أ.د.اسماعيل دبش أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة الجزائر 3 يفترض في جامعة الدول العربية (ولو بميثاقها الهش، الغير قابل عمليا لاتخاذ قرار بحكم مبدأ الإجماع) أنها تدعم كل ما يحافظ على وحدة واستقرار أعضائها مهما كان حجم الأزمة الداخلية والتحديات الإقليمية والدولية للدول الأعضاء. في بعض الحالات والقضايا العربية، على الأقل من حيث المبدأ، أظهرت جامعة الدول العربية مقاربات قومية قد ترقى لوصفها بالمقبولة على غرار مواقفها تجاه الحروب العربية الإسرائيلية، التكيف مع رفض جبهة الصمود والتصدي (الجزائر، سورية، العراق، ليبيا، اليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية: 1977) عقب قرار أنور السادات، الرئيس المصري (9 نوفمبر 1977) بالتوجه لزيارة الكيان الإسرائيلي، قرار انتهى بعقد اتفاقية كامب ديفيد (17 سبتمبر 1987) بين مصر والكيان الإسرائيلي. وضع آل إلى انتقال مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس (1979-1990). كما أنسجم موقف جامعة الدول العربية مع الوساطة التي قادتها الجزائر في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين لوضع حد للتوتر وبداية حرب حدودية بين مصر وليبيا (21 – 24 جويلية 1977). ضمن وفي إطار المقاربة العربية التكاملية كان لجامعة الدول العربية مواقف مقبولة تجاه الأزمة في الصومال (منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي) ومحاولة الحفاظ على وحدة السودان وقضايا أخرى كانت لجامعة الدول العربية مقاربات يمكن وصفها بالإيجابية. للأسف، لم يعكس ذلك موقف جامعة الدول العربية من الأزمات الخطيرة التي هزّت كيان وحدة البعض من أعضائها، خاصة منذ احتلال العراق (2003) أو منذ ما يسمى بالربيع العربي. العكس هو الصحيح في موقف جامعة الدول العربية تجاه الوضع العربي المتأزم لدرجة أنها أصبحت طرفا في الأزمة والصراع بما فيها سحب الاعتراف بأعضائها المؤسسين أو الفاعلين في العمل العربي المشترك، مثل سوريا وليبيا والاعتراف بدلا منهما بعناصر افتراضية سميت بالمعارضة، هذه الأخيرة التي تأسست خارج الحدود الوطنية وبعيدة عن إرادة الشعب، تحت شعارات براقة، مثل حقوق الإنسان والديمقراطية. شعارات ومبادئ يفترض أن تكون المرجعية والبعد والأولوية في مقاربات جامعة الدول العربية بالتعبئة القوية ضد الجرائم الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني أو الاهتمام بأولوية حقوق الإنسان لشعب الصحراء الغربية المستعمر من طرف دولة عضو في جامعة الدول العربية، في الوقت الذي وقفت فيه بقوة سياسيا وعسكريا ضد احتلال العراق للكويت (1991)، إنها ازدواجية في المواقف بامتياز. أصبحت صورة جامعة الدول العربية أمام أبسط مواطن عربي أو مواطنة عربية أنها جزء من الإستراتيجية الكبرى لضرب الدولة الوطنية العربية وتجزئة المجزأ تحت غطاء ما يسمى بالربيع العربي لإقصاء دول كانت سندا قويا ضد الكيان الصهيوني وقوة أمامية ضد الهيمنة الغربية. الإستراتيجية الغربية هي لمضاعفة تقسيم المقسم الذي انطلق في اتفاقية سايكس بيكو من خلال التكوين والتدريب والدعم المالي والعسكري لعناصر مكلفة بضرب الدولة الوطنية واستقرار المنطقة تحت شعارات الديمقراطية أو بناء الدولة الإسلامية، والتي هي في الحقيقة لتعميم الفوضى والأزمات من خلال توظيف الاختلاف في المذاهب وتوظيف الأقليات والفوارق الثقافية لتحويل الصراع من عربي صهيوني إلى صراع عربي - عربي (سني – شيعي، عرقي) في مواجهة القوى الوطنية بالمنطقة. إن هذا ليس استنتاجا، أو كما يحلو لمساندي المشاريع الغربية والصهيونية هو تحليل بالمؤامرة، بل هو انعكاس لواقع عاشه ويعيشه العالم العربي ميدانيا وأكدته كاتبة الدولة للسياسة الخارجية الأمريكية سابقا السيدة هيلاري كلينتون التي أكدت على لسانها في تصريحاتها وفي كتاباتها (الخيارات الصعبة) عندما أكدت «بأن هؤلاء الذين نحاربهم اليوم كنا قد موّلناهم سابقا» وأن مشروع «الدولة الإسلامية كان بإيعاز من الولاياتالمتحدةالأمريكية» وغيرها من التصريحات. وأكثر من ذلك، دول مثل الجزائر التي لها مواقف تعزز استقرار ووحدة الدولة الوطنية وتتبنى مكانة تعكس العمل العربي القومي المشترك شكلت محل انتقاد من طرف جامعة الدول العربية أثناء الغليان العربي بسبب ما يسمى بالربيع العربي. المسح السياسي والإستراتيجي العام لجامعة الدول العربية ينسجم ميدانيا مع الخطة الإستراتيجية الغربية لتحويل الصراع من عربي إسرائيلي إلى صراع عربي - عربي على غرار ما يحدث بين دول الخليج واليمن تحت غطاء خلافات مذهبية أو ثقافية أو جهوية والذي هو في الحقيقة هو اقتتال أو حرب بين العرب وضرب أسس الدولة اليمنية والبنية التحتية لليمن. على جامعة الدول العربية أن تسترجع مكانتها وفق ميثاقها ومبادئها إذا أرادت أن توفق في تقديم الوساطة في الأزمات الخطيرة التي يعيشها العالم العربي بالابتعاد عن الانقياد لبعض أعضائها الذين هم أطراف في الصراع وليسوا أطرافا للحل أو التسوية للأزمات العربية. تكاد تكون الجزائر الوحيدة من بين أعضاء جامعة الدول العربية التي أثبتت للشعوب العربية أن سياستها بالأدلة الموضوعية والعقلانية هي الأمثل في الأزمات العربية. فها هي مواقف الجزائر الآن تثمن وسياستها في رفض التدخل والمحافظة على السيادة الوطنية هي التوجهات السائدة لدى حتى بعض أعضاء الجامعة العربية الذين كانوا في الصف الآخر، من منطلق تواجدهم في مجلس التعاون الخليجي على غرار سلطنة عمان. جامعة الدول العربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تنسجم مع حقيقة تواجدها المبدئية كطرف محايد وليس طرفا في الصراع وإلا ستفقد أسباب وجودها أصلا. فهي منذ بداية تأسيسها ولدت هشة وإذا استمرت في هذا النهج، مثل سلوكها وممارساتها في السنوات الأخيرة، خاصة أثناء وبعد ما يسمى بالربيع العربي فهي تؤسس لنهاية أسباب وجودها. العالم العربي بحاجة ولو شكليا لتجمع دولها للحوار وتدارس المواقف المتباينة على الأقل لمحاولة الوصول للحد الأدنى في المقاربات العربية المشتركة خاصة القضايا التي تمس أمن واستقرار ووحدة أعضائها، القضية الفلسطينية، مواجهة التحديات الدولية الراهنة للعالم العربي.