عرفت سنة 2014، احتجاجات في بعض القطاعات التي رأت في الإضرابات وسيلة لتحقيق مزيد من المكاسب الاجتماعية والمهنية، دون أن ترقى إلى مستوى الغليان الاجتماعي، كما سوّق له البعض وحاول البعض الآخر ركوبه لتحقيق مآرب مبيتة. في المقابل ثبتت الحكومة على مبدأها القائم على الحوار لحل المشاكل وتجاوزها والسماع لجميع الأطراف. سجل شهر فيفري من العام الجاري، دخول نقابات قطاع التربية الوطنية في إضراب وطني شامل أبعد التلاميذ عن مقاعد الدراسة لأيام، وفي ظل استمرار الشركاء الاجتماعيين في شلّ الدراسة إلى غاية تحقيق كافة المطالب، اعتبرت الوزارة الوصية أن الإضراب غير شرعي، وأبدى أولياء التلاميذ تخوفا شديدا من شبح السنة البيضاء، مندّدين برهن مستقبل أبنائهم مقابل مصالح شخصية للنقابات المضربة، ما نجم عنه حرب كلامية أبقت دائما على أقسام المدراس خاوية من التلاميذ فيما كان المقبلون على اجتياز شهادة البكالوريا المتضرر الأكبر. عودة الحياة الدراسية إلى مجراها الطبيعي، أعلن عنها الوزير الأول عبد المالك سلال، في 23 فيفري 2014 من بومرداس، أين قام بآخر زيارة ميدانية من سلسلة خرجاته لولايات الوطن، وقال حينها قناعاتنا "أن الحوار هو الحل لمشاكل قطاع التربية وبالتالي نحن مستعدون للحوار مع كل النقابات المعروفة"، وأضاف "الحكومة مستعدة لاتخاذ كل التدابير لحلّ مشاكل الأساتذة و التلاميذ لكن الأولوية للحوار". وبعد أن طمأن التلاميذ بعدم وجود أية تداعيات سلبية على سير السنة الدراسية أو الامتحانات، استعادت المؤسسات التربوية هدوءها عبر كامل القطر الوطني. أزمة غرداية ..العامل المدروس ليس من المزايدة في شيء القول، أن 2014 كانت عاما أسود على ولاية غرادية، بعدما عرفت انفلاتا خطير للأوضاع أدى إلى سقوط قتلى، ناهيك عن حرب شوارع وحرق للمحلات نغص حياة السكان ودفع بكثير من العائلات إلى الرحيل بحثا عن هدوء وسكينة. ولم يعد خافيا على كافة الجزائريين، أن أحداث العنف بغرداية أيقظها من يريد مساسا بأمن البلاد ككل، ويعتقد أنها البطن الرخو للاستقرار بخلق الفرقة بين الأباضيين والمالكيين واللعب على الوتر الطائفي، لكن الخطة أفشلت وتبين لدعاة الفتنة أن التعايش في غرداية خط أحمر. تعالت نداءات التحرك المستعجل لوقف ما يجري، وتوقيف المخربين، لتسطر الحكومة حلا مبنيا على شقين أساسيين، الحوار والمصالحة، وتعزيز التواجد الأمني لعناصر الدرك الوطني والشرطة لحماية الممتلكات الخاصة والعامة وضمان أكبر قدر ممكن من الأمن للسكان. تحرك السلطات العليا، ظهر في زيارات ميدانية متتالية للمنطقة تطبيقا لتوجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، قاد الزيارات الوزير الأول عبد المالك، وزير الداخلية الطيب بلعيز، القائد العام للدرك الوطني أحمد بوسطيلة والمدير العام للأمن الوطني عبد الغاني هامل مع الأعيان والشخصيات الفاعلة في المنطقة بحثا عن حلول للتهدئة وتجاوز العنف الذي تأكد أنه بعيد عن تقاليد أهل غرادية العريقة التي هي نموذج للتعايش السلمي العقائدي الذي أثبته أهلها على مرّ السنين والعصور. التعامل الحذر مع أزمة غرداية، فوّت على الأطراف الدخيلة التي حرضت عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على تأجيج العنف، الفرصة لتنفيد الأجندة المسطرة بإحكام، والتي أكّدها رئيس جمعية العلماء المسلمين، عبد الرزاق قسوم في حديثه ل«الشعب" في 07 فيفري 2014، حيث قال أن ما وقف عليه هو وشيوخ وأئمة زاروا المنطقة وطرحوا مبادرات سلمية لوأد الفتنة، يؤكد "مؤامرة خارجية تقف وراءها أطراف لا تريد الخير للجزائر والجزائريين". «سابقة احتجاجات الشرطة..