اهتز، مساء الخميس، ركح المسرح الجهوي لقسنطينة، على وقع التصفيقات الحارة للأداء المميز الذي طبع مسرحية "صالح باي"، التي تناولت الحياة في كنف مدينة الجسور المعلقة، أين شارك فيها خيرة الفنانين والممثلين، على رأسهم "عنتر هلال"، الفنان "صالح سقني" وكوكبة من الممثلين الشباب الذين أعادوا صنع التاريخ عبر ملحمة مسرحية أعادت الجمهور لأحداث تاريخية عرفتها سرتا. هذا ما رصدته "الشعب" بعين المكان. المسرحية، التي افتتح بموجبها مسرح قسنطينة الجهوي وكذا السنة المسرحية في إطار فعاليات "تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لعام 2015"، تجاوب الجمهور مع فعاليات عرضها وسط ديكور فني فريد امتد على مدار ساعتين، سلطت الضوء على حضارة العهد العثماني التي حكمت الجزائر لثلاثة قرون والحاكم صالح باي الذي وصل إلى قسنطينة وعمره لم يتجاوز 16 سنة وأهم محطاته من مجرد نادل بمقهى ببواخر القراصنة، إلى جندي بالجيش الإنكشاري، فقائد ثم باي عرف بقراراته الجريئة ومواقفه السياسية والاجتماعية، إلى جانب سرد جزء من حياته الشخصية وسط عائلته الصغيرة بمختلف تناقضاتها. مع العلم أن صالح باي، هو أحد بايات بايلك الشرق الجزائري، ولد بأزمير التركية عام 1725 وعيّنه باشا الجزائر، بايا على بايلك الشرق (1771-1792)، وقد قدم خلال فترة حكمه العديد من الإنجازات، بحسب مؤرخين جزائريين، وعرفت منطقة حكمه بشرق الجزائر ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا، مما زاد في نفوذ وقوة الباي وولاء الشعب، الشيء الذي أدى إلى غيرة الباب العالي فخطط لقتله بتهمة الخيانة خوفا على منصبه إلى أن تم تنفيذ حكم الإعدام بحقه عام 1792. وفي حديث خص به "الشعب"، أكد مخرج المسرحية محمد الطيب دهيمي، أن هذا العمل المسرحي الجديد يتطرق لحياة ومسار شخصية لها مكانتها المتميزة في الذاكرة الشعبية القسنطينية إبان فترة حكم الدولة العثمانية، يتعلق الأمر بشخصية صالح باي الحاكم التركي الذي ألهب خيال الشعراء والأدباء وخلّدته الحكاية والأغاني، خاصة بعد نهايته المأسوية له على يد الباب العالي (باشا الجزائر) الذي أمر بإعدامه شنقا. وقال المخرج دهيمي، إن الحادثة خلفت حدادا وحزنا شديدين وسط رعيته وعبّرت عن ذلك النسوة بارتداء وشاح أسود يسمى في قسنطينة ب«الملاية" التي لاتزال موجودة إلى اليوم تقاوم رياح العصرنة وانسلاخ الذات النسوية. وواصل المؤرخ، "كفريق فني متكامل ورغم الصعوبات التي واجهتنا لإتمام هذا العمل المسرحي الذي يمثل بشكل مباشر تاريخ قسنطينة، إلا أننا تمكنا من تقديم سيرتا في صورة ملحمية جميلة زادها تفاعل الجمهور رونقا وجمالا". وعن نص المسرحية قال كاتبه السعيد بوالمرقة ل«الشعب": "لم أكن أريد قصة جامدة، وإنما مفعمة بالحركية والتشويق، وهو ما وجدته في الكوميديا الموسيقية، فاعتمدت عليها بدل التراجيديا حتى أضمن الفرجة للجمهور". تحدث لنا الفنان والممثل الشاب سقني عيسى، بعد الانتهاء من العرض، عن سعادته لتمثيل تاريخ قسنطينة من خلال شخصية "صالح باي" والتي تفاعل معها الجمهور، الذي سجل حضوره بقوة واستمتع بالعرض المسرحي، بطريقة راقية، رغم العراقيل التي واجهتهم كفريق فني لتجسيد عمل مسرحي يمثل افتتاحية المسرح الجهوي والتي كانت من بينها صعوبة العمل والأداء داخل ركح كان يتعرض للترميم وإعادة الاعتبار. وبحسب سقني، فإن أعضاء فرقة التمثيل كانوا ينامون داخل المسرح وهو في حالة ترميم، "صمدنا وعملنا لتمثيل قسنطينة وتتويجها على رأس التظاهرة الثقافية عروسا مزينة بتاريخها وحضارتها الضاربة في أعماق التاريخ".