تولي السلطات العمومية في الجزائر اهتماما جليا لملف المدينة والعمران، الأمر الذي توضحه مبادراتها وتعليماتها بالتركيز على الناحية المتعلقة بالتسيير المحكم للتجمعات الحضرية الجديدة والإصرار على التشييد والبناء المتزن المتوافق مع التقنيات العصرية والتكنولوجية الحديثة المقاومة للزلازل. وتصبّ التعليمات بشكل خاص على اعتماد الدراسات التقنية التي تقام لإنجاز البرامج والمخططات العمرانية والسكنية والتي غالبا ما ترصد لها مبالغ مالية هامة. لكن في المقابل، هناك استخفاف من هذه المسألة لدى عامة الناس الذين يشيّدون بناءات دون مراعات مقاومة الزلالزل. هذا ما رصدته «الشعب» في هذا الملف استنادا إلى تصريحات المهندسة زاتير أميرة. تخضع مشاريع الخواص لشروط رخص البناء مرورا بإجراءات تقنية وهندسية لمكاتب الدراسات، في حين يعمد الكثيرون إلى البناء دون شروط تقنية وهندسية ما يضفي صفة السكنات الفوضوية على كثير من بناءات المواطنين التي تشكل غالبا خطرا على سلامتهم وحياة من لا صلة لهم بالسكن المشيّد دون تطبيق دراسات تقنية عميقة مقاومة للإجهاد. بحدث هذا خاصة في المواقع ذات الأرضيات الهشة والمعرضة لخطر الزلازل، في الوقت الذي يؤكد فيه الخبراء والمختصون أن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط أكثر المناطق نشاطا زلزاليا. مهما كانت درجات هذه الظاهرة الطبيعة، إلا أن ضحاياها من المصابين جراء ردة فعلهم من الزلزال أضحت من العوامل التي تستدعي نشر ثقافة زلزالية لدى عامة الناس، ومنها المبادرات الحكومية المتضمنة مخططات التدخل لتقليص خطر الكوارث وحجم أضرارها، حيث تستدعي مخططات تدخل السلطات التركيز على الجانب التحسيسي بضرورة تشييد بناءات مقاومة للزلازل. ذلك ما أصرت المهندسة المعمارية والأستاذة الجامعية الشابة الآنسة زاتير أميرة، التي تحضر دراسة لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع الثقافة الزلزالية المحلية كوسيلة لتسيير المخاطر، بالحديث عنه ل «الشعب»، مساهمة منها في إثراء الملف بحكم تجربتها الميدانية وتحقيقاتها في سبيل الخروج بنتائج على أرضية الواقع، بالنظر إلى أن الدراسات الأكاديمية والنشاطات العلمية في موضوع الزلازل والثقافة الزلزالية أصبحت حبيسة البحوث الجامعية ومدرجات الجامعة ومخابر البحث العلمي في الكوارث الطبيعية دون أن يستفاد منها بشكل كبير، على حد قولها. قالت الأستاذة الجامعية ل «الشعب»، إن هذه البحوث الأكاديمية يجب أن تخرج من مجالها لتطبق على أرض الواقع، من أجل نشر الوعي بمخاطر الزلازل والأضرار الناجمة عنها ومن خلال ذلك، تضيف الباحثة، يمكن تقليص حجم هذه الأضرار والتسيير المحكم لمخاطر الزلازل. المهندسون المعماريون والمدنيون أقل شأنا من البنائين أكدت زاتير أميرة، أن استشارة المهندسين المعماريين والمدنيين في مجال البناء وتشييد السكنات الخاصة تكاد تكون منعدمة، حيث يقصد الخواص مكاتب الدراسات من أجل مواصلة إجراءات الحصول على رخصة البناء، مضيفة أن البنّاء «المحترف» الذي يملك سنوات طويلة من الخبرة دون تكوين خاص وله دراية بالأساليب الجديدة المعتمدة في البناء، هو الأكثر شأنا وقيمة من المهندس المعماري أو المدني. وذلك راجع، على حد قولها، إلى غياب الثقافة الكافية لدى الخواص بأهمية استشارة المهندسين ودعوتهم لمرافقة ومتابعة إنجازاتهم، الأمر الذي جعل المدن والأحياء الكبرى الجديدة تبدو في طابع معماري واحد، تغيب عنها الصفة الجمالية وتطبعها الفوضى وثقافة المستودعات والطوابق الأرضية التي تستغل لإنشاء المحلات التجارية، فضلا عن توجه الخواص إلى الإكثار من عدد الغرف دون إيلاء الأهمية لمتانة البناء وقابليته لتحمل الصدمات الخارجية أو