مثقفون يقيّمون سنة من النشاط ل «الشعب» عاشت قسنطينة على مدار العام حركية وانجازات في تظاهرة عاصمة الثقافة العربية. وهي تظاهرة اختتمت الاسبوع الماضي مسّلمة المشعل لمدينة صفاقس التونسية لاستكمال المشوار. ودعت مدينة الجسور، التظاهرة العربية التي كانت سنة ثقافية حافلة بالانجازات غيرت ملامح سيرتا وأعادت لها بريقها الثقافي والتاريخي ومجدها. عمليات كبيرة أعادت الاعتبار لأحياء المدينة العتيقة، لتعيش على وقعها المدينة حالة سباق مع الزمن لإعادة هيكلة المدينة وتحضيرها من كافة الجوانب لتنتعش المدينة ثقافيا، فنيا، مسرحيا، سينمائيا. «الشعب» تعود الى هذه الورشة الكبرى في وقفة تقييمية. ارتدت قسنطينة حلة التبادلات الثقافية بين الدول العربية والغربية ونجحت في تقديم وتسويق التراث المحلي والوطني للعالم العربي، وذلك من خلال تنظيم 48 أسبوعا ثقافيا جزائريا،11 أسبوعا ثقافيا عربيا، 18 أسبوعا ثقافيا أجنبيا. شهدت المدينة مشاركة ولايات الوطن وأكثر من نصف العواصم العربية بالإضافة إلى أسابيع البلدان الصديقة لأكثر من 15 بلدا أجنبيا أولها إيران وباكستان وآخرها الولاياتالمتحدة . هذه الأسابيع التي تركت انطباعا جيدا لدى سكان المدينة وكذا ضيوف التظاهرة العرب والأجانب تمازجت عبرها الثقافات والعادات بين الشعوب العربية، وكذا الغربية على غرار الهند، الصين وغيرها من الثقافات التي أضافت نكهة متميزة للأسابيع المنظمة من طرف الديوان الوطني للثقافة والإعلام الذي كان يسهر دائما على نجاح هذه الفعاليات. تضمن البرنامج 12 معرضا وطنيا ودوليا للفنون، نشر أكثر من 1000 كتاب ، تنظيم أكثر من 180 حفل موسيقي، 36 عرضا باليا وطنيا، 3 مهرجانات رقص، تسجيلات للتراث الموسيقى يشمل 36 قرصا مضغوطا حول موسيقى المالوف، تنظيم 17 ملتقى دوليا ووطنيا آخرها كان حول الفكر الإصلاحي، فضلا عن إنتاج 14 فيلما سينيمائيا. قاعة «احمد باي» هيكل ثقافي مشّع استفادت قسنطينة من تجهيزات هيكلية جديدة في مقدمتها قاعة «أحمد باي» الكبرى التي تعتبر مكسبا هاما خصوصا والجزائر عموما، باعتبارها الأولى من نوعها على المستوى الوطني والثانية على المستوى الإفريقي والتي تتسع ل 3000 مقعد من بينها 1000 مقعد متنقل وأخرى قابلة للطي، الشيء الذي يعطي الإمكانية لتغيير شكل القاعة ويؤهلها لاحتضان مختلف العروض لتمتد الخشبة على مساحة 600 متر مربع مع إمكانية حجب أجزاء منها وفتح أخرى، حسب الضرورة، أين احتضنت بحكم ضخامتها وتقنياتها العالية معظم الفعاليات الثقافية المبرمجة ضمن التظاهرة. كما غيّرت الهندسة المعمارية الجديدة التي هيئ بها قصر الثقافة محمد العيد آل الخليفة والمنظر العام لوسط المدينة حيث ساهم في احتضان عديد المعارض والملتقيات الثقافية، هذا إلى جانب الهياكل والصروح المهيأة حديثا في إطار الحدث، أين لعبت هي الأخرى دورا بارزا في احتضان عشرات الفعاليات الدولية والوطنية التي أقيمت و لأول مرة بالمدينة. كانت الصروح بمثابة مشاهد ثقافية جديدة عزّزت من الحراك الثقافي والفني بمدينة يشهد لها الجميع بتميزها وانفرادها، وضخّت بموجب التظاهرة انتاجات جديدة أثرت المشهد الثقافي والحضاري منها، قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة و مالك حداد، المسرح الجهوي، فبعد الانطلاقة الكبرى التي وقعتها «ملحمة قسنطينة» عرضت خلالها خمس حقبات من تاريخ المدينة ما قبل التاريخ، حيث ارتبط نجاح التظاهرة بنجاح الانطلاقة الباهرة وقبلها الانطلاقة الشعبية التي كانت هي الأخرى مشهدا آخر من مشاهد النجاح الباهر وسط التفاف شعبي ضخم وهائل جعل من الوفود الرسمية تنحني احتراما لما شاهدوه مثلما ورد في شهادات مثيرة. أكد الدكتور «بدر الدويش»، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة و الفنون و الآداب بدولة الكويت ل «الشعب»، أن قسنطينة وفِّقت في تنظيمها لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية