اعتبر أمس الدكتور صالح سعود من جامعة الجزائر، أن فرنسا التي وصلت في مرات ثلاثة إلى قمة الهرم العالمي، فشلت في الحفاظ على موقعها هذا في الوقت الراهن لاعتبارات داخلية وأخرى خارجية. وأوضح صالح سعود الذي نزل ضيفا على جريدة ''الشعب'' لتنشيط ندوة بعنوان السياسة الخارجية الفرنسية لساركوزي أن فرنسا ورغم ما تزخر به من إمكانيات هامة لا تستطيع تحقيق أمنها الداخلي منفردة، لذا ذهبت تبحث عن تكتل جهوي وإقليمي للمحافظة على هذا الأمن، ضمن ما أطلق عليه المحاضر بالمتغير الخارجي الذي أهّل فرنسا احتلال المرتبة الخامسة عالميا من حيث قوّتها والرابعة اقتصاديا، ومع هذا يضيف نفس المتدخل لا تزال فرنسا ترغب في إيجاد إمكانيات تسمح لها بتوفير سبل تحقيق أهدافها في عالم التكتلات الاقتصادية، والمنطقة الأكثر تأهيلا للتحكم في العالم تبقى منطقة الشرق الأوسط، ومع عجزه على إقناع دول المنطقة ببناء شرق أوسط قوي، طرح ساركوزي نفسه كبديل لإنشاء اتحاد شرق أوسطي جديد. وللمشاركة في إدارة الإتحاد تبنى ساركوزي سياسة تفكيك الخلاف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وتهدئة التوتر في المنطقة وتبني نفس محاور السياسة الأمريكية، ومن بينها إعادة ما أطلق عليه صالح سعود، بالقوسين المتقابلين من الجنوب إلى الشمال الذي يضمّ مابين دوله كل من الجزائر والمغرب. وفي تدقيقه للسياسة الخارجية الفرنسية لساركوزي، بدأ المحاضر بالقضية الفلسطينية، حيث أكد في هذا الصدد، أن كل الدلائل تشير إلى أن فرنسا لا تريد التصادم مع أمريكا ولا مع الاتحاد الأوروبي ولا مع الدول المجاورة لفلسطين، لكنه ألحّ على عدم نسيان موقف ساركوزي الواضح والمؤيد للكيان الصهيوني ويقترح مؤتمرا دوليا رغم قناعته بعدم طرح حل مناسب لقضية فلسطين. أما موقفه من سوريا، فقد أشار الدكتور إلى أن علاقات البلدان كانت مبنية في السابق على الروابط الشخصية بين قادة الطرفين، وأثناء حملته الإنتخابية زار إسرائيل ولم يزر أي دولة مجاورة لها، تعبيرا عن انحيازه لها. وعندما انتقل إلى الملف السوداني، اعتبر المحاضر أن فرنسا تميل إلى الموقف الأمريكي وإلى التشدد مع السودان بعد تخليها عن مواقفها السابقة تجاه هذا البلد، إضافة إلى تأييد خطف الطائرة إذا كانت تقل الرئيس السوداني عمر البشير، والعمل على احتواء المعارضة في السودان، مذكرا بأن لفرنسا مصالح استراتيجية مع بعض الدول مثل التشاد، بعد تخلي ليبيا على مواقفها تجاه الدول العربية واهتمامها بالدول الإفريقية. أما الملفات الأخرى في المنطقة، مثل الملف اللبناني، أو النووي الإيراني، فإن ساركوزي يفضل تأييد الموقف الأمريكي والعمل في فلكه ووجود القاعدة العسكرية الفرنسية في الإمارات من أجل العمل على وقف بؤر التوتر في المنطقة، لكن المحاضر يرى بأنها في خدمة أمريكا أكثر من خدمة فرنسا. لم يجد الدكتور صالح سعود من وصف علاقة فرنسا بتركيا سوى بالعقدة التي تؤرق الرئيس ساركوزي، حيث أكد في هذا المحور على أن بناء علاقات متميزة بين أوروبا وتركيا تضرّ بالمصالح الفرنسية وهو نفس النهج الذي سار عليه سلفه، وأكثر ما يهدد مصلحة فرنسا هو العامل الديموغرافي كون فرنسا تحتل حاليا المرتبة الثانية ب63 مليون نسمة بعد ألمانيا ب82 مليون نسمة، وقد تفقد هذه المرتبة لصالح تركيا التي تضم 71 مليون نسمة، هذا الاختلال في التوازن الديموغرافي لصالح تركيا سيؤثر مباشرة على صنع القرار الأوروبي الذي يتم عن طريق الانتخاب. ويضع المحاضر بعض السيناريوهات المحتملة في سياسة ساركوزي الخارجية، منها أن هذا الأخير الذي يدعو إلى السّلام لا يطرح أي سياسة لبلوغه، لذا فإنه يفضل تأييد السّلام بالمفهوم الأمريكي في الشرق الأوسط، وتأييد سياسة الفوضى التي تحاول أمريكا خلقها في المنطقة العربية من أجل الحفاظ على مصالحها ومصالح إسرائيل والدول الكبرى. تطمح فرنسا إلى وضع مقومات سياستها الخارجية لكنها لا تملك وسائل تطبيقها وبالتالي التحكم فيها، ولا تزال فرنسا حسب المتدخل تتلقى الخسارة تلو الأخرى في منطقة الشرق الأوسط أمام الزحف الأمريكي، ويستدل بذلك بالملفات الساخنة العراقية، السودانية، اللبنانية والفلسطينية... وبعد فشل المشروع المتوسطي، طرحت فرنسا بديلا عنه وهو اتحاد الشرق الأوسط، لكن مآله الفشل، لأن ساركوزي لن يصمد كثيرا وستطيح به التناقضات الفرنسية الداخلية والفشل الذي مني به خارجيا وداخليا على حد الاستنتاج الذي خلص إليه المحاضر.