الداخلية. كلها أفكار وثقافة لا صلة لها، بحسب المهندسة، بالمنطق أو بالثقافة القديمة لدى المجتمعات على اختلافها والتي شيّدت عمارات بطرق بسيطة مقاومة للظروف والكوارث الطبيعية، فضلا عن أنها بقيت منتصبة تتحدى الإهمال والزمن، على غرار العمارات التقليدية بالقصبة والأحياء الشعبية، المشيّدة بأساليب ومواد بسيطة، وذلك ما حاولت الباحثة الجامعية اكتشاف خلفياته والتفكير الذي تبنّاه المحليون القدماء في كيفية تشييد بناءات مقاومة للمخاطر الكبرى عبر الأجيال، ولا نجده لدى المجتمع المحلي الحالي، بالرغم من القوانين الإجبارية التي وضعتها الدولة في سبيل حماية المواطن والتحكم في النسيج العمراني وتسيير المخاطر الكبرى. ثقافة التأمين غائبة واللجان التقنية البلدية الغائب الأكبر أوضحت متحدثة «الشعب»، أن ثقافة التإمين إضافة إلى ثقافة الزلازل، غائبة في المجتمع الجزائري، خاصة بذكر المجتمع المحلي. وقد كشفت تحقيقاتها أثناء إعداد رسالة الدكتوراه «الثقافة الزلزالية المحلية ودورها في تسيير المخاطر الزلزالية» والتي جاءت متابعة لرسالة ماجستير الباحثة حول «العمارة التقليدية المحلية المقاومة للزلازل»، أن الخواص لا يطلبون مرافقة المهندس المعماري لأشغال بناء سكناتهم، كما لا يعمدون إلى تأمين سكناتهم إلا في حالات الاقتضاء بعد رغبتهم في بيع السكن، إذ يشترط الموثقون القانونيون شهادة تأمين المسكن. أكدت هذا الطرح وكالات التأمين العمومية من خلال بحث الأكاديمية زاتير أميرة، في المرحلة الأخيرة من بحثها، للحكم أن ثقافة الزلازل غائبة في المجتمع المحلي، وتسيرها الأحكام الشرعية بالقول إن «الزلزال قضاء وقدر»، فضلا عن عدم استعداد المواطنين لمخاطر طبيعية مثل الزلازل. وقد أشارت المهندسة، أن اللجان التقنية تعمل خلف مكاتبها بتسليم رخص البناء بعد الإجراءات الروتينية مرورا بمكاتب الدراسات. في المقابل يجدر أن يستمر عمل اللجان التقنية البلدية خارج المكاتب لمراقبة مطابقة البنايات وقابليتها لمقاومة الإجهاد أو الكوارث الكبرى، مشيرة أن أغلب البنايات المشيدة حديثا ومنذ مطلع التسعينيات – الفترة التي شهدت نزوحا كبيرا إلى المدن نتيجة العشرية السوداء - لا تخضع للمطابقة، لا من الناحية الجمالية ولا قابليتها لمقاومة الزلازل، وهي الشروط التي تنظمها قوانين رسمية، تضيف المتحدثة. حلول لغرس ونشر ثقافة زلزالية في المجتمع المحلي دعت المهندسة المعمارية والباحثة في مجال العمارة المقاومة للزلازل، إلى التكثيف من الحملات التحسيسية حول مخاطر الزلازل، في الوقت الذي تعتبر فيها الجزائر بلدا معرضا لهذا الخطر الطبيعي، خاصة بعد توالي الأحداث والكوارث الزلزالية على مدن مثل بومرداس وعين تموشنت والشلف وحتى معسكر في سنة 1994. وأوضحت، أن إدراج دروس تربوية في المناهج الدراسية تمكن، لا محالة، من تربية نشءٍ يولي أهمية للثقافة الزلزالية خارج إطارها المتعلق بالمعتقدات والشريعة. كما ترى الباحثة أن القوانين التي وضعتها الدولة في سبيل الوقاية من مخاطر الكوارث الطبيعية، سواء في مجال إجراءات البناء أو التأمين، لا يستهان بها، لكنها تفتقد كثيرا للتطبيق من المواطن أو الأعوان المكلفين بمتابعة تطبيق هذه القوانين، فضلا عن تشجيع الباحثين في المجال ودعمهم في مجال البحث العلمي ورعاية اللقاءات الإعلامية التحسيسية والدراسية، بما يعود بالفائدة على المجتمع، حتى تخرج البحوث الأكاديمية من نطاق الجامعة ولا تبقى حبيسة الأدراج، إلى جانب تبني التجارب الأجنبية في مجال مقاومة الزلازل، على غرار تجربة اليابان أو فرنسا التي تعد أقل تعرضا لخطر الزلازل مقارنة بالجزائر، غير أنها وضعت أنظمة متحكمة ومثالية لتسيير مخاطر الزلازل والكوارث الطبيعية.