تلطخت المناديل الورقية ببقايا سره ، ابتسم وهو ينظر لتوأمه ، أناته كانت تستقر بين أزيز أسنانه ، إلى أن تهادت رويدا .هاجسه أن يفتح باب خجله الموصد ، ويوزع صكوك المحبة أكثر من عادته ، وهو الذي علمه الدلال أن يكبر ضعيف البنية وقد جاء بعد تسعة إخوة ، وأمه تشارف على الخمسين . فكر بطفلته زينب وهي زهرة في ربيعها الرابع ،فكر أيضا بطلاء مناسب لأوجاعه. ليعيش مابقي له في كنف أفراحه.استعجل المقاول ليكمل له البيت ،حوّل ملكيته باسم زوجته سهر ليلته مع إخوته ، امتد نقاشهم لوجه الفجر، نام والده تحت وطأة عمره المشارف على التسعين. قبّل يد والدته وضع يده في حضنها كعادته همست له : هناك حلوى خذها لزينب وقبلها عني .. رد مبتسما : لأنها تحمل اسمك تبالغين في دلالها.شعر أن لحظات عمره استدرجته، فما كانت لخبره بالمزيد لحظة صارحه الطبيب أن مرضه لاعلاج له وأن معدة هذا المدعو ..تأكله دون شفقة حد التفوه خفية بأصعب الأوجاع . دأب على مراقصة شروده بين زملائه ؛ هذه المرة لم يكتف بتمرير السلام استطرد على غير عادته، فأوجاعه تبدو لحد اللحظة بعيدة ومخبأة بظلال الكبرياء.ابتسمت زميلته زينب وقد تعود ملاطفتها تيمنا باسمها : تبدو شاحبا أستاذ عامر ، على الرغم من أن أساتذة الرياضة يخفون إرهاقهم ؟ رد مجاملا : تعتقدون أن أحد الطلبة ضربني ...استطرد نزيف اللثة المتعب . فكر أن يملأ وعاء طموحه ويحنطه داخل بئر أحلامه دفعة واحدة .ناول زوجته الهاتف : استعجلي لي أخي حسان ، نظر في وجهه وخاطب شروده : وقد أيقن بغيابه الحتمي : أمي وزينب أوصيك بهما ، لم يمهله الدوار ليكمل ...رفع إصبعين في إشارة للتوأم .في الصباح أمام باب المستشفى كانت الوجوه تعج بالدهشة ،خلف زجاج غرفة الإنعاش حسان ووالداه وزميله نورالدين يترقبون صوت الطبيب كان مربكا : أطلبوا له الرحمة فعمره أضحى لحظات ... اجتمع إخوته ، جلست أمه على كرسيه المعتاد وسط بهو البيت وهي تردد : تلك التذكرة التي أخذها عامر من القدر استلمها بدل مني استطردت وهي تهذي : لم يخذلني عامر يوما لكن في ذهابه هذا خذلنا جميعا وذهب وحيدا . راحت زوجته تستحضر رائحته المبعثرة بذاكرتها ، تستعير ابتسامته الغائبة. بعد عدة أشهر ...أخرج حسان سيارة عامر ، أقام مأدبة عشاء في الصباح عقد قرانه على زوجة عامر ، أخذ منها مفاتيح البيت بكت زوجته بحرقة ...ضمت أطفالها ، أحست بفقدانها لحسان وهو بجانبها .