من مسؤولية المجاهدين الإدلاء بشهاداتكم عرفت الولاية الرابعة، كغيرها من ولايات الوطن، بطولات رجال صنعوا أمجادها ودافعوا عن الجزائر بكل شراسة ضد جبروت الترسانة العسكرية للاستعمار الفرنسي، الذي تفنّن في تعذيب وإبادة الشعب الجزائري بكل فئاته. لكن للأسف، هناك من يجهل ما قدمه مجاهدو هذه الولاية من نضال وتضحيات، ولهذا ارتأت “الشعب” التقرب من بعض مجاهدي المنطقة الذين لم يبخلوا علينا في الإدلاء بشهاداتهم حول مسيراتهم النضالية، كل حسب المهمة التي أوكلت إليه، مشددين على ضرورة تلقين التاريخ الصحيح للأجيال الصاعدة للحفاظ على مكتسبات الجزائر. قاسم علال المدعو عيسى البارا، من بين المجاهدين الأشاوس بالبويرة، وقد أطلق عليه إسم البارا لأنه اشترى من عند حركي بذلة عسكرية، لذلك لقب بالبارا. من مواليد 24 نوفمبر 1940 بقرومة بالبويرة، التحق بجيش التحرير الوطني سنة 1961 حينها كان عمره سبع سنوات، كان يذهب مع أخيه قاسم موسى لحضور اجتماعات الحركة الوطنية ويسجل كل شيء في ذهنه، حيث كان أول اتصال بين أخيه والنظام عن طريق المناضل لاراشي المختار، كان يرسل المعلومات. كما أن سي المختار، على حد قوله، كان يملك مخزنا للشعير والملح والقمح في البيت والسوق ويزودهم بتلك المؤونة. بعد اندلاع الثورة إلتحق سي المختار بصفوف جيش التحرير الوطني، أصبح اتصاله عن طريق شقيقه والمناضلين عيسى بن عبد الله والزيتون وسعيد بطاش وآخرين. في سنة 1956 كان عمره 16 سنة، حينها كان مقيما عند شقيقته في منطقة السنايسية وأصبح الاتصال مع شقيقيه وجيش التحرير الوطني، وبقي عندها بعد استشهاد زوجها، حيث كان يأتي المجاهد سي لخضر وهو يتشبث به ليلتحق بالجبال، لكن هذا الأخير رفض كون سنّه لا يسمح بذلك. في هذا الصدد، قال عيسى البارا إنه في نهاية 1957 منحتهم الإدارة الاستعمارية أسلحة بحجة الدفاع عن أنفسهم ممن أسمتهم “الفلاقة”، وكان يوميا ينزع رصاصتين ويخبئهما لإرسالها إلى المجاهدين عن طريق إبنة شقيقته زهرة سعودي شهريا، وجمع عددا معتبرا من الذخيرة خلال الفترة 1957- 1961، كما كانت مهمته الحراسة مرتين في الشهر في الثكنة العسكرية الفرنسية، مضيفا أنه ارتدى الزي العسكري الفرنسي سنة 1961 وبقي في الثكنة العسكرية مدة 95 يوما، بهدف تأمين الأسلحة للمجاهدين وبقي على اتصال مع المناضل بطاش. وعند نهاية شهر مارس أراد الخروج من الثكنة العسكرية كون الوقت قد حان، كي لا ينتبه له العدو والحركى الذين كانوا دائمي المراقبة. يقول محدثنا، إنه إلتقى مع مسؤول الناحية، علام عبد القادر، في قرية قداولية بتابلاط، حيث اتفقا على الخروج في اليوم الموالي والالتقاء في مكان معين، لمنحهم الذخيرة وبندقية من نوع “مات” التي أخذها من الثكنة، وحين ذهب إلى المقهى وجد الحركى تحادث معهم كي يلهيهم، وعند الساعة الثامنة أطفأ الضوء لمدة 20 دقيقة بعدها نهض وأخرج السلاح والذخيرة. واتفق مع رفقائه من الجنود على الالتقاء في منزل شقيقته في حال عدم إلقاء القبض عليهم، مشيرا إلى أنه بعد نجاته من الموت، نقل شقيقته إلى مكان آخر كي لا يقتلها العدو الفرنسي، كونها كانت تدعم الثورة. بعدها أرسل إلى منطقة الأربعطاش وأولاد موسى، ويوميا تقريبا يشتبك في معركة مع العدو أو ينصب كمينا، كما شارك في معركتين. في 14 أكتوبر 1961، كان يتواجد في بيت قونطاس فحاصرهم العدو، مما أدى إلى فرارهم حتى وصلوا إلى القوادرية، فلجأوا إلى منزل شخص يدعى فركيوي، الذي لم يقبل إيواءهم وكانوا ثلاثة مناضلين، سعيد فرقور، إبراهيم القسنطيني ومصطفى زغوني، أحمد الباتني، الذي استشهد في ما بعد، وحسين سغلي، حيث دامت المعركة من الواحدة زوالا من دار كنطاس إلى فركيوي أولاد غالية لغاية المغرب، ولحق بهم العدو وقصف المنزل وفي 17 أكتوبر من نفس السنة وقعت معركة ثانية برفقة أمحمد بن جعيدة سياسي المنطقة الأولى