أوصى أن يدفن في المكان الذي ولد فيه صاحب مقولة «الشعب المثقف لا يستعمر» كان من الرعيل الأول المستفيد من التكوين في الصناعة السينمائية ما زلت أتذكر جيّدا ذلك اليوم الحزين، الذي صادف الفاتح من ماي، وما يحمله هذا اليوم من دلالة ... عين الباردة المدينة الهادئة تتشح بلون السواد، مستها مسحة من الحزن، ظلت بادية على وجوه معظم قاطني هذه البلدة، استحضرت وقتها يوم وفاة المستاش بومدين، وما بقيّ في الذاكرة من ألم وحسرة وحيرة الطفل الذي كنته، جموع غفيرة من النّاس على اختلاف أطيافها تنتظر وصول نعش العسكري الذي سكن القلوب بتواضعه طيبته الغريبة، مات الذي كان يحتضن كل قادم للعاصمة من منطقة عنابة وما جاورها مات البطل الأسطوري الذي لا يموت. أطلقوا عليه اسم سيّد الكرم والجود والعطاء، شباب المنطقة كلهم يكنون له المحبة ويستكثرون خيره فهو الذي احتضنهم وتبنى مشاكلهم وكان واسطة الخير بينهم وبين أصحاب القرار...هكذا حدثي بعضهم يوم الجنازة، وفي ذكرى وفاته الأولى. الممثل سمير في فيلم «المفيد» ابن أخت الفقيد: الممثل سمير وهو ابن أخت عمار العسكري الذي أسند له دور الطفل في فيلم «المفيد» لمّا سألته عن سرّ دفن المرحوم بمقبرة سيدي بوضياف، أجابني: أنّه بناء على وصية أوصانا بها، أراد أن يدفن في المكان الذي ولد فيه وتعلّق به، وارتباطه الروحي بأخته التي كان يزورها كل عشرين يوما على أكثر تقدير، إن لم تكن عنده ارتباطات مهنية أو سفر للخارج...كما كان يزور مدينتي الذرعان وشيحاني أين يلتقي أصدقاء الكفاح من بينهم الدكتور بحري أحد المثقفين يكتب الشعر بالفرنسية، والدكتور نوري الذي اكتشف مرضه.... حافظ على الذاكرة التاريخية لقائي ببعض أصدقائه هذا الأسبوع مكّنني من الوقوف على بعض النقاط والأفكار سأوجزها فيمايلي: هناك من يؤكد أنّه حافظ على الذاكرة التاريخية عندما أنجز عدة أعمال ثورية على شاكلة دورية نحو الشرق هذا الفيلم الذي فتح له مجال الشهرة على مصراعيه وأسكنه قلوب الملايين فكانت صرخة «أو عليكم من قالمة « هي الدوى الذي سمع صداه كل من أحس بالخطر الداهم. المرحوم نقل بصدق كبير تضحيات السلف إلى الخلف، وعرّف بعظمة الثورة التحريرية الكبرى وجسّد تضحيات الآباء من أجل أن يعيش الأبناء حياة العزة والكرامة. يغلب الطابع الثوري التحرري على أفلامه لأنها كانت مرتبطة بالماضي القريب، وباعتبارها أهم فترة في حياة العسكري الذي حارب بالصورة والصوت. المجتمع العنابي البسيط بصفة عامة لم يصدق خبر وفاة المخرج، لأنه كان ينتظر منه إنجاز أشرطة تصوّر العشرية لسوداء بنفس القوّة الفنية التي صورت بها الحقبة الاستعمارية وجرائم فرنسا. المعظم بينه وبين نفسه رفض توقف آلة العطاء والإبداع، كانوا يرونه هو السينما ولا شئ بعده، رسخ في الذاكرة الجماعية ومن الصعب نسيان إنجازاته التي نشاهده الآن كأنها صورت حديثا. وعد عمار العسكري بإنجاز فيلم أو شريط يؤرخ لحياة المفكر فرانز فانون كان ذلك أثناء حضوره للملتقى الثاني، ملتقى فانون الذي نظمته مديرية الثقافة واحتضنه المركز الجامعي بالطارف، هذا المشروع لم ير النّور لأسباب مجهولة. وإن كان البعض يردّها إلى غياب الدعم المالي المادي، وعدم تفعيل مؤسسة زهرة اللوتس التي تبنت المشروع مع مؤسسة فرانز فانون التي كان من المنتظر أن يرأسها الإبن اوليفيي فانون، لم تر النور هي الأخرى. العقيد بن عودة هو الآخر تكلم عن العسكري أثناء الاحتفال بعيد النصر والذي احتضنت فعالياته جامعة الطارف مارس 2016، وقد تمّ تكريم عائلة العسكري من طرف متحف المجاهد، بن عودة قال، أنه أول من أرسل الشباب إلى الخارج للاستفادة من تكوين عال في مجال السمعي البصري وتقنيات الصناعة السينمائية ومن بين الذين استفادوا، عمار العسكري، الذي كان ينتظر منه إنجاز أشرطة تخلّد بطولات القاعدة الشرقية لا بطولات الأشخاص، وتسليط الضوء على كيفية وصول الدعم اللوجستي الذي كان يطعّم الثورة من الجهة الشرقية، رحم الله الفقيد الذي عاش بسيطا ودفن مع البسطاء من أبناء بلدته الباردة، رحم الله صاحب مقولة « الشعب المثقف لا يستعمر».