المرجعية النوفمبرية« هي منطلق أي مسعى وطني، متعلق بصياغة النصوص الأساسية ذات الطابع المؤسساتي... وهذا التمسك بالخلفية العقائدية ماهو إلا توضيح تام لما يراد القيام به مستقبلا على قاعدة سليمة وصلبة.هذا الحرص و يهدد إلى قطاعات أخرى. خاصة التي تنشط في الحياة السياسية منها الأحزاب خاصة وبعض المنظمات ذات الوزن الثقيل على الساحة الوطنية. فماهي مكانة »خط نوفمبر« في حركية هذه التشكيلات؟.حزب جبهة التحرير الوطني هو الوريث الشرعي لهذه الثورة... إلا أن تسميته تغيرت بإضافة مصطلح »الحزب«، لأن الجبهة كان يقصد منها إنصهار كل الحساسيات في بوتقة واحدة عشية إنطلاق الثورة... وهذا ما حصل عندما خاطبهم بيان أول نوفمبر بإسم »مناضلي القضية الوطنية«، وإنظموا إلى الثورة على أساس »قرار شخصي« لا أكثر ولا أقل، ليكون الهدف واحدا وهو مقاومة الإستعمار إلى غاية الحصول على الإستقلال... فالرسالة كانت واضحة بالنسبة للجميع الذين كانوا في الحركة الوطنية. نداء أول نوفمبر جاء من أجل إعلان الثورة ضد فرنسا الإستعمارية، ولإحداث القطيعة التاريخية مع نظام كولونيالي وحشي قضى على الأخضر واليابس. هذا هو الهدف البارز منه... ثم تطرق إلى ما يجب أن تكون المرحلة القادمة في حالة استعادة الإستقلال سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا... هذه المحاورالكبرى وردت في كل المواثيق الأساسية للبلاد (دستور، ميثاق وطني، الإنتخابات...)، ولا ندخل في علاقة الحزب بالدولة وبالإدارة... المهم هنا هو أن بيان أول نوفمبر كان محل إجماع كل الجزائريين، مهما كانت إنتماءاتهم السياسية ومنابعهم الإيديولوجية.وحزب جبهة التحرير الوطني كان فعلا وعاءا سياسيا لكل التنوع الإيديولوجي... وهذا عندما ساير مرحلة البناء والتشييد، واحتضن العناوين الكبرى للجزائر، ودافع عن المعالم التنموية وفق القاعدة الذهبية »العدالة الإجتماعية«. هذا المبدأ الفكري المشهود له هو الذي أحدث كل هذا التوازن في الخيارات الإقتصادية، إستنادا إلى قاعدة »لا إفراط ولا تفريط«، وهذا بتفادي التسرع في الإنتقال من نموذج إلى نموذج آخر... بدون وضع آليات ضمان المرحلة الإنتقالية بواسطة ضوابط تراعي الإنسان الجزائري، وتحميه من كل هذه النقلة الصعبة ذات الأضرار المختلفة عن مستواه المعيشي.هذا الحزب لم يحتكر أي رؤية أو طرح، وإنما كل ما في الأمر أن منطق الأحادية ترجم خيارا في مرحلة ما بعد الإستعمار إلى غاية نهاية الثمانينات، حيث برز الإنفتاح السياسي والتعددية الديمقراطية. هذه التوجهات لم تكن غريبة عن هذا الحزب، لكنها كانت في دوائر مغلقة لا تخرج إلى العلن... فمن الصعوبة بمكان معرفة اليوم الفرق بين الإنضباط الحزبي والديمقراطية! ومن الصعوبة بمكان تحديد هامش تحرك المناضل!؟.هذا كله زخم لا يمكن القفز عليه أو التخلي عنه لأنه متقارب جدا، ولا يشعر به إلا المناضل الممارس في القسمات والمحافظات الذي هو أمام تطورات سريعة في حزبه، ويشاهد حجم الحركية الإقتصادية والإجتماعية الضخمة التي تجري أمام أعينه... هل هي متطابقة مع مبدأ العدالة الإجتماعية أم تناقضها!؟ فعلا أننا أمام نقاش ثري، وحوار مستفيض بداخل الأحزاب... فمثلا حزب جبهة التحرير الوطني غيّر من تسميات هياكله الداخلية... فلم تعد هناك لا لجنة مركزية، ولا مكتب سياسي. وحل محل كل هذا الهيئة التنفيذية ومكتبها الأعلى، إنطلاقا من هذه التغييرات فإن الحزب تبنّى إستراتيجية جديدة في تعاملها مع الملفات الإقتصادية والإجتماعية... بشكل آخر وطرح مختلف تماما عما سبق.والتفاعل الأيديولوجي والعقائدي مازال متواصلا بداخل حزب جبهة التحرير الوطني بالحدة المطلوبة، بعد أن تم تجريده من النزعة الطلائعية على أنه تنظيم رائد في المجتمع، يقود النخبة بإتجاه الخيارات الهامة للأمة... هذه الصفة غائبة اليوم في الجزائر، ولم يقم أي حزب بهذا الدور المنوط به... الأفلان أدرجته قيادته اليوم في إطار الأحزاب العادية جدا... ولم تمنحه أي قوة نضالية لقيادة المجتمع نحو منعرجات حاسمة حتى في إطار التعددية الحزبية.