للولاية الرابعة، ومسؤول الناحية الثالثة. وفي الخامسة صباحا بدأ الاشتباك لم يعرف إن كانت وشاية، المعركة دامت إلى الواحدة زوالا حاول العدو الفرنسي الاقتراب منهم بإطلاق وابل من الرصاص، دون أن يخلف إصابة ونجا عيسى البارا بمعجزة من الله، بينما استشهد صديقه في مستشفى مصطفى باشا، مضيفا أنه سار مسافة حوالي 6 كلم في الغابة رفقة رفقائه في السلاح بشق الأنفس، كان حينها يبلغ 20 سنة، بعدها تدرج في المسؤولية ثم أصبح مدربا في ثكنة. وعن وقف إطلاق النار قال: “عشنا 19 مارس 1962 وقف إطلاق النار، حيث اجتمعنا في العيساوية بولاية المدية بمجاهدي المنطقة الأولى، حين هجم علينا عناصر من المنظمة الإرهابية للجيش السري الفرنسي “لواس”. في رسالة وجهها للجيل الصاعد، قال عيسى البارا: “على الأجيال الصاعدة معرفة تاريخ أجدادها وترديد أناشيد الثورة وتاريخ المقاومات الشعبية، ومجازر 8 ماي 1945، التي مقدمة لاندلاع الثورة، ويجب على الأساتذة تلقين التاريخ للتلاميذ بشكل صحيح، مثلما تعلمناه في المدرسة الباديسية”. تيجاني: ينبغي على المجالس المنتخبة المواظبة على إحياء المناسبات الوطنية من جهته استعرض المجاهد محمد تيجاني، بشاعة ما اقترفه الاستعمار في منطقته، قائلا: “في 21 ماي 1957 وقع اشتباك ببني سليمان، انتقمت فرنسا من الشعب بالناحية الثانية، المنطقة الثالثة، الولاية الرابعة، تابلاط، حيث قصفت القرى بالطائرات وأخذوا السكان والحيوان”، مضيفا أن الجيش الفرنسي قتل 24 شخصا من القرية، بينهم أعمامه وأصهاره، حيث أمضى حينها يومين في الغابة ثم انتقل إلى قرى أخرى، بعدها عاد إلى منطقته أين بقي ثمانية أيام لدفن الضحايا، مشيرا إلى أنه كان مناضلا مع أخيه وهو في سن 14 سنة منذ عام 1956. التحق تيجاني بصفوف جيش التحرير الوطني كمسبل وعمره 17 سنة، وكان يقوم بنقل المعلومات والرسائل حول عدد الجرحى والشهداء ويؤمّن الطريق للمجاهدين من بني سليمان إلى بودواو، وبقي على اتصال من مركز لآخر بقوادرية بالمنطقة الثانية الناحية الثالثة، حيث كان لهم مخبئان سريان كي لا يكتشف العدو مكانهم. في الأخير، وجه محدثنا رسالة للجيل الصاعد، يوصيهم فيها بالحفاظ على التاريخ والوطن وعلى الرموز والثوابت الوطنية، معيبا في معرض حديثه على المجالس المنتخبة التي، بحسبه، ينبغي عليها احترام رموز وثوابت الأمة التي هي جزء من تراثنا، خاصة المواظبة على إقامة الاحتفال بالمناسبات والأعياد الوطنية وفي المستوى الذي تستحقه خاصة في ولاية المدية. بدأ المجاهد عمر باديس، المدعو عمر الجعدي أو النمس أو عمر الرطل، كي لا يكتشفه الاستعمار الاتصال بجيش التحرير الوطني وسنّه 10 سنوات، حيث كان مسؤولو النظام يجتمعون في منزلهم، كما كان على اتصال من منطقة لأخرى بالبسناسية مع بطاش وعبد الرحمان نواري، من 1957 لغاية 1962، لتأمين الدواء والرصاص للمجاهدين، ولم يفوت عمي باديس الفرصة للإشادة بدور الفتيات المجاهدات في الفترة العمرية من 8 إلى 12 سنة اللائي قدمن الكثير للثورة كممرضات. وأوضح بالمقابل، أن الناحية الأولى والثانية والثالثة تضم كلا من مناطق الأخضرية لغاية تابلاط، والخوالد من وادي المالح إلى نواحي الثعالبة بالأخضرية، وبحسبه أن الأماكن الصعبة إبان الثورة كانت شطايبية، فركيوة، بني عمران، الزارع، خوخدة، الرواوة لغاية أولاد عيسى، التي أصبحت منطقة محرمة. مضيفا، أنه جرح وبقي مدة ثلاثة أشهر بالمستشفى، بعدها أخذته الإدارة الاستعمارية إلى السجن، وبعد إطلاق سراحه عاود الاتصال بمسؤولي جيش التحرير الوطني. وختم حديثه قائلا: “يا أولادي اتحدوا وحافظوا على بلدكم وقدسوا العلم والنشيد الوطنيين، وادرسوا تاريخكم، لأن الاستقلال لم يأت مجانا. وأقول للمجاهدين الذين مايزالون على قيد الحياة، أدلوا بشهاداتكم وتحدثوا عن الشهداء الذين ليست لهم قبور وكانوا رفقاؤكم في الكفاح”.