دون شك يفرض الظّرف المالي والاقتصادي الحالي التّعجيل بالتفكير الجدي والعميق لإيجاد السبل والحلول التي تسمح بإنعاش العملة الوطنية، ومن ثمة الشّروع في العمل على عدة أصعدة، فعلى المستوى النقدي، يجب إطلاق منظومة شرعية بديلة للسوق الموازية، أو شبابيك صرف يجري فيها المواطن والمتعامل الأجنبي على حد سواء تعاملاته من اقتناء وتبديل للعملة في جو تسوده الثّقة والشّفافية، من أجل امتصاص السّوق الموازية، على اعتبار أنّه يتداول فيها كتلة نقدية معتبرة، تضرّ بقيمة الصّرف المعتمدة في البنوك الرّسمية. وعلى صعيد آخر، حان الوقت لاغتنام الفرصة لتحريك الجهاز الإنتاجي، خاصة أنّ الدولة ضخّت استثمارات معتبرة، وأرست منظومة تحفيزية من امتيازات عقارية وجبائية. وخير دليل على كل ذلك، قانون المالية لعام 2016 الذي خصّص للمؤسّسة الإنتاجية تسهيلات كبيرة، حتى تتفرّغ لنشاطها الاقتصادي ورهانها التّنموي، وأحيانا على حساب القدرة الشرائية للمواطن الذي يحقّ له أن يجد من المؤسسة الجزائرية سواء كانت عمومية أو خاصة تعويضا لما تنفقه الدولة في استثماراتها القاعدية وتحفيزاتها العديدة، عن طريق طرح خدمات وسلع ومنتجات ومواد ذات تنافسية بأسعار معقولة ومؤهّلة للتّصدير. وفي الجانب الاستعجالي، يمكن القول أنّ القطاع السياحي بات اليوم قادرا في المدى القريب على توقيف الصّدمة السّلبية التي تكبّدها الدينار الوطني، من خلال تنمية استقدام وجلب السياح الأجانب والمغتربين ومعهم العملة الصعبة، لكن شريطة أن يجدوا خدمات في مستوى شروط سوق السياحة العالمية. وعلى صعيد الاستثمار، يتاح بالنظر إلى الإمكانيات البشرية الذكية، الانخراط في مسعى الاستثمار في اقتصاد المعرفة، حيث توجد ما يصطلح عليه بسياحة الأعمال الحقيقية التي تنتهجها العديد من الدول. وكل ذلك من شأنه أن يعجّل باختفاء السوق الموازية للعملة. وممّا يجب أن يفكّر فيه كيفية الاستفادة من قدرات الجالية الوطنية بالخارج، حيث بالإمكان استقطاب نسبة كبيرة من مواردها النقدية بالعملة الصعبة، من خلال طرح برامج خاصة بالمهاجرين مثل السكن والاستثمار والسياحة وما إلى غير ذلك، ويمكن أن يتم في هذا المقام إصدار سلسلة من الإجراءات لفائدة الجالية الوطنية بالخارج حتى تفضّل تحويل أموالها إلى الوطن الأم و إيداعها بالبنوك الجزائرية، ويتسنّى لها أن تبني وتستثمر وتدخّر، مع إعادة ترشيد السّلوكات التي تستهلم العملة الصّعبة وتوقيف ظاهرة لجوء البعض إلى حيل التهريب خارج الوطن، والتوجه نحو تنمية الادخار الوطني للعملة الأجنبية بسواعد الجزائريين ومواردهم التي جنوها بالخارج أو من خلال التّصدير لمنتجاتهم. وكل هذا يتطلّب بلاشك إصلاحات بنكية دقيقة وعميقة، ممّا يسمح بإعادة الثقة بين المواطن ومؤسّساته المصرفية، التي وحدها تستطيع اختزال الإجراءات والتحفيزات التي يمكن أن تطرح وتعزّز الأداء في الواقع. لذلك فان إنعاش قيمة الدينار الجزائري في الوقت الراهن في المتناول، وصارت العوامل التي تفرض الرفع من قوّته متاحة، ولعلّ تظافر الجهود ووعي المواطن والمنتج والمغترب والمتعامل الاقتصادي، ومعه مرونة البنوك وتشجيع سياسة استقطاب الادخار كفيل بتغيير وجهة الدينار إلى منحى تصاعدي.