يشخّص الدكتور سعدان شبايكي رئيس الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين في هذا الحوار الحصري المؤشرات الخاصة بالاستثمار المنتج ويحدّد العناصر الجوهرية لجلب الرأسمال الوطني والأجنبي إلى السوق الاستثمارية. كما يدحض ادعاء البعض بأن القاعدة 51 / 49، تعيق الشراكة مبرزا أنها أساس القرار الاقتصادي المستقل الذي لا يزال للقطاع العام دور فيه. كما يؤكد برؤية الخبير ضرورة انتهاج خيارات شراكة أجنبية متنوعة ومتعدّدة لحماية الاقتصاد الوطني بكافة مكوناته من انعكاسات سلبية تنتج عن مواقف وحسابات لبلدان لا تزال تعتبر الجزائر مجرد سوق استهلاكية. وفيما يلي نص الحوار: الشعب ما هو تشخيصكم للمؤشرات الراهنة ذات الصلة بالاستثمار المنتج؟ سعدان شبايكي بالرغم من أن كل المؤشرات تدل على أن الاستثمار في تزايد نسبي إلا أن ذلك لم ينعكس على التنمية بشكل مباشر، لأن هذا الاستثمار يتصف بما يلي: أغلب المؤسسات المنشأة عائلية ولا تشغل بالتالي إلا النزر القليل من العاملين ومن ثم فإن المساهمة بالتالي في القيمة المضافة وطنيا لا تزال دون المأمول يتم الاستثمار في مجالات دوران رأس المال فيها سريع أي أن البحث على العائد السريع ما يزال يطبع ممارسة المستثمرين الخواص في هذا الصدد. الأموال المستثمرة أغلبها عمومية وكان حريا بالدولة أن تستثمرها مباشرة أو تفرض استثمارها في مجالات محدّدة طبقا لسيادتها على المال العام. القطاع الخاص منقسم أيضا طبقا للمشهد الحاصل في الساحة فهناك جزء كبير من الخواص ما زالوا مترددين بينما يتطلب الظرف انخراط كل القدرات الوطنية في معركة بناء اقتصاد جديد يرتكز على العمل والابتكار والتكامل. تطوير الإدارة وإدخالها عالم الرقمية ماذا ينبغي القيام به للرفع من نجاعة المؤشرات قصد جلب الرأسمال الوطني والأجنبي؟ المستثمر الأجنبي يريد ما يلي: - تعزيز مناخ الاستقرار أي إعطاء صورة سياسية من الأحزاب والقيادة والمجتمع المدني بأن الإستقرار ظاهرة تطبع كل مناحي الحياة وللأسف هناك من أبناء الوطن من يريد تسويد صورة بلده لأتفه الأسباب. - تطوير الإدارة وإدخالها عالم الرقمية لأن التعاملات الاقتصادية عبر العالم ترتكز على التكنولوجيات الحديثة. - الاستثمار في الموارد البشرية لتوفير اليد العاملة التي يتطلبها الاستثمار الأجنبي. - اعتماد سياسة تخفيض التكاليف في المنتجات الوسيطة لكي يستهلكها المستثمر الأجنبي ولا يلجأ إلى استيرادها من الخارج. - بيع السلع بكلفها على الأقل لآن الدولة التي تبيع منتجاتها بأقل من كلفها ستكون مطمعا للمغامرين. حماية القطاعات الاستراتيجية هل تمثّل قاعدة 51 / 49 إعاقة للاستثمار بالشراكة، علما أن مشاريع عديدة نجحت ضمن تفعيل هذا الشرط؟ لا تشكّل هذه القاعدة أي عائق أمام الاستثمار الأجنبي بل هي ورقة لابد من الإبقاء عليها خاصة في المجالات الإستراتيجية حتى لا تتكرّر قضية جازي وقضية الحجّار، أي أن الجزائر بخواصها وقطاعها العام يجب أن تكون لها السيادة بسبب أن هشاشة الاقتصاد ونقص الذكاء واليقظة الاقتصاديين يمكن أن تعرّض الاقتصاد لهزات ومثلما أشرتم فإن تجارب الشراكة طبقا لهذه القاعدة أعطت نتائج ايجابية رغم بعض النقائص التي كان يمكن تفاديها. القطاع الخاص يريد تنازلات مبالغ فيها الشراكة الوطنية لا تزال محدودة، لماذا، وهل جانب الثقة مطروح؟ نعم عامل الثقة ما زال مطروحا على اعتبار أن الدولة تمد يديها عبر تصريحات المسؤولين فيها شفاهيا إذ لم تظهر نصوص ترسّم التعاون عمومي - خاص، بشكل واضح وتضمن الحقوق والواجبات لكلا الطرفين، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص يريد تنازلات مبالغ فيها أحيانا تنصرف إلى مزيد من حرية النشاط الاقتصادي الداخلى والخارجي بدعوى متطلبات الاستثمار إلى جانب المزيد من الإعفاءات الضريبية وبناء عليه، فإنني أرى أن الإيهام بأن القطاع يمكن أن يلعب دورا تنمويا في الجزائر هو نوع من الترف الفكري ليس إلاّ. إن وضع اقتصادنا الذي يتميّز بغياب جهاز إنتاجي متمفصل يفرض أن تقود الدولة مسيرة التنمية إلى حين توفر النضج المجتمعي الذي يفرض ساعتها دخول كل الإرادات الجادة في عملية تنمية البلد أكثر. غير أنه لا يمكن تجاهل أن توجد مؤسسات خاصة يمكن أن تشكّل قاعدة للوبي اقتصادي وطني ضروري مثل المعمول به في كل أنحاء العالم. البنوك مطالبة بأن تدخل السوق الاستثمارية في مشاريع إنتاجية؟ نعم البنوك مدعوة إلى اعتماد المعايير الدولية في التسيير وعرض نتائجها والدخول في كل عمليات الاستثمار المتاحة ما دام الاعتماد على البنوك الخاصة قد أثبت أنه أمر لا يزال لا يمكن أن يقدم بديلا بسبب كل الفضائح التي حصلت. والبنوك مدعوة أيضا إلى الانتقال من بنك شباك إلى بنك تعبئة ادخار وبنك استثمار تعبئة الادخار عبر التسويق الجيد لخدماتها والصدق فبالتعامل بالسرعة في الوقت والمكان المطلوبين أي باختصار الخروج من الرداءة إلى عالم التسيير الحديث. تنويع مسارات الشراكة بديل أيضا لتفادي الوقوع في قبضة وجهة أجنبية واحدة؟ هذا صحيح، لأن عدم تنويع المسارات من شأنها تضييق الكماشة على البلد مستقبلا ولذلك، فإن تنويع المستثمرين الأجانب أمر لابد منه وأنا ألاحظ أن التعاون مع فرنسا مثلا لابد من توخي الحذر منه، لأن هناك مؤشرات تقول إننا متجهين إلى أزمات مع هذا البلد لأسباب عديدة تاريخية وسياسية وثقافية، وبالتالي فإن الحذر يفرض فتح طرق ومنافذ نجدة أخرى مع الإبقاء بطبيعة الحال على الحالية ومن جهة أخرى، فإن الشراكة لابد أن تكون في الاتجاهين طبقا لقاعدة «رابح - رابح» على اعتبار أن إمكانيات الجزائر مقارنة مع دول خاصة الإفريقية يمكن أن تدر عليها عائدات مالية معتبرة.