لحظات مؤثرة عاشتها قاعة 11 ديسمبر بأم الجرائد خلال ندوة نقاش نظمها "منتدى الشعب"، بالتنسيق مع الجمعية الفنية السينمائية "أضواء" بمناسبة اليوم العالمي للمسرح ، وهي ندوة خصصت كذلك لاحياء ذكرى استشهاد عميدي المسرح الجزائري عبد القادر علولة وعز الدين مجوبي. كم كانت اللحظات مؤثرة لدى من كانوا أقرب المقربين لعميدي المسرح ومثلوا معهما أحلى الأدوار، في عروض لا زالت تشهد على عظمة الخشبة، التي أرخت لحقب تاريخية من تحول البلاد، وصنعت مجد أبي الفنون في الوطن الثائر على المستعمر والمصمم على خوض تجربة بناء وإنماء تحمل خصوصية واستقلالية. كانت مؤثرة من خلال تمادي أهل الاختصاص في تقديم شهادات حية الكثير منها نادرة، تلقاها الحضور بتلهف وتابعوها باهتمام بالغ. ومثال على ذلك، شهادات السيدة أمينة مجوبي، التي خرجت لأول مرة من صدمتها عقب اغتيال زوجها من قبل إرهاب أعمى تمادى في وحشيته باغتيال العقل والضمير الحي والإنسان المبدع المفكر حامل الرأي المعاكس المخالف الرافض للمشروع الهمجي. تمادت السيدة مجوبي في سرد بمرارة والدمع ينهمر من عينيها، الظروف الصعبة التي مرت بها بعد الترجيديا والتهميش الذي طالها، وهي التي حملت مشعل المسرح ودافعت إلى جانب آخرين عن بقائه مشعا حاملا لرسالة التنوير والتعبئة مترجما لانشغالات قاعدة حبلى بالمشاكل والتناقضات، تتطلع دوما إلى الأحسن، الانفراج والتألق. وأعادت إلى الأذهان ما عانت منه على امتداد عشريتين من فراق زوجها، متسائلة عن التهميش الذي لاحقها وتركها لوحدها في عزلة، وهي التي قدمت الشيء الكثير والكبير للمسرح، ووقفت فوق الخشبة تمثل في أعمال فنية خالدة لم يمحوها الزمن. "احتاج إلى من يساعدني ويخرجني من الصدمة المستمرة لأعود إلى الركح افرغ مكبوتي وحزني وشجنوني"، هكذا صرخت بتأثر بالغ. وواصلت تحت التصفيقات الحارة "إن أقرب من وضعت فيهم الثقة لتأليف كتاب عن الراحل مجوبي وتدوين أعماله، خانوا الأمانة وتنكروا لعلاقات الصفاء والمودة التي كانت تربطهم بصاحب المسرحيات الخالدة "العيطة"، "غابو لفكار"، "لحوينة"، "الإنسان الطيب"، "الجريمة والعقاب"، "يوميات الشاب العاطل"، حافلة تسير"، "الصمود"، "عالم البعوش" وغيرها من العروض التي تدرس بالمعاهد والمدارس". بكلام شاعري تلقائي خارج عن المألوف أسهب محمد رابية في الحديث عن مسار الفقيدين اللذين كرسا حياتهما في خدمة المسرح، ولم ينل أي منهما التكريم المستحق. وتوقف الفنان الذي عايش مختلف الحقب التي مر بها المسرح عند رسالة علولة ومجوبي، وتجربة كل منهما في إعطاء العروض المترجمة لهموم الناس وقضايا المجتمع وتوجهات الدولة. إنها تجربة أسست لمسرح اجتماعي التوجه، شعبي المنبع والأصل. تجربة خاضها علولة ومجوبي بتحد وحب ومغامرة جاعلين من المتاعب والعراقيل، نقطة انطلاق نحو الأحسن وتفجير الطاقات الكامنة ومرافقة من عشقوا الركح حتى الثمالة، غير قابلين أن يبقوا أسرى الجمود. جعل علولة ومجوبي حسب رابية وأخرين تدخلوا في الندوة من تجربتهما في المسرح، وجهة للمقاومة الثقافية والابداع ونشر الوعي لدى عامة الناس من خلال جولاتهما بقرى الثورة الزراعية والمداشر والمنابر، مكسرين الحواجز والطابوهات مقربين المسافات البعيدة محفزين الجمهور على اعتناق ثقافة المسرح وتحاشي العزوف. جعلا من المسرح مرآة عاكسة لتطور مجتمع ورغبات أبنائه وحاجياتهم الملحة، كاسبين الثقة والرواج من خلال اهتمام العروض بقضايا الأمة والوطن، موظفان في ذلك لغة فصحى وعامية، شعر ملحون وأمثال شعبية معبرة، لإيصال الرسالة إلى المتلقي المتلهف، للتعبير عن مكنونات شعور مكبوتة وظاهرة. نجح علولة من خلال أعمال مسرحية بدأها بروائع "الخبزة"، "حمام ربي"، حمق سليم"، الاجواد" و«اللثام". وتألق مجوبي من خلال عروض مسرحية "حافلة تسير "، " قالوا لعرب قالوا " و«عالم البعوش". نجح عميدا المسرح في إيصال رسالة آمنا بها إلى أبعد الحدود، وهما جديران بأن تكون لهما أكثر من وقفة ترحم، تذكر واعتبار.