أعلن العسكريون أمس الذين سيطروا على الحكم في موريتانيا وأطاحوا بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، تشكيل ''مجلس دولة'' لحكم البلاد برئاسة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي كان يشغل منصب قائد الحرس الرئاسي، وذلك في أول بيان لهم. وقد أدان الاتحاد الافريقي الانقلاب، كما أدانه كذلك الاتحاد الاوروبي، الذي قال إنه قد يوقف المساعدات المقدمة لموريتانيا، وفي البيان الاول للانقلابيين قالوا إن إقالة الرئيس الموريتاني لرئيس أركان الجيش وقائد الحرس الرئاسي، والذي أعلن في وقت مبكر من يوم الأربعاء، قرار غير شرعي. واستولى جنود من الحرس الرئاسي على القصر الرئاسي واعتقلوا الرئيس الموريتاني، كما قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تعتقد أن مجموعة من جنرالات الجيش قد اعتقلت رئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الواقف. وقالت ابنة الرئيس لوكالة رويترز إن ''مجموعة جنود من الحرس الرئاسي جاءوا الى منزل والدها واقتادوه الساعة التاسعة وعشرين دقيقة صباح أمس بالتوقيت المحلي'' وتوقيت جرينتش. كما قالت تقارير إن العسكريين اعتقلوا رئيس الاركان المعين الجنرال عبد الرحمن ولد بوبكر ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن شهود عيان قولهم إن العسكريين سيطروا على الإذاعة والتليفزيون فيما شهدت العاصمة انتشارا مكثفا للقوات المسلحة. وأظهرت أحدث الصور التلفزيونية القادمة من العاصمة نواكشوط تجمعا كبيرا للمواطنين حول القصر الرئاسي. وقال المتحدث باسم الرئاسة الموريتانية عبد الله مامادوما إن الرئيس محتجز من قبل ''مجموعة من الجنود المارقين في القصر الرئاسي'' . يذكر أن الحكومة المدنية التي كانت تحكم موريتانيا قبل الانقلاب، انتخبت عام 2007 واستلمت الحكم من العسكريين الذين أطاحوا بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع، وكان الرئيس المطاح به قد تولى الرئاسة العام الماضي بعد اجراء أول انتخابات ديمقراطية في البلاد، إلا أنه لم ينجح في تشكيل حكومة ائتلافية متماسكة. وتعتبر موريتانيا إحدى الدول الإفريقية المنتجة للنفط لكن الوضع الاقتصادي للموريتانيين لم يشهد بعد تحسنا ملحوظا. موريتانيا: بلد انتقالي بين بداوة ظاهرة ومدنية قسرية رمال كثيرة هبت على أجواء موريتانيا عموما منذ الانتخابات الرئاسية لعام ,2003 وهي الأخيرة في عهد الرئيس المخلوع معاوية ولد احمد الطايع.لم تكد تمر تلك الانتخابات دونما توترات واضحة كان أبرزها اعتقال أحد منافسي الرئيس محمد خونا ولد هيدالة عشية الاقتراع، واتهام عدد من المعارضين بالتحضير لانقلاب على النظام اعتبره العديد من مراقبي تلك العملية بانه كان مجرد تهمة واهية هي أقرب إلى قصص الأطفال منها إلى سيناريو يضعه سياسيون وعسكريون تمرسوا على فن المناورة والانقلابات. تحت نور قمر إحدى ليالي شتاء عام ألفين وثلاثة كنت أحاور مسعود ولد بلخير أحد المرشحين لمنصب الرئيس آنذاك، توقف الرجل عن الكلام بغتة وإذا بي أراه اطلق ساقيه للريح نحو سيارته. وقفت مشدوها لا أدري ما الذي حصل حتى أبلغني بعض الشهود أن سيارة تابعة للمخابرات كانت تترصده لعلها تختطفه تماما كما فعلت مع ولد هيداله. تذكرت كل هذا وأنا أحاول رصد كيفية تحرك المرشحين التسعة عشر للانتخابات الرئاسية لعام ألفين وسبعة. لم يعتقل أي من المرشحي أو أنصارهم. هذا على الأقل خلال الحملة الانتخابية التي استمرت أربعة عشر يوما. انفتاحالمراقبون يقولون إن الانفتاح بات امرا واقعا من جانب أهل السلطة على مختلف مكونات المشهد السياسي في موريتانيا منذ اطاح العسكر ومن لف لفيفهم، بنظام ولد الطايع صبيحة أحد الايام الأولى من أغسطس عام ألفين وخمسة. المجلس العسكري الذي أفرزه الانقلاب الأبيض تعهد حينذاك على لسان رئيسه علي ولد محمد فال بإعادة السلطة لحكومة وبرلمان ورئاسة مدنية في فترة تقل عن العامين. حتى الآن يبدو ان الجيش وفى بوعده، فأجرى استفتاء على تعديل الدستوري بشكل يجعل صدر مواده يتسع لحرية التعبير والتنافس الديمقراطي والتداول الدوري سلميا على السلطة. أجرى انتخابات بلدية ونيابية قال العديد من المراقبين إنها لا تقل شفافية عن نظيراتها في الجارة الجنوبية، السنغال، والشرقية، مالي. وبالرغم