والحلول الفورية" سيبقى يوم 11 أكتوبر 2014، شاهدا على أول احتجاجات علنية لرجال الأمن الوطني على ظروف عملهم المهنية والاجتماعية، حيث قامت وحدات التدخل الجمهورية بهذا التاريخ بمسيرة سلمية تحت الأمطار من الحميز إلى قصر الحكومة والرئاسة بوسط العاصمة. يومان فيما بعد كلّف الوزير الأول عبد المالك سلال، من طرف رئيس الجمهورية، بمقابلة وفد عن المحتجين، الأمر الذي تمّ ولمدة ساعتين ونصف بالبناية الملحقة لرئاسة الجمهورية (مقر وزارة الخارجية سابقا) ليعود لقصر الحكومة ويعلن أمام رجال الإعلام الموافقة على 12 مطلبا للمحتجين واعدا بأخذ كافة المطالب بعين الاعتبار. وعادت العناصر الأمنية إلى مراكزها منتظرة اجتماعا حكومية مصغرا للوزارات المعنية، خلال الأسبوع الموالي أين تم الاتفاق على تلبية جميع المطالب، لتطوى الصفحة نهائيا، بفضل الاستماع الجاد للانشغالات والجدية الأكبر في إيجاد حلول لها. المادة 87 مكرر وانهيار أسعار النفط ينهي الجزائريون 2014، على وقع انخفاض أسعار البترول إلى 60 دولارا للبرميل، وبغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، انصب اهتمام المجتمع الجزائري، بمختلف شرائحه على تداعيات ذلك على الاقتصاد الوطني ومختلف المشاريع الاقتصادية والاجتماعية المبرمجة من قبل السلطات العليا للبلاد في الخماسي المقبل. الكلام الذي قيل في إطار تحاليل أو توقعات على المدى القريب، أدخل الشك في إمكانية تخلي الدول عن سياسية دعم أسعار المواد الأساسية، والتراجع عن بعض القرارات الهامة، أبرزها إعادة النظر في المادة 87 مكرر التي فصل في أمرها خلال الاجتماع الأخيرة للثلاثية، لتؤكد من قبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة اليوم العالمي للعمال الجزائريين. إلغاء المادة من قانون العمل وصياغة تعريف جديد للأجر القاعدي الوطني، سيسمح برفع قيمة الحد الأدنى للأجور، وبالتالي سيكون لذلك نتائج جد إيجابية على مختلف الفئات العمالية في القطاعين الخاص والعمومي، الأمر الذي اعتبر من أثمن ما تم تحصيله سنة 2014. وأمام مخاوف التراجع عن قرار إلغائها، خرج الاتحاد العام للعمال الجزائريين ليؤكد قبل أيام على لسان عبد المجيد سيدي سعيد، أن القرار اتخذ بشكل نهائي ولن يتم التراجع عنه بسبب انهيار أسعار البترول. ورغم صعوبة الظرف، أكد وزير التجارة، عمارة بن يونس، بدوره أن الدولة لن تتخلى عن دعم المواد الواسعة الاستهلاك ومستمرة في حماية القدرة الشرائية للمواطن الجزائري. وفصل رئيس الجمهورية، في الاجتماع الوزاري الأخير، في الخطة التقشفية التي ستواجه بها الجزائر تراجع سعر برميل النفط، والتي كشف عنها المسؤول الأول عن الجهاز التنفذي، عبد المالك سلال، لدى تدشينه معرض الإنتاج الوطني، بحيث ستمسّ تجميد مسابقات التوظيف العام المقبل، خفض النفقات في المؤسسات العمومية وإعطاء الأولوية للمشاريع الهامة، في مقابل عدم التخلي عن الدعم الاجتماعي. وأكّدت بذلك الدولة، على أن سياسية الدعم الاجتماعي، من صميم مبادئها ومن مكتسبات الثورة الجزائرية التي يستفيد منها الشعب الجزائري. الحوار مصدر قوة الجبهة الداخلية ما شهدته الجبهة الاجتماعية، خلال السنة الحالية، من إضرابات واحتجاجات، جرت جميعها في إطار قانوني مكفولا دستوريا من قبل الدستور، فيما بني تعاطي الحكومة معها على النهج المتحضر الذي يبيّن تطورا وتقدما في ثقافة تسيير الدولة ومختلف المؤسسات. فالحوار والودية في حل المشاكل، أديا دائما إلى تقوية الجبهة الداخلية، التي تشكّل نواة متانة وحصانة لأي بلد في ظل التغيرات والاضطرابات الحاصلة في العالم، ونجم عنها التوافق القائم على المكسب الاجتماعي في إطار المصلحة العامة للبلاد. وتفرض رهانات المرحلة المقبلة، في ظل انخفاض أسعار النفط، التحلي بحكمة ورشاد أكبر في التسيير إلى جانب التضامن بين الشعب ومؤسسات الدولة، ليس لتجاوز المرحلة فقط، بل لاستغلال الفرصة ووضع قدم خارج دائرة التبعية للمحروقات، مادام للحكومة فرص كثيرة للمناورة الإيجابية وتجنب الصدمة النفطية، والخروج منها بضمان قوة أكبر للاقتصاد الوطني.