شكل موضوع الطفل ووضعيته الحالية في الجزائر محور نقاش مهم في منتدى جريدة ''المجاهد''، تطرق خلاله الحاضرون الى اهم المشاكل التي تؤرق كاهل الطفولة وبحثوا في نفس الوقت عن امكانية وضع آليات جديدة لتوفير افضل حماية للاطفال الذين تعلق عليهم الآمال لبناء مجتمع زاهر في المستقبل . واشار بداية، المحامي عزي مروان، الى المراحل العصيبة التي مرت بها الجزائر في العشرية الحمراء وادت الى انهيار القيم الاخلاقية في المجتمع الجزائري، ما انعكس بالسلب على وضعية الطفل الذي اصبح اكثر عرضة لمختلف الانتهاكات والاعتداءات، ناهيك عن ميوله الى القيام بسلوكات غير اخلاقية، كانت البوابة لمختلف الانحرافات التي تزداد نسبتها، الآن، اكثر من اي وقت مضى. وقد ارجع سبب كل الاختلالات النفسية التي يعاني منها الاطفال الى عدم قيام المؤسسات الاجتماعية بدورها على اكمل وجه. واقر، في معرض حديثه، ان الدولة الجزائرية منذ سنها لقانون العقوبات وضعت ترسانة تشريعية تقوم بتعديلها كل فترة، من اجل توفير حماية شاملة للاطفال القصر من مختلف الاعتداءات، خاصة الجنسية منها التي شهدت في الآونة الاخيرة ارتفاعا ملموسا كان جزء معتبرا منها من طرف الاولياء. فالمادة 261 من قانون العقوبات تنص على ان كل ام تقوم بقتل رضيعها تعاقب بالسجن لمدة تتراوح من 10 الى 20 سنة. وايضا المادة 269 التي استحدثت عام 2006 والتي تخص الضرب والعنف او منع الاكل عن الاطفال القصر، تضع عقابا لمدة 7 سنوات، كما ان هذه العقوبة ترتفع الى السجن لمدة 20 سنة اذا خلف ذلك الضرب عاهة مستديمة. اما المادة 334 افردت عقاب 20 سنة على الفعل المخل بالحياء على الاطفال من طرف احد الاصول. وان ركز المحامي في تعاطيه مع هذا الموضوع على الجانب التاريخي والقانوني، فان السيد عبد الحق مكي المدير التنفيذي للهيئة الوطنية لترقية الصحة، اهتم في مداخلته بالمشاكل الاقتصادية التي تلقي، حسبه، بظلالها الثقيلة على وضعية الاطفال في الجزائر، فانخفاض القدرة الشرائية للعائلات ومشكل البطالة يجعلان الاهتمام بالاحتياجات الاساسية للطفل في اسفل الاولويات، ما يرجح ارتفاعا اكبر لنسبة التسرب المدرسي الذي اعتبره ظاهرة مقلقة كونها تهدم المجهودات التي قامت بها الدولة في مجال الحق في التعليم، فآخر الاحصائيات تبين ان هناك 500 الف طفل اقل من 10 سنوات انهوا مسارهم الدراسي. كما ان هناك 300 الف طفل يعملون في المؤسسات التجارية والصناعية. وقد اكد، في سياق حديثه، انه اذا قمنا بتحقيق ميداني يكون اكثر دقة، فان هذه الارقام ترتفع بثلاثة اضعاف وقد تصل الى مليون ونصف مليون، حسب ترجيح السيد عبد الحق مكي. من جهتها، السيدة خيرة مسعودة محافظة شرطة ترى ان الاعتداءات التي تطال الاطفال القصر مرجعها ازمة اخلاقية حادة يعيشها المجتمع الجزائري نتيجة العشرية الاخيرة، خلفت، حسبها، حالة من اللامبالاة لدى الشرائح الاجتماعية. وقالت ان هذه المسألة تترجمها سلوكات اجرامية كالخطف والسرقة.. وكلها زادت خطورة مع انتشار ثقافة عدم التبليغ خوفا من الانعكاسات او عدم الشعور بالمسؤولية اللازمة حيالها، وطالبت، في نفس الوقت، بالمزيد من الحماية والرعاية تجاه المنحرفين وكسب ثقتهم من خلال اخذ انشغالاتهم ومحاورتهم دون تركهم يغرفون في الانحراف والاجرام. اما العضوة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، السيدة شادر مسعودة، فكانت اكثر تفاؤلا، في طرحها، من منطلق المجهودات التي تبذلها الدولة، في هذا المجال، والتي ساهمت، حسبها، في تحسين الظروف التي يعيش فيها الاطفال عموما، ومن اهم هذه المجهودات البرنامج الوطني (2008 2015) الذي اطلقته، مؤخرا، الوزارة المكلفة بالاسرة والمرأة في جانفي 2008 الهادف، في جوهره، الى حماية الطفل في جميع مراحله العصرية وفي جميع المجالات التي ينشط فيها. وقالت السيدة شادر ان اهمية هذا البرنامج تكمن في ان جميع القطاعات المعنية بمسألة الطفولة مدعوة للمشاركة فيه قصد تطبيقه وتفعيله، كما تعد ميزته الاساسية ادماج مجموعات من الاطفال للمشاركة فيه، حيث سيخلق لهم فضاء لطرح مشاكلهم وانشغالاتهم مع امكانية اقتراح الحلول التي يرونها مناسبة. من جهته، ممثل منظمة اليونيسف في الجزائر، منذر خالد، الذي فضل عدم الدخول في الاحصائيات والتحليلات العميقة، اكد ان موضوع الطفولة يعتبر مشروع مجتمع اكثر من كونه يخص هيئة معينة وطنية كانت او دولية، معتبرا المجتمع الجزائري اكثر المجتمعات انتاجا للمعرفة، لكن المشكل يقع في نظره في كيفية توظيف هذه المعرفة، بطريقة تؤدي الى ثورة اجتماعية تكون قائمة على توجه استراتيجي يركز على ضرورة حماية الاطفال وتهيئتهم لتطوير المجتمع.