كانت رحلة فاطمة الزهراء بن عدة مع حرفة تربية النحل رحلة لإثبات الذات، وبدافع حبها الشديد لها خاصة وأنها حرفة توارثوها أبا عن جد...ما جعلها ترفع التحدي لمواصلة المشوار بعيدا عن الأضواء وحب الظهور إلا ما تعلق بتألق منتجة حملت على عاتقها صورة المرأة المستثمرة التي طالما راودها حلم تسيير مؤسسة ناجحة مختصة في إنتاج العسل. وبالفعل تعد فاطمة الزهراء بن عدة نموذجا يحتذى به للحفاظ على حجم الإنتاج حيث انتزعت الإعتراف والتقدير بين العارضين في الصالون الوطني الثالث لإنتاج مادة العسل الذي سافرنا من خلاله لتتبع مراحل وأسرار وحكاية فاطمة الزهراء المتألقة في مؤسستها التي صارت جزءا من حياتها ويومياتها. هكذا ترعرعت فاطمة صاحبة 45عاما، وسط صناديق النحل بمنطقة الزاوية بنواحي أولاد عبده التابعة إقليميا لبلدية بوقادير في الشلف، فمن الجد محمد إلى الوالد عدة تدرجت الزهراء على صقل موهبتها في هذه الحرفة رغم لسعات النحل المتكررة والمتاعب التي تلمسها أثناء تقديم الرعاية والاهتمام بها، حيث تجد فيها المتعة والراحة الحقيقية وهي تتخطى مراحل الفتاة الفضولية حسب قولها، لكن سرعان ما تملكتها الرغبة وتمكنت منها الحرفة بالحرارة التي قلما نجدها عند بنات جنسها. وقد وجدت فاطمة الزهراء نفسها مجبرة على ترك مهنة التدريس كأستاذة في مادة الأدب العربي، والتفرغ لهذه الحرفة بفتح مؤسسة مصغرة، الأمر الذي أدى إلى تغيير مجرى حياتها بعدما طلّقت مهنة التعليم عند استفادتها من آليات دعم وتشغيل الشباب سنة 99، وتلقيها لتكوين في مجال تربية النحل ببئر التوتة أين تلقت الأبجديات الأولى لهده الحرفة. وكانت انطلاقة بن عدة قوية خاصة بعد الدعم الذي قدمه لها أحد العمال الذين كانت له دراية بهذه المهنة بالإضافة إلى مساعدة مصالح الغابات والفلاحة التي فتحت لها الأبواب على مصرعيها لتوسيع إنتاجها من خلال تحضير أزيد من 4آلاف خلية. هذه الوضعية مكنت فاطمة من تجاوز مرحلة الإنتاج إلى مرحلة التسويق، كيف لا وقد أخذت هذه الحرفة كل وقتها واهتمامها وهو ما شهد له كل من يعرفها بذات البلدة، لتتحول بذلك إلى مختصة في تربية النحل وعلى دراية كاملة بجميع أنواع العسل كالسدرة والحمضيات إلى أنواع الورود والكاليتوس والرمان الذي تنتشر أشجاره بكثرة في المنطقة بالإضافة إلى عسل الغابة واللبان اللذان لا يكلفان مصاريف باهظة. وقد أرجعت قلة الإنتاج إلى الظروف الطبيعية، وفي هذا الصدد، نقلت فاطمة صرختها عبر جريدة «الشعب» بدعوى الحفاظ على هذه الحرفة وذلك بضمان مسألة التسويق التي تعرقل حسبها المنتجين، داعية إلى اعتماد تعاونية تتكفل بأخذ المنتوج وتوجيه المصنعين نحو هؤلاء المنتجين، قصد إبرام اتفاقيات تقضي بتزويدهم بهذه المادة الحيوية. هذا الهاجس الذي يشغل بال فاطمة أضيف له انشغالات أخرى تكمن في الإعتداءات التي يتعرض إليها النحالون، وعدم مبالاة المندوبين الفلاحين بمتاعب هذه الفئة، ناهيك عن الأدوية التي يستعملها الفلاحون في محاربة الأعشاب الضارة بمادة القمح، دون استشارة النحال الذي يتكبد خسائر كبيرة حسبها. وعلى الرغم من ذلك فلم يدن الفشل من منها، بل حرصت على توجيه نصائح للنساء قصد الإقبال على تكوين مؤسسات إنتاجية، في ميدان العسل ولما لا التوجه نحو التصدير مع شركاء إقتصاديين، لاسيما وأن فاطمة تمتلك كل المؤهلات العلمية والإرادة القوية لخوض هذه المغامرة، مادامت هذه الفئة قد استفادت من دعم الدولة. وتعتبر السيدة فاطمة نموذجا في الإصرار على المضي بمؤسستها نحو التوسع لضمان مناصب شغل أكثر، بحكم أن منتوجها يندرج ضمن المادة الغذائية الحيوية بالدرجة الأولى، وعلاجية لمختلف الأمراض من ناحية الوقاية، كما جاء في القرآن الكريم وهو ما تعمل على تحقيقه وتجسيده ميدانيا.