تكوين اليد العاملة ومساهمة الوكالات في ظل الانفتاح على المحيط أمر حيوي تظهر أرقام المبادلات التجارية، خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية 2016، استمرار العجز الذي بلغ حوالي 12 مليار دولار، فيما تراجعت الصادرات إلى 15 مليار مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية (أي فقدان حوالي 7 ملايير) كما تراجع مستوى التصدير خارج المحروقات بنسبة حوالي 20 بالمائة.أمام أرقام بهذا الحجم والتأثير يطرح سؤال كبير حول كيفية تغطية العجز في وقت يتطلب فيه الظرف توفير ما لا يقل عن 10 ملايير دولار لضمان ديمومة التوازن المالي دون اللجوء إلى السحب من احتياطي الصرف الذي يجب أن لا ينزل تحت مستوى 100 مليار دولار بما يحمي الأمن المالي للبلاد في مواجهة متطلبات مصيرية. في ظل تداعيات الصدمة المالية الخارجية خاصة بالنظر للقراءات التي تعدها منظمتا مالية دولية والتحذيرات التي يطلقها الخبراء المحليون ليس هناك من خيار سحري سوى التركيز وبشكل مباشر وواسع على القطاعات التي يمكنها أن تساهم في إرساء اقتصادي إنتاجي ومتنوع وعلى رأسها- إلى جانب الفروع التي تحمل إشارات ايجابية كالفلاحة- قطاع السياحة. انطلاقا من خصوصياته بكل تناقضاته المتوارثة عن مختلف المراحل التي مرت بها السياحة وزادت من تراجعها سنوات المرحلة الماضية بفعل الأزمة الأمنية التي أصبحت من مخلفات الماضي، لا ينبغي أن يتم التعامل مع ملف النهوض بالسياحة كأمر ظرفي أو موسمي سرعان ما يطوى بانتهاء موسم الاصطياف، الذي يحتاج إلى إخضاعه للتحليل والتقييم من أجل استخلاص العبر وتحديد جوانب القوة والضعف بالمقارنة من أسواق مجاورة. يمكن الاشتغال على مسار الاستثمار في العدد الضخم للسياح الجزائريين الذين يغادرون، خلال أشهر الصيف، إلى وجهات مختلفة من العالم تتقدمها تونس لتحصيل موارد معتبرة كفيلة بأن تساهم في التقليل من الخطر المالي دون المساس بوتيرة التنمية. ويمكن توقع حجم الموارد التي تضيع نحو أسواق سياحية أجنبية بالقياس على ما يمثله 5 ملايين سائح يقصدون منتجعات ومركبات للسياحة في تونس لوحدها حيث ينفقون ما يعادل متوسط لا يقل عن 200 أورو، وتظهر عملية حسابية مدى الثقل المالي الذي يفترض أن يصّب نصفه في السوق الجزائرية . تتوفر مؤشرات جديرة بالمتابعة- ولو أنها بسيطة- بشأن انتعاش السياحة المحلية من خلال مختلف البرامج الاستثمارية لانجاز فنادق ومركبات ولكن بالأخص بفضل العمليات المتعلقة بتأهيل المؤسسات الفندقية التابعة للمؤسسات العمومية التابعة للقطاع التي شرع بعضها على غرار مؤسسة التسيير السياحي للوسط ومؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج في انجاز أشغال التهيئة والتجديد للرفع من مستوى الخدمات إلى متطلبات المعايير الدولية ذات التنافسية وإعادة التموقع في السوق الناشئة خاصة من حيث جذب الزبائن وإقناعهم بجدوى الميل إلى السياحة المحلية عن طريق الضغط على الأسعار المرتفعة حاليا وتنمية خدمات جوارية تستجيب لانشغال السائح واهتماماته تأخذ في الاعتبار الخصوصيات وكل ما يرتبط براحة الزبون. لا ينحصر تأهيل القطاع السياحي العمومي في تحديث وعصرنة الجانب المادي لهياكل الاستقبال وعصرنة الوسائل ذات الصلة بسوق السياحة فقط، إنما يشمل بالموازاة وبشكل مباشر الرفع من مستوى أداء اليد العاملة من خلال إطلاق برامج للتكوين والاستفادة من تجارب بلدان مجاورة أثبتت نجاعتها، علما أن هناك اتفاقيات قد أبرمت في هذا الموضوع مع تونس في إطار التوأمة، فيما ينبغي أن تحسن المعاهد والمدارس المتخصصة المتواجدة في جهات مختلفة من الوطن من جودة التكوين وإدراكها للتحولات الحاصلة وتطور اهتمامات وانشغالات الزبائن من مختلف جهات العالم مع إدراج المخزون الثقافي والتقليدي في الدورة السياحية (الصناعة التقليدية). تعتبر الأسعار المرتفعة على مستوى الفنادق والمركبات أحد العوائق وراء هجرة السياح في مواسم الذروة، دون الاجتهاد في الاستثمار في اختلالات الأسواق الخارجية في ظل ما حصل من انهيار أمني فيها للاستفادة من وجهات تعرف بتصدير السياح على غرار روسيا التي استقطبت تونس سياحها هذه السنة محققة موارد إضافية، بينما سجل في هذه السوق ارتفاع أسعار الخدمات (الطلب أكثر من العرض)، مقارنة بالسنة الماضية، حينما تراجعت الأسعار بعد الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت تونس (العرض أكبر من الطلب). بالنظر للمشهد المحلي والإقليمي، هل يتم استخلاص النتائج وتحديد الركائز التي يمكن البناء عليها في المديين القصير والمتوسط أم تبقى دار لقمان على حالها يحاصرها خطاب تقليدي من المتعاملين والمستثمرين الذين يلخصون المسألة في ما يعرف بالعقار وتراجع قيمة الدينار والخشية من الزبائن المحليين لقلة مستوى الثقافة السياحية. بالمقابل فإن نزول الوزير عبد الوهاب نوري قبل أيام إلى الميدان أزاح اللثام عن واقع مقلوب لا يمكن أن يستمر لانقاد القطاع السياحي من وضعه الراهن غير السليم وإدراجه في معادلة النموذج الاقتصادي للنمو في أجل قياسي، حيث أعلن وبشكل واضح عن قرار إيفاد لجان للتفتيش تسلط الضوء على ظاهرة نهب العقار السياحي(مناطق التوسع المسطرة) تشمل كافة الولايات ذات الطابع السياحي والقيام بالتدقيق في المشاريع ذات القيمة المضافة من أجل فرز الدخلاء على النشاط واتخاذ ما يتطلبه الموقف من إجراءات ملائمة (موضوع للمتابعة). تقع على عاتق وزير السياحة مهمة مصيرية بالنظر للآثار الاقتصادية التي تترتب على الظرف الراهن وحتمية المبادرة بإنهاء إعوجاج ستكون له تداعيات على النمو في وقت يمثل فيه كل مورد مصدرا للدخل خارج المحروقات، ومن ثمة ضرورة الوقوف بالمرصاد لكل من يمثل خطرا على بعث السياحة الاحترافية الخلاقة للنمو، في وقت تطالب فيه الوكالات التي تشتغل في سوق السياحة بالمساهمة في تغيير عناصر المعادلة بالتقليص من التصدير للخارج واستقدام الزبائن إلى الجزائر ضمن رؤية شاملة يلعب فيها كل متعامل دوره من موقع المعني بمواجهة الظرف المالي والمساهمة في التقليل من تداعيات الصدمة الخارجية ولو بتسويق ابتسامة وترويج خدمة غير مادية.