من اتهام بعض المرشحين أفرادا من السلطات العسكرية الحاكمة بالتدخل لدعم هذا المرشح أو ذاك، فإن الحملة تبدو بتقييم المراقبين مستوفية لقدر عال من المعاملة المنصفة لكافة من خاضوا الحملة. لكن العبرة تبقى بالنتائج، وبالقدرة على تنفيذ الوعود التي اوصلت لتلك النتائج، أهم القضايا التي تطرق إليها المرشحون التسعة عشر في برامجهم الانتخابية تكاد تكون متطابقة. فهم يؤكدون على أهمية الوحدة الوطنية في بلد لا يخفى على مراقب أنه متعدد الأعراق ما بين عرب وأفارقة ومن يقف بينهم. وصراع لون البشرة يثور بين الفينة والاخرى بالرغم من قدرة تقاليد وثقافة المجتمع على امتصاص معظمه. في هذا البلد الهوة شاسعة بين من استفادوا من الثراء الذي ظهر في السنوات الاخيرة وبين فئات عريضة كان نصيبها الفقر المدقع والبطالة الواضحة للعيان بالرغم من أن تعداد السكان بالكاد يقترب من الثلاثة ملايين نسمة حسب تقديرات غير رسمية. أثناء تجوالي في أسواق العاصمة نواكشوط بدا لي وكأنه لا شيء تغير، فالدكاكين ما زالت على حالها والنساء المستظلات في سوق العاصمة المركزي بظل الأشجار أو الأثواب التي يبعنها على قارعة الطريق ما زلن في أماكنهن بعيونهم البائسة، والشباب الأغبر شعره برمال الزوابع ما زال يبيع بطاقات إعادة شحن الهاتف هنا وهناك. لا شيئا كثيرا تحقق. لكن بنظرة متفحصة يمكن استشعار التغيير الذي نلمسه في ظهور بنايات عصرية، بعضها شاهق. وتزايد عدد الفنادق وتنوع في مستوياتها. وهي خدمات ظهرت مع تزايد عدد المستثمرين الذين اجتذبتهم خيرات باطن أرض موريتانيا وسواحلها ومياهها الإقليمية. فبعد بدء شركة وودسايد الأسترالية في استخراج النفط من احواض بحرية قبالة سواحل هذا البلد الصحراوي، تلقى المستثمرون الأجانب إشارة مفادها ان البلد يوفر فرصا حقيقية سواء في مجال الصيد أو في التنقيب عن المعادن ومن بينها الألماس والذهب، وهم لا ينتظرون سوى ضمانة لن تتوفر بدون استقرار سياسي يبعد شبح الفوضى والانقلابات عن العمل اليومي لاستثماراتهم. وربما بهذا يجعلون الفائز في الانتخابات الرئاسية ينفذ أحد وعوده، ألا وهو التخفيف من البطالة.لكن هل البلد مؤهل الآن لقطف ثمار الديمقراطية أم أنه بحاجة إلى المزيد من الوقت، بعض المحللين يقولون إن الفترة الانتقالية الحقيقية تبدأ بعد الحادي عشر من مارس أو الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية التي قد تليه. فترة انتقالية لمدة خمس سنوات لعلها تكرس الوضع الانتقالي الذي بدأ في هذا البلد منذ حصوله على الاستقلال عن فرنسا عام 1960 . فالمجتمع الموريتاني ما زال يترنح بين البداوة بقالبها الرومانسي، وبين مظاهر الحضارة التي يدخلها البعض من بابا المضطر. مجتمع انتقاليذهبت على غير موعد للقاء الأمين العام لإحدى الوزارات الموريتانية ذات الطابع الاقتصادي، فكان من الطبيعي المرور عبر سكرتيرته الخاصة، دخلت إلى مكتبها فلم أجد سوى شابة سوداء تطالع شاشة الكمبيوتر بينما قيل لي إن السكرتيرة في المكتب الداخلي، ألقيت نظرة فإذا بالسيدة مستلقية على الأرض تصارع نوما خفيفا رفقة إحدى صديقاتها منظر يمكن رؤيته في بادية موريتانيا وحواضرها، فالسكرتيرة تعتبر المكتب وجهاز الكمبيوتر أمورا لعمل الإدارة الطارئة، أما الممارسات التلقائية لاهل البادية فترافقها وغيرها في كل مكان مهما علا شأنه... هذه هي هويتنا ، يقول احد المعلقين الموريتانيين. هذه التلقائية الملفوفة بغموض خاص تجعل المراقب الغربي والأجنبي بصفة عامة يعجز عن استبيان التوجهات السياسية العامة في البلاد، وبخاصة في الانتخابات. فلا يمكن الحديث عن استطلاعات رأي موثوق من صحتها. إذ إن عوامل قبلية مصلحية تجعل العديد من تكتلات الناخبين تغير ولاءاتها بين عشية وضحاها من هذا المرشح إلى ذاك، تماما كما هو حال الكثبان الرملية المحيطة بنواكشوط، فهي لا تثبت على حال. يضاف إلى ذلك أن الصراع الداخلي بين النزوع إلى حياة الحضر والانشداد إلى حياة البدو، تجعل من الصعب التيقن من ان البرنامج الانتخابي أو القناعة الإديولوجية هي ما يحدد مصير ورقة الناخب. ربما البلد ما زال في وضعية انتقالية قد تحتاج سنينا أخرى، ولا يغطي على ذلك سوى طيبوبة أهل البلد مع الغريب، وحبهم للسلم في ما بينهم.