وبرناجه الإقتصادي والإجتماعي هو إمتداد طبيعي لقناعات القيادة التي ترفض التخلي عن العدالة الإجتماعية، كما ورد ذلك في بيان أول نوفمبر... بل سعت من أجل تعميق هذا المبدأ وإدخاله في التوجهات السياسية والإقتصادية للبلاد.وهذه الحركية نعتبرها إيجابية جدا، لأنها تؤكد حقيقة مفادها أن هناك نقاشا مستمرا ومعمقا بين القياديين قصد تصنيف الحزب في القائمة التي تليق به في العمل السياسي، أو في النشاط الحزبي لتولي المكانة المأمولة في قيادة البلاد نحو أفق واعدة.وتدعيما لهذا الخط النوفمبري، جاء التجمع الوطني الديمقراطي من أجل تحمل أعباء المسيرة الوطنية من خلال تبنيه لهذه المرجعية بكل ما تحمل من معان... وفي هذا الإطار، فإن الأرندي شدّد في وثيقة ميلاده في 21 فيفري 1996 بأنه من المدافعين الأوائل عن مبادىء ثورة نوفمبر. وعمليا وجّه دعوة ملحة لكل المجاهدين وأبناء المجاهدين، وأبناء الشهداء والثوريين وأحرار هذا البلد من أجل الإلتحاق بهذا الحزب الفتي... وهذا ما كان حتى الآن.التركيبة البشرية للأرندي اليوم، هي مشكلة من كل هذا الزخم النوفمبري، هذه القاعدة سمحت له فعلا بصياغة فكر عقائدي مبني على مبادئ ثورة نوفمبر المجيدة. ويدافع التجمع بشراسة على هذه المنطلقات في كل مناسبة، ولم يتخل أبدا عن ذلك... بل عمّق المواقف في هذه النقطة التي هي محل إجماع.وفي المؤتمر الثالث الأخي، ذكّر الأمين العام السيد ''أحمد أويحيى'' بهذا الخط مرارا وتكرارا، منه بالخصوص العدالة الإجتماعية التي هي في حقيقة ملخص أي برنامج سياسي أو إقتصادي أو إجتماعي.وفي هذا السياق، فإن مسؤولي الحزب لهم تصورهم الخاص في هذا الإطار، أي كيفية تسيير الملفات الإقتصادية والإجتماعية. إلا أن هناك البرنامج الوطني في الشقين السالفي الذكر، الذي هو محل مسايرة الجميع في الجهاز التنفيذي... والتجمع الوطني الديمقراطي يعالج القضايا الإقتصادية والإجتماعية بهدوء، بعيدا عن أي تشنج أو تضخيم أو تهويل إعلامي، مسجلا في كثير من الأحيان مواقف معينة حول العملية التنموية. التيار الثالث الذي له توجه قائم على العدالة، هو حزب العمال ل ''لويزة حنون'' الذي أظهر العديد من المواقف التي يرى فيها بأنها متناقضة مع ما ورد في حيثيات بيان أول نوفمبر، وإنطلاقا من مبدأ السيادة الوطنية يرفض حزب العمال أي عمل يتجاوز الدستور أو نصوص أخرى، وهذا ما حصل مع قانون المحروقات، خوصصة المؤسسات، الأملاك العمومية، القانون التوجيهي للفلاحة، العقار، والإستراتيجية الصناعية... معتبرا ذلك لا يتماشى مع انشغالات العمال بصفة عامة.ويظهر حزب العمال أكثر الأحزاب طلائعية في التفاعل مع الأحداث الإقتصادية والإجتماعية... فهو عين ساهرة تراقب كل ما يحصل في المسار الإقتصادي والإجتماعي... وهذه القناعات ماهي إلا عبارة عن ترجمة لمناضلي الحزب وقيادتهم، التي ما تزال تعتقد بوجود خيارات لا تنتهي في الزمان كالإشتراكية مثلا.هذه التراكمات العقائدية ما تزال تحرك قيادات الحزب، وهي عبارة عن تخوفات لما سيؤول إليه الوضع الإقتصادي أو الإجتماعي، وحرص حزب العمال ينحصر في: حماية المنظومة الإجتماعية، منها صناديق التأمينات للعمال والمتقاعدين والأمومة. الدفاع عن المؤسسات الإقتصادية ورفض خوصصتها. العمل على منع بيع الثروات الوطنية. عدم تسريح العمال، وشطب مناصب الشغل.هذه عينات من مواقف حزب العمال، تترجم الإنشغال بدائرة العدالة الإجتماعية المدونة في بيان أول نوفمبر، ويعني بها في المقام الأول تقاسم الثروة الوطنية بعدالة بين أفراد الشعب الجزائري، واستفادته من خيرات البلد من مدارس وطرقات وسكنات ونقل، وغيرها من المنشآت القاعدية الإستراتيجية بالنسبة للشعب الجزائري. ------------------------------------------------------------------------ جمال أوكيلي