هذا ماحاول الدكتوران عبد الحميد بسعة وصالح سعود الإجابة عليه في النقاش الثري والبناء الذي احتضنه مركز ''الشعب'' للدراسات الاستراتيجية.. ولابد من التأكيد هنا بأنه منذ مجيء أو تولي ساركوزي مقاليد السلطة في فرنسا عمل جاهدا من أجل أن يمحو ما كان يعرف عند سابقيه وخاصة ديغول، التموقع بعيدا عن الولاياتالمتحدة في سياستها الخارجية، وعدم مسايرة توجهاتها على صعيد العلاقات الدولية، كونها سببت متاعب جمّة للشعوب التواقة للعيش في كنف السّلم والأمن الدوليين. ساركوزي تحدى الجميع من خلال خياراته الفردية والإنفرادية التي أعادت فرنسا إلى التحرّك في هامش الدول التي سارعت إلى الدوس على أحكام القانون الدولي.. من خلال توزيع تهم باطلة على العديد من البلدان في هذا العالم.. إلى درجة تسميتها ''بمحور الشر'' أو ''الدول المارقة''، وقادت هذا ''التوجه'' كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وألمانيا... هذه الأطراف رافقت مرافقة قاسية من أجل أن يتم الضغط على البعض قصد التخلي عن مواقفه المبدئية تجاه مواجهة هذه الهجمة والحملة المغرضة ذات الأبعاد العدوانية، وهذا ما نقف عليه اليوم. ساركوزي أدخل فرنسا في هذه الدوامة.. وجعلها حليفا قويا لأمريكا وبريطانيا وألمانيا.. في النظر إلى الملفات الدولية منها.. أفغانستانوإيران والعراق والشرق الأوسط، بالطرق التي يلجأ فيها إلى القوّة بدلا من الحوار. لذلك تعالت العديد من الأصوات من داخل فرنسا مطالبة ساركوزي بالعدول عن هذه الاندفاعية التي ألحقت ضررا ماديا ومعنويا بمصالح فرنسا في الخارج.. وانتهاج أو اعتماد منطق اتباع سياسة خارجية بعيدة كل البعد عن الضغوط الأمريكية التي حوّلت هذا العالم إلى ساحة للإقتتال والموت.. في عهد ذلك الرجل المجنون بوش. وحتى الآن، فإن هناك محاولات جادة وواضحة يسعى ساركوزي لتداركها واستدراكها في أقرب وقت وهذا من خلال إقناع شركائه بإدخال تغييرات جذرية في سياستهم الخارجية من خلال التعويل على التشاور والديبلوماسية والتخلي عن سياسة التهديد والوعيد.. ويمكن في هذا الشأن، اعتبار إيران عيّنة حيّة على ذلك. ومن جهة ثانية، فإن الكثير من المتتبعين سجلوا حالة فريدة في السياسة الخارجية لساركوزي، وهي سعيه من أجل تأطير الأحداث الدولية بحزمة من الاقتراحات لوحظت على مستوى الأممالمتحدة وأوروبا الشرقية والحوض المتوسطي والشرق الأوسط، وهي محطات أو أماكن بعيدة كل البعد أحيانا عن فرنسا نظرا لكونها تراث للعديد من البلدان المرتبطة أو المتصلة بهذا الشريط البري والساحلي. ويمكننا في هذا السياق، تحديد إطار السياسة الخارجية لساركوزي فيمايلي: أولا، إعادة الانتشار على مستوى المعمورة. ثانيا، سد الثغرات من خلال التواجد في العديد من نقاط العالم. ثالثا، العودة إلى الفضاءات التقليدية في إفريقيا وآسيا. رابعا، العمل إلى جانب الولاياتالمتحدة وبريطانيا وألمانيا في بحث الملفات الدولية الشائكة. وما يحدث حاليا هو أن ساركوزي بصدد تقييم سياسته الخارجية وهذا من خلال انتقائه لحلفائه الطبيعيين في كافة القارات لبناء معهم توجهات واضحة تخدم المصالح الفرنسية قبل كل شيء واستطاع في هذا الإطار من تحقيق ذلك. وتبعا للسؤال المطروح في بداية هذا المقال، فإن ملامح السياسة الخارجية الفرنسية لساركوزي، ماتزال في طور الإعداد، ولم تكتمل دائرتها حتى الآن، لأنها على سبيل المثال، أقدمت على مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، الذي ولد ميتا نظرا لعدم الإعداد له بالكفاءة اللازمة.. والتصريحات الصادرة عن السلطات الفرنسية تقول بأنه ''معطل'' لعدة مشاكل قائمة اعترضت طريق انطلاقته.. وهذا وحده كفيل بالقول بأن السياسة الخارجية الفرنسية لساركوزي على مستوى ضفتي المتوسط، فشلت فشلا ذريعا في وضع التصور اللازم والضروري لإحداث فضاءات تشاور لترقية الفعل السياسي والاقتصادي والأمني في هذه المنطقة.