يبقى اسم الفنان المسرحي الموهوب عزالدين مجوبي أحد أقطاب الفن الرابع الجزائري حاضرا كلما عاد الحديث عن سجل الأيام الذهبية للمسرح الجزائري المعاصر رغم مرور عشرين سنة عن رحيله وهو في أوج العطاء. فقد استطاع هذا الفنان الاصيل ذو الحضور القوي الذي حلتّ أمس الذكرى ال20 لاغتياله أن يطبع الخشبة على مدى ثلاثة عقود بأدائه المتميز وحضوره القوي وأداءه الصادق كممثل وكمخرج خلال مرحلة هامة من تاريخ الحركة الركحية لما بعد الاستقلال. كان بإمكان مجوبي أن يعطي المزيد ويساهم في بناء مسرح متين كمبدع وأيضا كأستاذ في مجال التكوين ليغرف الشباب من خبراته المهنية ويقتدون بأخلاقه العالية وحسه الإنساني الرفيع لو لم تمتد إليه أيادي الغدر لتسكت بطلقة رصاص جبانة هذا الصوت الذي كان يصدح من أجل إزدهار وتقدم وطنه. في 13 فيفري انطفأت شمعة الفنان الملتزم أمام مبنى المسرح الوطني الذي طالما أضاءه بإبداعاته وكان قد عين في بداية تلك السنة مديرا له وكان يفكر في مشاريع كثيرة للنهوض بالمسرح وفتح الأبواب أمام المواهب الحقيقة دون إقصاء. رحل الفنان الذي أبدع في كل ما قدم سواء في المسرح عشقه الأول أو في السينما تاركا أعمالا خالدة في سجل أبي الفنون وذاكرة الجمهور. وتحتفظ ثنايا خشبة مسرح الوطني محي الدين بشطرزي بأدائه المبهر في مسرحية ”حافلة تسير” حيث تفاعل كثيرا مع الدور في مشهد بكاءه بمرارة على فقدان فلذة كبده ”نوارة” التي ماتت قبل أن ترى النور وبقيت عبارة ” نوارة بنتي ”التي كان يرددها من اشهر ”اللازمات” (كلمة وجملة يرددها الممثل) في تاريخ المسرح الجزائري . وعرفت مسرحية ”حافلة تسير التي أنتجت سنة 1985 وشاركته في بطولتها دليلة حليلو نجاحا كبيرا وأصبحت علامة مميزة في مسرح تلك الفترة كما شارك مجوبي في عدة أعمال ميزت تلك الفترة كما أخرج مسرحية ” غابوا لفكار” ومسرحية ”عالم البعوش” التي نالت نجاحا كبيرا وأخذت جائزة أحسن إخراج في مهرجان قرطاج للمسرح بتونس. كما شارك في المسرحية الشهيرة ”بابور غرق” لسليمان بن عيسى وخاض مع زياني شريف عياد وامحمد بن ڤطاف وصونيا وأخرين تجربة المسرح المستقل في الجزائر بإنشاء ”مسرح القلعة ” في 1990 أنجز اثناءها ”العيطة”، ”حافلة تسير2”. ولد الفنان وهو ابن محامي أصوله من حمام ڤرڤور (سطيف) في مدينة عزابة بولاية سكيكدة في 30 أكتوبر 1947 وبدأ نشاطه كممثل مع مطلع الستينات بتشجيع من الفنان الراحل علي عبدون. والتحق في 1963 بالكونسرفاتوار بالعاصمة وكانت بدايته الفنية بالإذاعة الوطنية بين 1965 و1968. بعد تجربة مميزة في المسرح حيث شارك في أعمال من الربيرتوار الكلاسيكي قدم عدة أعمال تلفزيونية منها ”يوميات شاب عامل” لمحمد إفتيسان وفيلم ”خريف 1988 لمالك الاخضر حمينة الذي يصور أحداث أكتوبر 1988. وساهم أيضا في إنتاج أعمال مسرحية مع مسارح جهوية منها مسرح بجاية الذي قدم فيها سنة 1994 مسرحية ”لحوينتة ”عن نص لبوجادي علاوة ونال عليها جائزة أحسن إخراج. وكان له أيضا إسهام في التكوين حيث كان أستاذا في الإلقاء والنطق بالمعهد الوطني العالي للفنون الدرامية. إلى جانب الأداء تقلد الراحل عدة مناصب إدارية فعين مديرا للمسرح الجهوي لباتنة ثم للمسرح الجهوي لبجاية وعين في 1995 على رأس مؤسسة المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي. كان هدف الفقيد الوحيد هو النهوض بالمسرح في فترة عصيبة من خلال مشروع طموح لم يمهل الموت الفجائي فرصة لتجسيده . رحل الفنان تاركا وراءه أعمالا مميزة وزوجة (الممثلة أمينة مجوبي) تبكيه إلى اليوم ورفاق درب يتذكرون المبدع والإنسان الذي وهب حياته للمسرح. وشاءت الأقدار أن يلفظ أنفاسه الأخيرة عند عتبة المسرح ليقى طيفه ساكنا المكان.