المعركة الدموية التي يشهدها قطاع غزة هي ترجمة عملية لواقع سياسي مرير، يتميز بعجز عربي غير مسبوق في تعاطيه مع ما كان يعرف بقضية العرب المحورية ألا وهي القضية الفلسطينية. حرب الإبادة الصهيونية المسلطة على الشعب الفلسطيني في غزة منذ ثمانية عشر يوما كشفت مدى الخلاف العربي العربي الذي بلغ ذروته في سياق ما يسمى بالجهود المبذولة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، كما لم يعد خافيا على المواطن العربي البسيط حالة التشرذم التي توجد عليها بعض الأنظمة العربية، التي وإن كانت في السابق تتوخى الحذر في الجهر بمواقفها المتواطئة، فإنها اليوم وبكل بساطة سلخت عنها القناع وأصبحت تفاخر جهرا بمواقفها الخفية تجاه ما يجري من أحداث دموية في فلسطينالمحتلة. الإحتقان السياسي الذي ترجم في الميدان بعدوان متواطىء على غزة ومرده الأول والأخير الخيارات المطروحة لمواجهة والرد على الإحتلال الإسرائيلي وفي نهاية المطاف تحرير أراضي فلسطينالمحتلة المغتصبة منذ أكثر من ستين عاما. وهذه الخيارات المطروحة تباينت فيما بين الفصائل الفلسطينية بين مؤيد لفكرة التفاوض وفقط التفاوض لعل وعسى يتحصل الفلسطنيون أخيرا على دولتهم المستقلة وعاصمتها جزء من القدس الشريف، وهي الفكرة التي تتبناها السلطة الفلسطينية، أو كما عبر عنها سفير دولة فلسطين في الجزائر السيد الحوراني في ندوة »الشعب« أنه من حق الفلسطنيين أن تكون لهم دولتهم بعد معاناة دامت لسنوات طويلة، عن طريق التفاوض والمقاومة يجب أن لا تغامر. هذا الطرح لقيادة السلطة يجد معارضة شديدة لدى الطرف الآخر، خاصة وأن مسار التفاوض مع إسرائيل ولمدة تقارب العشرين سنة لم يفض إلى أية نتيجة وهي إنشاء الدولة الفلسطينية، ما يفسر إصرار الفصائل الفلسطينية الأخرى وفي مقدمتها حركة حماس المحسوبة على التيار القومي الإسلامي، على التركيز على نقيض ما هو مطروح على السلطة الفلسطينية وهو خيار المقاومة بعد أن تلاشت كل الآمال التي كانت معلقة لإنشاء الدولة فلسطينية في حدود أراضي ,1967 وعاصمتها لم يتفق عليها بين مختلف الفصائل الفلسطينية والكيان الصهيوني، إن كانت كل القدس كما تلح على ذلك حماس، أو جزء منه الشرقي كما قبلت بذلك قيادة السلطة، أو مستبعدة تماما كما تؤكد على ذلك إسرائيل. كل القضايا والملفات المطروحة على سلسلة المفاوضات التي أجراها الطرف الفلسطيني مع الدولة العبرية لا تزال معلقة، وفي هذا الصدد أكد السفير الفلسطيني في الجزائر أن إسرائيل غير مستعدة للتفاوض والحديث عن قضايا الوضع النهائي، والأكثر من هذا فإن طروحات تتحدث عن إعادة إحياء الخيار الأردني ونسيان فكرة الدولة الفلسطينية أما حركة حماس، فإنها ترى أن المفاوضات قد انتهت، وأن على السلطة الفلسطينية إيقافها لأنها لم تجلب للفلسطينيين اي شيء، كما أكد على ذلك السيد أبو عامر موسى ممثل عن حركة حماس ومدير الدراسات الإستراتيجية حول الأقصى خلال تدخله في ندوة »الشعب« داعيا القيادة التي تتفاوض مع إسرائيل إلى العودة إلى الصف التاريخي. ولعل القيادة الفلسطينية تدرك في قرارة نفسها أن الطرف الآخر المفاوض أي إسرائيل يملك من الخبث والمكر والدهاء ما يجعله يرفض اي تنازل أو منح بعض الحقوق للفلسطينيين ومع هذا فإنها تجد نفسها غير مخيرة لوقف التفاوض في ظل الضغوطات القوية الممارسة عليها داخليا وجهويا واقليميا وحتى دوليا. وفي ذات السياق يؤكد الأستاذ الجامعي في كاليفورنيا الدكتور صالحي حمود، الأكاديمي المستقل الذي واكب تطور الصراع والتفاوض بين إسراذيل وفلسطين ومتابعته لهذا الملف من أمريكا المقيم فيها منذ أزيد من عشرين سنة، هذا الخبير الجزائري يؤكد أن إسرائيل تتفاوض من أجل التفاوض فقط وكسب المزيد من الوقت لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب القضية الفلسطينية تماما كما فعلت بعض الدول العربية التي وظفت هذه القضية لخدمة مصالحها التي كانت أحيانا تتقاطع وأحيانا أخرى تتخالف مع المصالح الفلسطينية. ومن هنا يطرح صالحي حمود فكرة ما يمكن الحصول عليه من نتائج وأشياء ملموسة من التفاوض ليستخلص أن الفلسطينيين لم يتحصلوا على أي شيء تقريبا طيلة مسار المفاوضات الممتدة منذ اتفاقيات أوسلو عام 1991 إلى اليوم إذ أنه بعد مرور قرابة ثمانية عشر سنة ترفض اسرائيل الإعتراف بحق الفلسطينيين في إنشاء كيان لهم لجمع الشتات المتناثر هنا وهناك، ولا تعترف لهم إلا بالتفاوض حول 67٪ من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا العبث في طريقة تعامل الكيان الصهيوني مع القضية الفلسطينية، دفع بالعديد من الفصائل الفلسطينية إلى طرح بديل آخر قد يجبر الإسرائيليين على التفاوض بجدية وهو سلاح المقاومة رغم الثمن الغالي الذي يدفعه الغزّويون اليوم، بصبر وصمود أثار إعجابا ودعما معنويا غير مسبوق، ترجمته الإنتفاضة الواسعة للشارع العربي، في انتظار مسايرة الحكام العرب له لدعم نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي، والأولوية لوقف العدوان على قطاع غزة، ثم فتح نقاش حول الخيارات المطروحة بين العمل المسلح والنضال السياسي اي التفاوض. ------------------------------------------------------------------------