وكسبت الرهان، المدينة تستحق اللقب عن جدارة واستحقاق. من جهته، اثنى سفير دولة قطر «ابراهيم الشهلاوي» على التنظيم والإخراج الجيد الذي غطى على المشككين في الوقت السابق والذين شككوا في قدرة الجزائر على تنظيم التظاهرة الكبيرة و القائمين عليها قدموا الكثير من الوقت والجهد. الأوركسترا الوطنية تحدث التميز وبرامج فنية تصنع الحدث سنة ثقافية عربية تتطلب الحديث المفصل عن برنامج طويل وكثيف حيث لم يترك القائمون على هذه التظاهرة، أي جانب يتعلق بجوانب الثقافة إلا وخاضوه بكل ثقة سيما وأن وزارة الثقافة و بتوجيهات زمن رئيس الجمهورية السيد «عبد العزيز بوتفليقة» حرصت على تكريس كل ما من شأنه أن يضفي النجاح على التظاهرة العربية للبرنامج العام الذي شمل أسابيعا للصناعات التقليدية العريقة ومهرجانات و معارض حول الموسيقى والصوفية في العالم الإسلامي و المعارض الفنية التي عرضت إبداعات أشهر الفنانين التشكيليين وفي مقدمة النخبة التشكيلية الفنان والمؤرخ «صادق أمين خوجة». هناك صالونات للنحت الجزائري، مهرجانات للشعر العربي والأدب، الفن، الموسيقى الكلاسيكية الراقية، حيث شاهد الجمهور ولأول مرة روعة الأوركسترا السيمفونية الوطنية التي قدّمت ثلاث حفلات، الأولى بعنوان: سيمفونية الوئام والثانية سيمفونية المالوف، أما الثالثة فكانت «سيمفونية الجسور» بالصرح الأثري نصب الأموات أعالي مدينة قسنطينة. هذه الأوركسترا الوطنية التي تناغم معها سكان المدينة الأثرية بقيادة المايسترو القدير «أمين قويدر» وجملة من الفنانين الذين جسدوا لوحات سيمفونية رسخت بأذهان الجمهور القسنطيني المتذوق الذي اعتاد التظاهرات الثقافية التي أخرجته من الجو الروتيني الذي عاشت فيه قسنطينة عقدا من الزمن، وأعادت «سيرتا» إلى واجهة الساحة الفنية والثقافية العربية والعالمية بعد سنوات من الركود عصفت بمكانتها كمعقل لأهل العلم، الفن والثقافة.
المسرح الجهوي ينتعش بإنتاج 100 عمل مسرحي متمّيز لعب المسرح الجهوي بقسنطينة دورا هاما في إنعاش فعاليات التظاهرة الثقافية العربية، حيث عرضت خلال السنة الثقافية أكثر من 100 عمل مسرحي مع إنتاج 24 عملا فنيا جديدا فضلا عن الإنتاجات السينمائية الجديدة التي تنوّعت ما بين الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة والتي كان منها فيلم وسط الدار، جسور قسنطينة، لو نحكي، خفايا قسنطينة، فيلم نجمة، فيلم البوغي وغيرها من الإنتاج الفني، فضلا عن الحفلات الفنية التي ميّزت التظاهرة العربية التي جلبت العديد من الوجوه العربية من فنانين مطربين وإعلاميين كان من بينهم صابر الرباعي، وائل جسار، رويدة عطية، ديانا كرزون، رضا العبد الله، غادة رجب، محمد عساف، سعد رمضان، الحفل العربي الذي خصّ تكريم الراحلة «وردة الجزائرية التي غنى لها عدد كبير من المطربين العرب بركح قاعة أحمد باي، ليلهب الكينغ خالد القاعة، أين أبدع في حفلتين اعتبرتا من أنجح الحفلات الفنية بالتظاهرة و غيرهم من الفنانين الجزائريين الذين مروا بالتظاهرة وتركوا انطباعات جيدة عن المدينة وعن سكانها. أعلام ومثقفون بمدينة «سيرتا» يعلقون بإيجابية على التظاهرة تحدّث الكاتب والإعلامي، مدير مسرح قسنطينة «محمد زتيلي» ل «الشعب»مقيّما التظاهرة: «أهمية تظاهرة قسنطينة 2015 لا تكمن أبدا في البرنامج الثقافي والفني بقدر ما تكمن في الهياكل والمنجزات القاعدية سواء تلك التي اكتملت أو التي هي في طريق الإنجاز والتي أخرجت قسنطينة من وضع مأساوي كانت عليه، وفتحت أمامها إمكانية التطلع لمستقبل أفضل. فتجديد المسرح الجهوي بصورة لم يعرفها منذ الاستقلال قد أعطاه فرصة العمل لسنوات طويلة قادمة بطريقة مريحة، كما أن تجديد دار الثقافة مالك حداد قد أخرجها من حالة فوضوية مشوّهة إلى وضع مشرف يمكنها من العمل بمرافق كاملة بناية وتجهيزا، ونفس الأمور يقال عن قصر الثقافة محمد العيد خليفة