاع الخاص الوطني من لا يلعب قواعد اللعبة بشفافية ويتحيَّنون الفرص المغرية للاستثمار لتحقيق مآرب غير اقتصادية، مثل اللهث وراء العقار الاستثماري والصناعي والعمراني، بطرح مشاريع وهمية وأحيانا مزيفة لا أثر لها على الساحة، وإن أُنجزت فَبِها عيوب جراء الغش وعدم الالتزام بالمعايير التقنية للجودة ولا همّ لهم سوى كسب المزيد من المال. وهنا يتعاظم دور السلطات العمومية المختصة في متابعة كل ما يخص تسيير احتياطي العقار الاستثماري والصناعي، تفاديا لتكريس ممارسات بيروقراطية تكون بيئة مشجعة للفساد الذي لا يزال يطارد الجهاز الاقتصادي ويعيق نموه على أسس سليمة في ظل الرخاء المالي الراهن، ولو أن الأزمة المالية العالمية قد اثرت على الموارد المالية لقطاع المحروقات بفعل التراجع المعتبر لاسعار البترول والتي بمستواها الحالي تعتبر جيدة إن تم الاحكام بقوة وعقلانية بالتسيير المالي العمومي، وهو ما يقع على عاتق المنظومة البنكية باعتبارها الساهر على دواليب المال العام ومراقبة جوارية لتمويلات المشاريع دون أن يكون مثل هذا الحرص مبرّرا لإرساء منهجية اغلاق او تكبيل للمبادرة، خاصة بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية العمومية التي أظهرت امكانيات ملموسة للتسيير الراشد والمحكم وتبرهن كل يوم على أحقيتها في لعب قواعد المنافسة. إن البنوك التي لديها سلطة مالية لها مفعول على وتيرة التنمية مطالبة بالعمل اكثر تجاه زبائنها من مؤسسات اقتصادية عمومية وحتى خاصة لها وزن على الساحة الاستثمارية الوطنية، وذلك بالاخذ بيدهم ومرافقتهم في القيام بالعمليات البنكية تجاه المتعاملين والشركاء والممونين في الخارج، وليس من سبيل أفضل لذلك سوى الحرص على جذب المتعاملين الى التعامل في سوق البورصة التي قتلها الجمود و لا زالت على الهامش، ومن شأن كسر ذهنية المقاولات والمؤسسات العائلية الحاملة لثقافة البورجوازية الريعية وانفتاحها على المحيط الواسع، الدفع بالقطاع الخاص الوطني إلى مرتبة أرقى تمكنه من اكتساب المناعة والقدرة على المنافسة التي تطرق الباب دون استئذان وستأكل الخاص كما أكلت العام من قبل.