الذي خرج من حالة اللامعنى إلى قصر للثقافة بفضاءات ومكتبة وإدارة وقاعات للمعارض والعروض والندوات والملتقيات الكبرى، في حلة جميلة تليق ببناية تتوسط مركز مدينة العلم والعلماء وعاصمة الشرق الجزائري». أضاف زتيلي في رصد انجازات أخرى قائلا: « لا ننسى ذكر الملاحق الستة لدار الثقافة في الدوائر التى استلم بعضها والبقية تكتمل عندما ينتهي تشييدها بطريقة غير متسرعة، أما المرافق الثقافية الأخرى فهي عديدة نتمنى أن يتم التكفل بمتابعة إنجازها بعد انتهاء السنة الثقافية 2015، وبخاصة المكتبة الحضرية بباب القنطرة وقاعات السينما التي ظلت النقطة السوداء في الحصيلة.» ..محافظ التظاهرة «سامي بن شيخ لحسين» أكد «سامي بن الشيخ» محافظ تظاهرة «عاصمة الثقافة العربية 2015» أن قسنطينة محظوظة باحتضان التظاهرة العربية هذه التي مكنتها من تجديد منظرها العام وتجسيد هياكل ثقافية استراتيجية، واحتضنت فعاليات ثقافية عربية أوربية شكلت من خلالها فضاء ً حقيقيا للتبادلات الثقافية من خلال البرامج المبرمجة التي تم انجاز منها حوالي 99 بالمائة من برنامج هذه التظاهرة، وفي كافة أطراف هذه التظاهرة (مسرح، سينما، نشر وعرض). مضيفا، يقول، انه تم انجاز 15 فيلما وتنظيم 22 معرضا منذ 16 أفريل 2015، تاريخ انطلاق التظاهرة التي عرفت مشاركة العديد من البلدان العربية والغير العربية، سيما إيران و هولنداوالولاياتالمتحدة. كما أكد محافظ التظاهرة على أهمية المجتمع المدني في خلق حركية ونشاط بالهياكل الثقافية قائلا: إن «أحسن الهياكل تنبع من النشاط» وهو ما يشترط تفعيل الهياكل الثقافية، وأن الرهان القائم هو في ما بعد قسنطينة 2015 والذي ستكون فيه قسنطينة على موعد آخر من المناسبات والتظاهرات الثقافية التي ستحتضنها لما لها من قاعات ومرافق ثقافية كبرى تجعلها في صدارة الولايات. مدير الصناعات التقليدية.. انتعاش حرفي من جهته، أكد مدير الصناعات التقليدية السيد «نصر الدين بن عراب» أن قطاع الصناعات التقليدية شارك بقوة من خلال التظاهرات الحرفية التي نظمتها المديرية والتي ضمّت حرفيين من كافة القطر الوطني والتي كانت فرصة لهم للتعريف بالتراث الجزائري، وكذا الاحتكاك الثقافي حيث جسدوا من خلالها حرفهم وصناعاتهم وفق صالونات عرض، أبهرت ضيوف التظاهرة العرب والأجانب على حد سواء، حيث تم تنظيم عدد من الصالونات الحرفية غداة الافتتاح الرسمي، منها الصالون الوطني للصناعات التقليدية وكذا أسابيع ثقافية حرفية قدّمت خلالها تراث الجزائر للعالم العربي والمحلي وحضرت بقوة وثراء القطاع، مؤكدا على أنه تم إبراز الصناعة والتراث لإعطاء المكانة اللائقة بالنسبة للصناعات التقليدية التي تعرف تقدّما دائما. مديرة «قصر أحمد باي».. نتمناها عاصمة أبدية مديرة قصر أحمد باي السيدة «شادية خلف الله»، أشادت بنجاح التظاهرة الثقافية العربية وذلك من جانبين، جانب المرافق والهياكل وكذلك التواصل الإنساني وهو ما جسد لدينا بقصر أحمد باي الذي يعتبر، حسبها من المعالم المهمة جدا بقلب المدينة، فخلال هذه السنة الثقافية تضاعف عدد زوار القصر وكذا المدينة بكل تراثها وتاريخها وأثارها الفريدة من نوعها عبر العالم، وهذا كله بفضل التظاهرة الثقافية التي فتحت المجال للتعريف بتاريخ الدول العربية، وكذا التجانس والتناغم بين التراث الجزائري والعربي، فالقصر على سبيل المثال كان وجهة لإقامة المعارض بصفة متباعدة ومتقطعة، أصبح اليوم فضاءً ثقافيا متواصلا، حيث أن آخر معرض سيتم بموجب برنامج التظاهرة الفروسية والفنتازيا الجزائرية ومعارض أخرى على غرار معرض التصميمات وكذا التراث، وهو الأمر الذي يخدم القطاع، لأن هذا النوع من التظاهرات تفتح المجال لإخراج تاريخ مدينة قسنطينة إلى البلدان العربية، وقسنطينة نجحت في تنظيم التظاهرة الثقافية ونجحت خصوصا في جلب عشاق التاريخ والآثار والثقافة وكسبت الرهان في التفوق على المشككين بنجاحها.